يعاني من ثغرات.. تعثر التحصيل الإلكتروني.. إهدار لموارد الدولة

 

 

تحقيق: أم بلة النور  24 يوليو 2022م 

أدخلت الحكومة برنامج الحوسبة الإلكترونية منذ العام 2015م، حيث بدأت بمشروع التحصيل الإلكتروني، والذي وجد انتقاداً كبيراً من قبل بعض  المسؤولين، والخبراء الاقتصاديين، نسبة لوجود العديد من الإشكالات التي تواجه نظام التشغيل والأجهزة المستخدمة، والتي أدت إلى ضياع الإيرادات التي ذكرها المراجع العام في حوار أجرته معه (الصيحة) قبل إقالته.

ولمعرفة تفاصيل أكثر عن التحصيل الإلكتروني وثغراته أجرت (الصيحة) تحقيقاً واسعاً شمل مجال عمله في العاصمة والولايات وخرجت بالآتي:

ثغرات كبيرة

أشار المراجع العام السابق فخر الدين عبد الرحمن، إلى وجود ضعف واضح في التحصيل الإلكتروني، وقال           لـ (الصيحة) إنه يعاني من جملة من الثغرات خاصة بالولايات، حيث قال: إن هناك إشكالات مشتركة بين كل الولايات فيما يتعلق ببرنامج التحصيل الإلكتروني  مثل: ضعف الشبكات ووجود أجهزة تحصيل غير صالحة وفيها إمكانية محو الذاكرة بعد عملية التحصيل وهي أكبر ثغرة تؤدي لضياع الإيرادات، كما أشار إلى وجود إمكانية إلغاء السلطة والتي تتم من قبل المتحصل والمشرف وهذه الإمكانية أدت إلى تجاوزات كبيرة في  المال العام، وأوضح أن عدة أشخاص يدخلون عبر الرقم السري “الباسورد”  ما يؤدي إلى تداخل في الاختصاصات، وأوضح أن الولايات الطرفية الأكثر تجاوزاً مثل: دارفور والنيل الأزرق  وسنار وكل الولايات البعيدة عن المركز مشكلاتها أكثر في التحصيل الإلكتروني.

تصوُّرات جديدة

وذكر أنهم  كانوا قد وضعوا تصوُّراً جديداً للمعالجة أهمها رفع سلطة الإلغاء لأربعة مشرفين، بدلاً من مشرفين اثنين  بما فيهم المراجع الداخلي والمشرف المالي .

وأضاف: إن مشاكل التحصيل الإلكتروني كثيرة جداً وجزء منها يحتاج لتعديل اللائحة وتم رفع توصيات وقد نفَّذتها ولاية سنار وبحسب حديثه فإن الإيرادات ارتفعت بنسبة (70%)، فضلاً عن وضع خطة لقيام ورشة عمل حول كيفية معالجة إشكالات التحصيل الإلكتروني مع الجهات المختصة.

مشاكل مفتعلة

ويرى مصدر مسؤول داخل الجهاز القومي للتحصيل: إن هناك إشكالات مفتعلة من قبل بعض المتحصلين وتكمن في تعمد محو ذاكرة جهاز التحصيل عندما يكون خارج تغطية الشبكة بإخراج بطارية الجهاز والتي تعمل على محو التقارير غير الصادرة بمجرَّد إخراجها، فضلاً عن إغلاق الجهاز لفترة طويلة نتيجة نفاد طاقته الكهربائية وهي فترة  كافية -أيضاً- لمحو التقارير، والتي تسبب في ضياع الإيرادات، وأضاف المصدر: إن هناك أخطاء تظهر عند إجراء العمليات مثل: الأخطاء في كتابة الأرقام، وهي تأخذ فترة طويلة جداً في عملية المعالجة وتعد كذلك ثغرة في تجنيب الأموال .

تجربة فاشلة

واتفق الخبير الاقتصادي دكتور عادل عبد  عبد العزيز، مع المراجع العام السابق في حديثه عن وجود ثغرات في التحصيل الإلكتروني، وأكد ضياع إيرادات الدولة بسبب نظام التحصيل الإلكتروني، وقال إنه بدأ عام 2015م، ومنذ ذلك الوقت فهو متعثر وتم اختراقه ورغم مرور سبع سنوات، إلا أنه لم يقنن حتى الآن وكانت به تحفظات منذ البداية من بعض المسؤولين خوفاً من ضياع الإيرادات وقد كان، وقال عادل لـ(الصيحة): إن أكبر التحديات التي تواجهه هي صعوبة مراجعته لضعف الشبكة إلى جانب حاجته إلى أجهزة ومعدات لا تتوفر في الولايات البعيدة مقارنة بإيصال (15) الورقي المعمول به سابقاً والذي اعتبره أكثر دقة وسهل المراجعة يتناسب مع إمكانيات البلاد الفنية، وكشف عن ثغرة جديدة يستخدمها المتحصلون وهي التحصيل عبر التطبيقات المصرفية الشخصية للمتحصلين ليقوم بدوره تحويلها للدولة وهي ثغرة كبيرة فيها استغلال وإهدار للإيرادات .

واعتبر عادل أن التحصيل الإلكتروني -أيضاً- تسبب في تعطيل حركة المواطن الذي ينتظر بالساعات في انتظار الشبكة أو عودة التيار الكهربائي وما فقدته الدولة من إيرادات نتيجة التحصيل الإلكتروني لا يمكن تحديده ولولا الضرائب والجمارك الذي عليهما بعض الضوابط لكان الوضع أسوأ مما هو عليه، واعتبر الولايات هي الأكثر تأثيرًا .

عودة حتمية

ويرى الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز، أن العودة إلى إيصال (15) الورقي هو الحل الوحيد لضبط الإيرادات لأنه يتناسب مع إمكانيات الدولة، وإرجاء التطبيقات البنكية والإلكترونية لوقت لاحق، وأرجع ذلك لصعوبة تطبيقها نسبة لعدم اكتمال الحوسبة الإلكترونية في العديد من المؤسسات لأسباب فنية ومالية وتمويل الشركات الموردة للأجهزة، و دعا عادل إلى ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية، لأن الدولة في أمسَّ الحاجة للجنيه، وبعد توفر الإمكانات المادية والفنية وأدوات المراجعة الدقيقة يمكن العودة مرة أخرى للتحصيل الإلكتروني الذي يعد الآن عشوائياً، وشدَّد على ضرورة وضع ضوابط رادعة وهي غير متوفرة حالياً .

وسائل ناجعة

بينما اعتبر الخبير الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل، أن الحوسبة من أهم وسائل مكافحة الفساد، وتعتبر الحوسبة أسلوب فعَّال جداً في مكافحة تجنيب الإيرادات والضبط المالي، والتحصيل الإلكتروني جزء من الحوسبة وهو لا يعترف بالمسؤولين كل الناس على حد سواء لذلك كنا نتمنى أن يشمل جميع المؤسسات الإدارات الحكومية المختلفة وغير الحكومية وبهذه الحالة تساعد الدولة نفسها في عمليات خصم الضرائب والرسوم المختلفة، والآن هناك تهرب ضريبي والدولة لا تستطيع أن تضبط ذلك .

ويرى المهل أنه لو تم تطبيق التحصيل الإلكتروني في الأمن والداخلية ومصلحة الأراضي، والقضاء والجمارك، فضلاً عن مخالفات المرور فقط يمكن تمويل وزارة المالية، وطالب بتفعيل نظام الرقابة الإلكترونية في جميع الطرق لرصد المخالفات إلكترونياً ونظام ملزم لسدادها، وأضاف أن كاميرات المراقبة عملت لفترة وجيزة وتوقفت لأن المتضرِّر منها المسؤولين والدستوريين، واستشهد المهل بالإمارات والسعودية في ارتفاع الإيرادات المرورية نسبة لتفعيل النظام ودخول الأموال لوزارة المالية مباشرة، وأعاب على السودان في تحصيل أفراد المرور الدفع يدوياً أوعلى حساب مصرفي شخصي عبر التطبيقات البنكية، وشدَّد على ضرورة دخول الإيرادات إلكترونياً كافة لوزارة المالية مباشرة من كافة القطاعات، وكشف عن وجود جهات متضرِّرة منه ولا ترغب في تطبيقه، مستشهداً بالشرطة والأمن والقضاء إلى جانب بعض الدستوريين، وهناك -أيضاً- بعض المتحصلين يعطلون النظام لأن الأموال تكون (جنيهين في جيبه وجنيه للدولة) .

القدرة على المعالجة

ويرى المهل أن التحاوزات والإشكالات كافة بفعل فاعل، وكل الثغرات، فنيو تقانة المعلومات قادرون على معالجتها، ولكن هناك بعض الأشخاص لديهم مصلحة وهو عبارة عن فساد، وبعض الجهات لا تريد ووزارة المالية تعلم بالمبالغ المتحصل عليها وهي أكبر الإشكالات التي تواجه التحصيل الإلكتروني، وهناك إشكالات تتمثل في ضعف الشبكة وانقطاع التيار الكهربائي وضعف الأجهزة والنظام كلها يمكن معالجتها بتوفير الأجهزة بالطاقة الشمسية، داعياً الدولة عدم التراجع وعليها فقط تفعيل النظام الموجود –حالياً- ومعالجة الثغرات الفنية عبر مهندسي الاتصالات وأمن المعلومات وعمل بنيات تحتية للتحصيل الإلكتروني والاستفادة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمات المختلفة في إنشاء قاعدة بيانات وبهذه الطريقة يؤكد المهل أن وزارة الداخلية فقط يمكنها تمويل السودان بأكمله، وقال إن الإيرادات التي تصل إلى وزارة المالية لا تصل نسبة (10%) من الإيرادات الحقيقية، وأضاف قائلاً: إذا كان هناك إيصال ضريبي واحد حقيقي يقابله (35) أيصال عشوائي تفرضه الولاية أو المحلية أو الوزارة وأحياناً المتحصل نفسه .

مشروع استراتيجي

وقال عبد المحسن محمد محمد خير، مدير  ديوان الحسابات القومي هو المسؤول عن إيرادات الدولة، والقائم على مشروع التحصيل الإلكتروني عبر إدارة خاصة، قال: إن التحصيل الإلكتروني مشروع استراتيجي وهو الذي يتم من خلاله تحصيل المال العام أي كان نوعه حسب القرار الوزاري، وقال: إن هذه المشروع (أ 50) هو الوحيد المبرئ للذمة والذي جاء بديلاً لإيصال (15) ولكنه إلكترونياً . ويرى أن الحكومة قادرة على السيطرة على المشروع بإجراءات فنية وإدارية إلى جانب شركة مشغله للنظام .

ويرى عبد المحسن أن التحصيل وحده لا يكفي ليكون المشروع فعَّال لذلك لابد من تفعيل عملية الدفع الإلكتروني وهي من المتطلبات الأساسية للصناديق العالمية وللمانحين، والمستثمرين لإتاحة نسبة عالية من الشفافية، وعدم تجنيب الأموال وعدم تعرُّضها للخطورة واختفاء تام للعملة الورقية النقدية وتحل محلها العملة الإلكترونية، وهذه أكبر الإشكالات ونسعى في حالها ونعمل على تطبيق عملية الدفع الإلكتروني في كافة أنحاء السودان، وبدأ العمل بوزارة الداخلية، وأضاف: إن أي مشروع يجد بعض التهديدات والعقبات، ويرى أن دور الإعلام مهم في نشر ثقافة الدفع الإلكتروني ووسائله وكيفيته، وسوف تعمم العملية على الأصعدة كافة.

شركات مؤهلة

وقال محمد خير: إن جميع الشركات العاملة في مجال توريد أجهزة التحصيل الإلكتروني وهي عبارة عن (8 أو 9) شركات منذ بداية المشروع وديوان الحسابات يعمل على ربطها بالنظام، بالإضافة لشركة النيل وهي مشغل فقط للنظام. وأضاف: إن هناك بعض الأجهزة انتهى عمرها الافتراضي بالتقادم، لأن التقنية متجدِّدة بشكل يومي وهذه هي المشكله التي تواجهنا ولكن نحاول في كل عام تجديدها والآن طرحنا عطاء لتأهيل شركات من جديد عبر جسم فني كبير جداً يقوم بوضع المواصفات الخاصة بالأجهزة، وهناك مشكلة ضعف الشبكات  تواجهنا -أيضاً- نتيجة لعدم انتشار أبراج شركات الاتصالات في كافة المناطق ولابد من تفعيلها فضلاً عن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وكذلك هناك بعض الأبراج تعمل بالوقود والتي تعد تكلفته عالية جداً. ولكن يعمل نظام الأجهزة المستخدمه بنظامين الأول عبر الإنترنت والآخر بنظام داخلي والأخير يعمل عندما يكون الجهاز في منطقة خارج التغطية وعند دخوله مباشرة تبدأ عملية تحميل التقارير، ونسعى دائماً في تجديد الأجهزة لحل هذه القضية، وأضاف: إن عملية الدفع الإلكتروني -أيضاً- نساهم في حلها . وذكر عبد المحسن أن هناك قضية الأخطاء في كتابة الأرقام وتسمى المنازعات وتتم عبر شركة الخدمات المصرفية تتبع لبنك السودان وهي المنوط بها حل كافة المنازعات، ولا تأخد فترة زمنية طويلة وتحل تلقائياً بإعادة المبالغ لأصحابها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى