الاقتصاد ما بعد الثورة.. جرد حساب

البدري: السودان من الدول المصدّرة للموارد لاستدامة التخلّف والفقر

خبير: الإيرادات الحكومية تُقدَّر بأقل من  ملياري دولار لا تُسيِّر الدولة

هيثم فتحي: منذ اندلاع الثورة لم يتحقق أي تطور إيجابي في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية

د. هاشم عبد الله: البلاد تعيش أزمة حقيقية لهذه الأسباب

الخرطوم: إنصاف أحمد

السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، مقولة كثيراً ما تردت فمن المعلوم أن إصلاح  الوضع الاقتصادي مرهون بالاستقرار السياسي بالبلاد، فمنذ انطلاق الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، حيث كان تدهور الوضع الاقتصادي الشرارة لانطلاقها، فالوضع الاقتصادي شهد تدهوراً مريعاُ خلال المرحلة الماضية، حيث  تحرك الاقتصاد السوداني في طرق وعرة، وكانت أبرز ملامحه الأزمات المعيشية وإهمال كامل للقطاعات الإنتاجية، إذ لم تستطع الحكومة السابقة تسخير الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد ما نتج عنه بروز عدد من المعوقات لعبت دوراً في انفجار الشارع السوداني.

آمال عراض عاشها المواطن بأن تُفلح الحكومة الجديدة بمعالجة ما أفسدته الحكومة السابقة بتوفير سبل العيش الكريم للمواطن البسيط والتي مضى علىيها ثلاثة أشهر منذ توليها أمور البلاد، إلا أن الناظر للوضع يرى أن الاقتصاد السوداني ما زال يقف في النقطة السابقة، فمشهد اصطفاف المواطنين أمام الصرافات للحصول على النقود يصاحبها وجود شح في الوقود بالإضافة لانعدام وندرة للخبز، أضف لذلك ارتفاع في سعر النقد الأجنبي يومياً، حيث  تجاوز سعر الدولار الـ70 جنيهاً، هذا الامر يستدعي الوقوف عنده، فالعديد من المختصين يرونها كفيلة بمعالجة الوضع بالبلاد ولو جزءاً يسيراً منها . كثير من الخبراء يرون أن مرحلة ما بعد الثورة تتطلب جهوداً حثيثة من الحكومة في المجال الاقتصادي وأهمية السعي لتوفير متطلبات البيئة الاستثمارية.

وفي المقابل سعى المجلس العسكري لمعالجة مشاكل الاقتصاد عبر عدد من الحلول من ضمنها استجلاب مطبعة لطباعة العملة بالبلاد لحل مشكلة السيولة، وإعادة الثقة في الجهاز المصرفي بجانب توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين  والسعي لدفع ديون السودان الخارجية .

عدم مبرر

الخبير الاقتصادي والأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث الإنمائية بجامعة الخرطوم بروفسير عثمان البدري، قال إن عدم وجود حكومة ليس له مبرر، مشيراً إلى تأثير ذلك سلباً على عدد من القطاعات الإنتاجية اهمها القطاع الزراعي وألمح لتأثر الموسم الزراعي الحالي خاصة وأن لديه مطلوبات ما اعتبر الأمر خطيراً لارتباط الموسم الصيفي بمعطيات مناخية عبر التجهيزات، فإذا  لم يتم ذلك يعتبر مشكلة خصوصاً مع مرور الوقت، لافتاً خلال حديثه لـ(الصيحة) أن الإنتاج الزراعي للمحاصيل الصيفية (ذرة، دخن, قطن, فول سوداني, خضروات, منتجات غابية كالصمغ العربي، وحبوب زيتية) جميعها لديها موسم إذا لم يتم الاعداد لها ستكون هنالك صعوبة في نجاح الموسم وطالب بضرورة رفع رأس مال البنك الزراعي إلى 250 مليون دولار، لأن معظم السكان يعملون في الزراعة مشيراً لتوفير الإمكانات للتعامل مع الآخرين وتوفير مدخلات الإنتاج الضرورية من الأسمدة والمخصبات والمبيدات والمكملات والآلآت الزراعية، ولفت لأهمية توفير المدخلات في الموسم المتدني، حتى تكون هنالك وفرة لعدم التعرض لضغوط الأسعار من الموردين ما يمكن من تمويل المزارعين مباشرة  بالعملات الصعبة دون وسطاء واصفاً الزراعة التعاقدية بالمجحفة.

اختلالات هيكلية

وواصل  البدري حديثه مبيناً أن البلاد تعاني من مشكلة (الاختلالات الهيكلية)، حيث يصنف السودان في خانة الدول والاقتصادات المصدرة للموارد لاستدامة التخلف والفقر والضعف، حيث يستفيد منها الآخرون عبر تصدير العمالة والموارد بالعملة الصعبة والتي وصفها بالكلاسيكية، حيث يستفيد منها الأخرون بعمل منتجات أخرى  رغم امتلاك السودان للمصانع منوهاً للخطورة باعتباره تدميراً ممنهجاً للاقتصاد السوداني، وضرب مثلاً بمصانع الزيوت، مشيرًا أن طاقة العصر بالبلاد تصل لأكثر من مليون طن، ومع ذلك تستورد البلاد ما بين 70-80) ألف طن  من زيوت الطعام بينما يقدر استهلاك السودان بحوالي 240 ألف طن، وفي المقابل يصل استهلاك مصر من الزيوت لمليون طن مشيراً لتأثر  صناعة اللحوم حيث يوجد العديد من المسالخ والتي تقدر بأكثر من الطاقة المصدرة، وقال إن البرازيل تصدر لحوماً بـ10 مليارات ونصف المليار، بينما  السيارات نستورد منها كميات كبيرة بينما مصنع جياد لديه إمكانية لصناعة 37 ألف و500 سيارة في العام، كاشفاً أن المنتج حالياً يقدر بحوالي 500 ألف سيارة، واصفاً الأمر بالطاقة الضائعة، وقال إن المنتج من الذهب  يتم تصديره للخارج بينما الدول الأخرى تستورده، وتحتفظ به باعتبارة أكبر احتياطي مضمون للعملة مشيراً إلى أن الصين تعتبر أكبر دولة  منتجة للذهب،  والذي يبلغ 357 طناً، وهى أكبر دولة  مستوردة . ولفت لأهمية أن تتجه الدولة لإزالة العجز في الميزان التجاري بإيقاف صادر الخامات مما يوفر عمالة كبيرة، مشيرًا إلى أن وجود العجز في الميزان التجاري يشير لعدم وجود احتياطات لذلك الحكومة عاجزة عن تلبية احتياجات المواطن لتدني العملة الوطنية خاصة لعدم وجود فائض حتى الخامات التي تصدر لا يرجع العائد للبنك المركزي نسبة لتهريبه للخارج على الرغم من دعم المنتجات المحلية من قبل الدولة.

عجز الموازنة

 وأشار البدري لعجز الموازنة لتوفير التعليم والصحة نسبة لارتفاع التكلفة عبر الضرائب، وكشف أن الإيرادات الحكومية تقدر بأقل من 2 مليار، فهذه لا تؤدي إلى تسيير الدولة، وطالب بمراجعة خفض الإنفاق الحكومي، ومثال لذلك وجود المئات من السيارات، وقال لماذا لا يتم بيعها على الأقل 80-90% عبر تسجيلها بالكشف عنها ويقسم العائد على أربعة (التعليم والصحة والمواصلات العامة والمياه)، وطالب بتطبيق نظم الحكومة الإلكترونية والمحوسبة لضرورة التطور لأي اداء منضبط.

تراجع وتأزم

يقول الخبير الاقتصادي د- هيثم فتحي: الآن ومنذ اندلاع الثورة في 11 أبريل لم يتحقق خلالها أي تطور إيجابي في الأوضاع الاقتصادية أو مستويات المعيشة،  تراجعت وتأزمت من دون استشراف لأي تحولات إيجابية لافتاً خلال حديثه لـ (الصيحة)  إلى أن حجب الانترنت يؤدي إلى خسائر  كبيرة، فحين تعتقد الحكومة أنها نجحت في شيء ما، فهي خسرت الكثير من إيراداتها وإيرادات القطاع الخاص عبر تحجيمها للحرية، حيث هنالك الكثير من التعاملات التجارية التي تجري من خلال الشبكة العنكبوتية، وقال إن الأجواء المضطربة أمنياً وانقطاع الخدمة لا تحقق بيئة مناسبة ومستقرة للاستثمار وأي تعامل اقتصادي مع السودان، ولفت إلى أن ثلثي فاتورة الواردات هي مدخلات إنتاج من الخامات والسلع الوسيطة والسلع الرأسمالية مردفا أن الاقتصاد قد تحول إلى اقتصاد تجار يعتمدون على الاستيراد دون الإنتاج، بل تدل مكونات الواردات على أن قطاع الصناعة في السودان يعاني من الضحالة، لأن الوظيفة الأساسية للاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة هي توفير السلع الأساسية ومواجهة الأزمات الاقتصادية في الظروف الاستثنائية.

4 مليارات دولار

وأضاف فتحي أن حالة عدم الاستقرار السياسي الاقتصادي الناتجة جراء ارتفاع الضرائب والجمارك ورسوم الإنتاج ورسوم متعددة لا حصر لها، وهذا يرجع إلى استمرار العجز في الميزان التجاري ويمثل الفرق بين قيمة الواردات والصادرات الكلية أكثر من 4 مليارات دولار، الأمر الذي يعطي مؤشراً سلبياً عن الاقتصاد السوداني، ويؤدي إلى عزوف كثير من المستثمرين في الداخل والخارج عن الاستثمار في السودان، مبيناً أن تآكل دخل المواطن الذي أصبح لا يكفي إلا لسداد رمقه والضروريات من الحياة حفز على خروج رأس المال الموجود في السوق السوداني، وأصبح التجار يفكرون بالخروج من السوق السوداني إلى أسواق قريبة يتأقلمون معها مثل أسواق الأمارات ومصر وتركيا وأثيوبيا. مشيراً إلى قلة الطلب على العملات الأجنبية من السوق الموازي، لأن المملكة العربية السعودية أعلنت أنها سوف تأمن الوقود لمدة ستة أشهر والأدوية والقمح، وهذه السلع هى أكبر مستهلك للدولار في السودان خاصة وأن الحكومات السابقة ومنذ انفصال الجنوب السوداني وخروج عائدات النفط من الميزان التجاري السوداني لم تسع إلى معالجة مشكلة النقد الأجنبي الذي أصبح في حالة تأزم يصاحبه تدهور العملة الوطنية .

غياب الرقابة

فيما أضاف الخبير الاقتصادي، د. هاشم عبد الله أن الأوضاع بعد اندلاع الثورة لا تعطي المؤشر الحقيقي فيما يختص بالأوضاع الاقتصادية بالبلاد كمعدلات التضخم وغيرها، مشيرًا إلى أن تلك الأوضاع يصاحبها عادة انخفاض في العملة وارتفاع في الأسعار لغياب الرقابة على الأسواق، وقال خلال حديثه لـ(الصيحة) إن البلاد تعيش أزمة حقيقية خاصة وأن هنالك غموضاً كاملاً، إلا أنه رجع وقال: فيما يختص بالموارد المتاحة حدثت حالة من الوفرة في الميزانية، وذلك لانخفاض معدلات الإنفاق الحكومي من وزراء ودستوريين ومجالس تشريعية وولائية وما يصاحبها من سفريات خارجية وغيرها. وقال: إذا لم يحدث ذلك سيكون هنالك انهيار للدولة في هذه المرحلة مما يؤدي إلى انفجار الأوضاع مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى