أحلام صغيرة

وكل ما أرجوه من هذه الحياة.. ستر وعافية وأمان.. ومثلي كثير.. لا يفقهون في عالم السياسة ولا يتقنون لعبتها القذرة.. يَسلكون دُروب الحياة ببساطةٍ ورضاءٍ.. يُراقبون المشهد العام بحيرةٍ وقلقٍ.. ويبذلون الدعاء عند كُلِّ صلاة كي يحفظ الله البلاد والعباد.. يُؤلمهم مشهد الدماء.. وتزكم أُنوفهم رائحة الموت.. ويخافون من الدموع والحُزن.. ويحلمون أحلامهم الصغيرة البسيطة وهُــم يَتوسّدون العَشم الأخضر والإيمان الكبير عند النوم.

وأحسب أنّ السَّواد الأعظم من أبناء السودان يتمتّع بالسِّمات الواردة أعلاه.. فالأطراف المُترامية تُؤكِّد أنّ البلاد لا تقتصر على العاصمة المثلثة ولا على المهاجرين أو أبناء الاغتراب.. ولأجل هؤلاء لا بُدّ للنظر للأمور من زاويةٍ أخرى.. لا علاقة لها بالأحزاب والرؤى السِّياسيَّة.. ولا مَجالٌ فيها للأمجاد والمَقاعد القيادية الوثيرة.. ولا صَوتٌ فيها يَعلو فَوق صوت الإنسانية المُجَرّدة في أسمى معانيها.

فمن قال إنّ التغيير الإيجابي يجب أن يعبر فوق صراط الغاز المُسيِّل للدموع والرصاص والتجمُّعات والاستفزاز والمتاريس والهتافات القميئة والكراهية غير المُبرِّرة؟! من قال إنّه لا بُدّ من وجود جبهات وقُوّات ومليشيات ومواكب ومُواجهات دامية وجلسات انعقاد وانفضاض حتى تعبر البلاد نحو حقها الطبيعي في التّطوُّر والتّقدُّم والنماء؟!

وإنِّي لأستغرب الحيِّز السِّياسي الواسع الذي تَدُور فيه بلادنا رغم افتقارنا للجَو السِّياسي المِثَالي والمَفروض!! فمن قال إنّ السِّياسة تعني بالضرورة الاختلاف والتحزُّب والانشقاق والانقسام والمُهاترات والجدل البيزنطي العقيم؟! إننا ببساطةٍ وحسب وجهة نظري الشخصية المُتواضعة كمُواطنة تفتقر لأبجديات السياسة ونُعاني من الارتباك السِّياسي ونحتاج أول ما نَحتاج لاستقرار سِياسي وفهمٍ عميقٍ للمصطلح!!

ثُمّ هل لاحظتم معي أنّه قد مَضَى زَمنٌ طَويلٌ ونحن في فراغٍ دستوري عريضٍ دُون وجود حكومة بالمعنى المعروف، ورغم ذلك مَضَت الحياة على ذات الوتيرة؟!

إنّ أولى أولويات تحمُّل المسؤوليات من كل الجهات هي ضرورة الالتفات لقضايا المُواطنين الخدمية وسَد حاجتهم الإنسانية من علاجٍ وتعليمٍ ومأكلٍ ومَشربٍ، فالكثير منا لا يعنيه سواهم.. ولا نكترث للأسماء أو النعرات الحزبية أو القبلية أو عسكرية الحكم أو مدنيته فنحن نُريد فقط أن نحيا في سَلامٍ.. وعلى المُتهافتين على الحكم وَضع ذلك على رأس القائمة وتحمُّل العقبات.. وإن كُنت أنصحهم بذات البساطة بالتّبادُل السّلمي للسُّلطة وضرورة قيام انتخابات حُرّة ونزيهة نمنح فيها حَق الاختيار، نحن هؤلاء المحسوبين من سقط المَتاع كوننا نقف على الحِياد السِّياسي ونُعاني من الإقصاء والتنمُّر فقط لأجل هذا الحياد.. فعلى أيّامنا هذه إن لم تكن مع أحدهم فأنت مُصَنّفٌ ضده وتستحق الإساءة والأذى وربما القتل!!

وإنّني كغيري أحلم بفترةٍ انتقاليةٍ سلسلةٍ خاليةٍ من الخطابات المُحتقنة بالكراهية.. المُعبأة بالفتن.. التي كَانَت سَبباً في موت شبابنا الواعد ولم يمَس أهلها أيِّ سُوء!!

 فمتى يحق لنا أن نحيا أحلامنا الصغيرة على أرض الواقع بعد أن تَتَحَوّل شعارات الحُرية والسَّلام والعَدالة لحقيقةٍ ماثلةٍ وليست مُجَرّد عناوين بارزة لواقعٍ مُزيّفٍ؟!

تلويح:

ويظل الحُلم حَقاً مَشروعاً لا تطاله يد الإقصاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى