محمد ادريس يكتب : بص الروصيرص.. وأزمة النيل الأزرق..!!

 

18  يوليو 2022م

*آخذ يشرح لي صديقي العزيز القادم من الولايات المتحدة الأمريكية في إجازة سنوية يقضيها بين عبور المتاريس ومتابعة جداول ورزنامات المواكب، الفروقات الشاسعة بين البلدان النامية والدول الغربية/ التي ينعتها البعض تحت وقع تأثير التعميم (الطالباني) المخل، بنعوت الكفر والمجون والعلمانية.

وقديماً قال الشيخ محمد عبده، مقولته المشهورة (رأيت في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين).. وسبب ذلك القانون الذي يحفظ التوازن بين مصالح المجتمع، إذ لا يعتدي العام على الخاص ولا الخاص على العام ولا يستثني من العقوبات أحداً. وإن المواطنة هي الأساس في الحقوق والواجبات، وإنما طبق الغرب دستور دولة المدينة..!

 

 

*وإذا كانت المواطنة قد تحققت في التجربة الغربية فتلك واقعة وليست قانوناً، لأنها قد تحققت قبل ذلك على نحو أو آخر في سياق التجربة الإسلامية، أو كما يقول زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي.

 

 

*وفي أوروبا والولايات المتحدة مثلاً يحصل المهاجرون القادمون من بلاد أفريقيا والكاريبي والهند البعيدة، على حق المواطنة والتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون، مثلاً المساواة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية أو فرص التصويت والترشح في الانتخابات السياسية، بل انتقلت المفاهيم إلى (المواطن العالمي)، إذ كان يشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع العالمي..!

 

 

*وبينما يسمو الغرب إلى المجتمع (العالمي)، نتقهقر نحن في بلادنا إلى درك المجتمع الرعوي الذي تسيطر فيه القبيلة والعشيرة على مقاليد الشأن العام، بل وتقسم حتى القبائل إلى كانتونات صغيرة وبطون أصفر، مجتمعات (الحاكورة)، وخطاب الاستعلاء الأجوف، هؤلاء سكان أصليون وأولئك مستوطنون جدد، ولم نسمع في العالم بالعبارة الأخيرة تُطلق حتى على من شاركوا في استقلال البلاد وتكوين قوات دفاع السودان، وهب جدلاً أنهم قدموا إلى السودان مع الإنقاذ، ألا تكفي العقود الثلاثة على نيل حق المواطنة، أم هو الابتزاز السياسي وخلط الأوراق والسير عكس اتجاه الريح في فترة انتقال مجهولة تغري بمزيد من الفوضى..!

 

 

 

*ما يحدث في الدمازين والروصيرص وقيسان من صراعات قبلية وقتل بالهوية، حدث بذات الوتيرة والخطاب والدواعي في دارفور، حينما قامت ولا تزال حرب كراهية تستهدف مكوناً بعينه، دُمغ بأنه قادم من صحاري تشاد ومالي، وهو ذات الخطاب الماكر في شرق السودان الذي يستعطف الأمن القومي والقومية السودانية ويصور لها الفتن من زوايا حراسة ثغور من الاختراق عندما اندلع الحريق شرقاً بما يشي أنها مواجهة بين أصحاب الأرض والأجانب، كل ذلك ما كان سيحدث إذا طبقت الحكومة القانون وردعت من يخولون لأنفسهم انتحال صفة الدولة لإثارة الفتن لدواعٍ سياسية وبعضها الآخر تآمرية تُدار من وراء الحدود..!

 

*بالضرورة تقع المسؤولية على حكومة المركز  بالدرجة الأولى.. وتُسأل عن كل الأرواح التي أُزهقت غرباً وشرقاً وفي كل مكان طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، وحكومات الولايات بالدرجة الثانية التي حينما لا تتعامل مع الأحداث إلا بعد خراب سوبا.. الدم السوداني غالٍ يجب أن لا يسفك (أوانطة) وبلاش أوانطة من الساسة القبليين.. عليهم أن يتنافسوا كسياسيين في منابر الإعلام والندوات السياسية بعيداً عن استخدام القبائل..!!

 

*كنا نغني في السابق مع الفنان الجمري حامد لبص الروصيرص:

(الثلاث بنات هن لابسات ثياب ومقنعات… واووعزابي أنا الليلة شغلن قلبي لمن باص الروصيرص فات)، وكنا نذهب إلى الخزان في الضفة الشرقية للنهر، يطيب لنا المقام ببيت المك عدلان الذي لا يغلق باب داره أبداً، يستقبل الضيوف بالترحاب، ثم نعرج إلى بيت منفى الشاعر حافظ إبراهيم (شاعر النيل)، ذلك المنزل المعلق على تلة تطل على شاطئ النيل، ثم نأكل ما طاب لنا من الأسماك قبل أن نقفل راجعين إلى الخرطوم، والآن ها هي الروصيرص حزينة تتناثر جثامين الموتى في الطرقات، وبعد أن كانت مدينة الحياة والشعر والغناء ها هي تطلق نداءً عاجلاً لجميع السودانيين في محنتها..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى