تحليل وتذوُّق.. قدَّم معه تجربة ناضجة وجديدة في كل تفاصيلها ثنائية ناصر عبد العزيز والحوت.. لونية خاصة كسرت التقليدية

 

كتب: سراج الدين مصطفى     30 يوليو 2022م 

سمح الغنا في خشم محمود

محمود عبدالعزيز، اسم عريض لا يحتاج لتعريف ويكفيه جداً أن غير معظم المقولات السائدة عن الغناء السوداني، فهو غير مقولة (سمح الغنا في خشم سيدو) لتصبح مقولة جديدة (سمح الغنا في خشم محمود) وتكسير مثل هذه القناعات لا تنتجها الفراغات والأشكال الغنائية الواهنة، فهو وضع بصمته المميَّزة حتى أصبح سيداً لكل الفنانين الشباب حتى وهو بعيد عن الدنيا وتعدى ذلك وكان  ينافس كبار الفنانين عبر جمهور عريض وصل مرحلة الهوس والجنون بتجربته الغنائية. أهم ما يميز الراحل  محمود عبدالعزيز اهتمامه العالي بالتنفيذ الأوركسترالي، فهو لا يصعد لخشبة المسرح إلا ومعه أوركسترا مكتملة من شأنها أن تقدِّمه لمستمعيه في أبهي صور التنفيذ، ورغم أن محمود عبد العزيز درج على التغيير في أفراد الأوركسترا بحسب المزاج وقرب العلاقة الشخصية، ولكن هذا لا ينفي اهتمامه المتعاظم بالأوركسترا حتى تخرج الأغنيات بطريقة بديعة.

مراحل ومدارس لحنية

تجربة الفنان الأسطوري الراحل محمود عبدالعزيز، مرت بعدة مراحل أو مدارس لحنية، لعل أبرزها مع الملحن عبدالله الكردفاني وفرقة البعد الخامس الموسيقية التي عاشت مع محمود عبدالعزيز أنضر فترات عمر تجربته الثرة بالمتغيِّرات، محمود تغنى لعدد من الملحنين كان أبرزهم يوسف القديل الذي قدَّم مع محمود عبد العزيز أغنيات كثيرة بداية من (لهيب والشوق نور العيون وما تشيلي هم)، كلها كانت أغنيات ناجحة وحققت حضوراً في قائمة أغنياته الطويلة.

مع ناصر عبد العزيز

ولكن بتقديري أن تجربة الراحل محمود عبد العزيز مع الملحن ناصر عبد العزيز كانت أكثر نضجاً ومغايرة واختلفت كلياً عن كل تعاملاته مع الملحنين الذين سبقوا تجربته مع ناصر عبدالعزيز، فهو أضفى على محمود لونية غنائية بدأها محمود مع دكتور الفاتح حسين في شريط (سكت الرباب) و(في بالي) وهذه الألبومات هي التي شكَّلت ملامح محمود الأولى، ولكنه عاد بعد ذلك للشكل التقليدي من التنفيذ الموسيقي وترك فكرته الأولى مع الدكتور الفاتح حسين الذي خطط حينها لمسار جديد لتجربة محمود في ذلك الوقت، ولكن تفكير الحفلات والعدادات عاد به لمنطقة الشكل التقليدي من الأداء وحتى الأغنيات التي أختارها رغم جمالها ولكنها لا تعبِّر عن شكل تجربة غنائية موسيقية يمكن أن تشكل إضافة قوية بعيداً عن سطوة حضور محمود عبد العزيز، لأن الهستيريا التي يجدها من قبل جماهيره غطت على الكثير من الأخطاء التي أعترت تجربة محمود بعد ذلك، وجمهور محمود يمكن أن يتقبل أي أغنية وبأي شكل لمجرَّد أن محمود هو مغنيها.

تبدُّل المسار القديم

تجربة الراحل محمود عبد العزيز كان يمكن لها أن تبدِّل المسار القديم الذي انتهجه دونما قصد، وكان يمكنه أن يخرج من دائرة الكلاسيكات للحداثة، والحداثة التي أعنيها وبكل تفاصيلها كان يمكن أن يجدها في ألحان ناصر عبد العزيز، فهو ملحن سوداني بفهم متقدِّم جهداً، وإذا توقفنا في ألبوم (عدت سنة) نجد أن محمود فيه أخرج أقصى ما لديه من إمكانيات صوتية وأدائية وأختلف تماماً عن شكله القديم الذي جاء بعد (سكت الرباب وخلي بالك)، ففي هذه الفترة أنتج محمود عبد العزيز ألبومات لا أخر لها ولا عدد، وتلك الألبومات الكثيرة كان كل ألبوم ينسخ الأخر بمعنى أن الألبوم الذي يخرج يكون ألغى الذي قبله .

مزاجية مقيَّدة

لذلك نجد أن محمود أنتج أغنيات كثيرة ولكنها كانت أغنيات أستوديو فقط، يتم شراؤها من أصحابها ليتم تسجيلها على الشريط فيغنيها محمود من الورقة ويسجلها ثم بعد ذلك تصبح نسياً منسياً كحال العديد من الأغاني التي أنتجها وذهبت مع الريح وعدد قليل فقط، هو الذي بقي في الذاكرة، فهل هناك من يذكر أغنيات ألبوم (يا مفرحة )و(يا مدهشة) و (عامل كيف)، حتى ألبوم (عدت سنة) الذي جمع محمود عبدالعزيز بناصر عبدالعزيز دخل هو الأخر حيز النسيان وما عادت أغنياته يذكرها أحد مع أنها بتقديري الخاص من أميز الأغنيات التي تغنى بها عبر تاريخ تجربته، ولكن المزاجية التي كانت تحكم الراحل محمود عبد العزيز قيَّدته وحرمته من أن يطفر فوق راهن تجربته الحالية فهو يحتاج (لنيولك) في أغنياته حتى يكون مواكباً فناناً شاباً يفترض فيه أن يبحث عن التغيير والجديد الذي يمكن أن يشكِّل إضافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى