الفتنة القبلية.. تبادل الاتهامات

 

الخرطوم: مريم أبَّشر     20 يوليو 2022م

تعيش البلاد في هذه الفترة الحرجة من تاريخها السياسي، أوضاعاً مأساوية في ظل اندياح العنف وانتشاره كما النار في الهشيم من ولاية لأخرى ومن مدينة لمدينة في ظل صمت مطبق من السلطات والقوى السياسية والعجز والتراخي للحيلولة دون وقوع أعمال العنف والتخفيف من وطأة ذلك على أقل تقدير في حينه، خاصة وأن كل المؤشرات كانت تدل على حدوثه، فكانت نتيجة ذلك أن دفع الآلاف من الأبرياء ثمن الفتنة والصراع والتجاذب على كراسي السلطة قتلاً وتشريداً ونزوحاً، ودفعت البلاد فواتير غالية لأرواح بريئة وتدمير ما تبقى من بنيات تحتية. ويقف شاهداً على ذلك التداعي المخيف لأحداث العنف بالشرق والغرب والنيل الأزرق وكسلا على وجه التحديد خلال هذه الأيام. وصاحب العنف المستحدث نمط الصراع القبلي وهو النوع الأخطر من أشكال الصراع على السلطة، لجهة أن السودان بلد مترامي الأطراف ويزخر بالتنوع القبلي والإثني ويتداخل عبر حدوده الممتدة مع سبع دول مع عرقيات قبائل شتى وهو بهذا الكم الهائل من التنوع يحتاج لحكمة في إدارة التنوُّع لخلق نسيج خاص يكون للوطن وليس القبيلة. معظم القوى السياسية الفاعلة في الحراك الثوري استهجنت نمط العنف والاستهداف الجديد باسم القبيلة واعتبرت ذلك نوع جديد تستخدمه السلطة القائمة بنشر فزاعة عدم الاستقرار وانتشار العنف القبلي للبقاء أطول فترة ممكنة وقطع الطريق أمام استعادة المسار، الديموقراطي.

الحقيقة الماثلة

الخبير السياسي والأكاديمي عبد الرحمن أبو خريس، لفت إلى أن النزاعات القبلية أصلاً موجودة في السودان منذ العهد السابق قبل وبعد قرارات الخامس         والعشرين من أكتوبر، وأضاف لـ(الصيحة): إن الحقيقة الماثلة هي فشل القوى المدنية في التوافق على مشروع  وطني يحقق الحد الأدنى من التوافق لإدارة الفترة الانتقالية، وحمَّل أبو خريس القوى المدنية الأزمة التي تشهدها البلاد حالياً، وقال: إن العالم يترقب أن تضع القوى المدنية مشروعاً لإدارة الفترة الانتقالية وأن يستغلوا ما وعد به الفريق البرهان في الرابع من يوليو الجاري.

 الخيانة

أما الأكاديمي الدكتور صلاح الدومة، فقد قال: إن الاتهامات الموجهة للعسكر بتأجيج الصراع القبلي واقعية ولا تحتاج لحشد الأدلة، وأضاف لـ(الصيحة): إن العسكر هم المسؤولون عن زعزعة الأمن والاستقرار وأن الاتهام الذي يوجهه العسكر للمدنيين أصبح حجة عليهم،      ويرى أن الانقسامات وسط المدنيين شئ طبيعي، لأن الأصل في الاختلاف لجهة أنهم ينتمون لأيديولوجيات مختلفة ومتباينة، معتبراً ذلك ينم عن ضحالة معرفة بالعمل السياسي.

وفيما يتعلق بالانقسامات وسط القوى المدنية والتشدُّد من قبل بعضها قال  الدومة: لولا الخيانة ونقض العهود لما كان لبعض الأحزاب الراديكالية أن تظهر، لافتاً بالقول: لو أن العسكر سلموا السلطة للمدنيبن اتساقاً مع العهد المبرم في الإعلان السياسي لما كان للتشدُّد أن يجد حظاً للتمدُّد.

صوت الحكمة

من جانبه حمَّل رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور، ما أسماه بنظام الانقلاب المسؤولية الكاملة عن العنف القبلي في النيل الأزرق وكسلا، وقال في تغريدة على حسابه بـ”تويتر”: إن العنف القبلي امتداد للإبادة الجماعية التي ارتكبت في دارفور وجرائم الحرب التي ارتكبت في أجزاء واسعة من السودان،    وأضاف: إن المجلس العسكري يهاجم دائماً سلامة المدنيين الأبرياء للبقاء،       ودعا نور لاستخدام صوت الحكمة والعقل والتغلب على مؤامرات العسكر.

احتمالية الانهيار

وزير وزارة مجلس الوزراء السابق خالد سلك، قال -أيضاً- في تعليقه على العنف القبلى في كسلا والنيل الأزرق: إن استخدام احتمالية انهيار الدولة كفزاعة  لمقايضة الديموقراطية والحرية والاستقرار، واعتبر ذلك لعبة خطيرة في بلد بها أعراض الهشاشة وتجاذباتها ومواريث ثقيلة من الصراعات الداخلية السياسية         والاجتماعية، فضلاً عن وجود أيادي خارجية ذات أجندة لتمزيق السودان،      وقال: إن استمرار الانقلاب هو وصفة الانهيار العاجل للدولة، ويرى أن هزيمته هي الواجب المقدَّم على ما سواه، ولفت للأيادي التي تعبث بوحدة قوى الثورة وصف القوى المدنية والأخرى التي ترتدي منظاراً ضيِّقاً يزيد من تقسيم المشهد هي -أيضاً- خطر يجب الانتباه والتعامل بجدية، وزاد: إن الواجب الآن أن تتوحد قوى التغيير الديموقراطي لوقف نزيف الدم عاجلاً وإقامة تأسيس جديد يقوم على سلطة مدنية كاملة على أوسع قاعدة للوصول لصيغة تقود لجيش واحد مهني وقومى ينأ عن السياسة وانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يمثله.

منجاة البلاد

فيما أوضح عضو مجلس السيادة السابق والقيادي بالحرية والتغيير محمد الفكي، أن انتقال الصراع من ولاية لولاية ومن مدينة لأخرى خطط له بدقة وأن الانتقال بسرعة يوضح أن الأمر خطط له وليس تنادياً عادياً لمجموعة من الغاضبين، وأضاف الفكي في صفحته على “فيسبوك”: إن التلاعب باستقرار  الناس وحياتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية سيعود لحريق شامل في البلاد ولن يترك ميادين صالحة للتنافس السياسي المدني، وأن التدمير المنهج لسلمية الثورة ونقلها لمربع العنف حتى يتسنى فرض حالة الطوارىء والتعامل العنيف مع المحتجين لن ينتج عنه استقرار، فقد أكدت الثورة عبر حراكها  لسنوات أن أهدافها واضحة وهي مدنية  الدولة والانتقال للتحوُّل الديموقراطي وقدَّمت في سبيل ذاك مئات الشهداء. وقال: إن السلمية وإنهاء الانقلاب هي منجاة هذه البلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى