منى أبو زيد تكتب: الأحزاب والشباب..!

5 يوليو 2022م 

“كل آفاتنا السياسيّة تبدأ من خطل المُؤسّسة الحزبية، وكلها تنتهي باستقامة عوجها”.. الكاتبة..!

من القناعات التي تمخّضت عنها جهود المفكر الجزائري “مالك بن نبي” في دراسة المشكلات الحضارية في عالمنا الإسلامي، قناعة لطيفة مفادها أن التاريخ يجب أن ينتهي في نقطةٍ ما لكي يتجدّد في نقطة جديدة. وعن هذا يقول “يجب أن يفشل التاريخ، يجب أن يفلس التاريخ، ونحن يجب أن نعلن هذا الإفلاس لكي يشعر الشباب بأنّهم على طريق البداية، فإعلان الإفلاس هو أول خطوة في الطريق الصحيح”..!

لكن الحكومات في عالمنا العرب إسلامي تهمل الشباب، فتتحوّل مؤسسات الحكم ومراكز صناعة القرار وأيقونات القيادة في الكيانات الحزبية – كما يقول الكاتب المصري الساخر “جلال عامر” – إلى دُور مُسنين..!

في أواخر شهور الإنقاذ طالب بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني آنذاك – في معرض موقفهم الداعي إلى التغيير – بتقديم رئيس جديد للمؤتمر الوطني يكون في عُمر “الأربعين” وبذلك يكون أكثر قُدرةً على فهم أصوات الشباب وقضاياهم..!

وذلك بزعم أن تحولاتٍ كبرى قد حدثت في الساحة العامة، وإن خبرتهم وأبناء جيلهم قد لا تتلاءم مع ضرورة المرحلة. فأي شخص تجاوز عمره الستين عاماً ينبغي أن لا يتم تقديمه إلى موقع إدارة المسؤولية في الحال الراهنة. فالتجارب غير قابلة للاستنتساخ، والمطلوب هو أن تكون للقائد الجديد تجربة مختلفة. وهذا حديث لا غبار عليه من حيث المبدأ..!

لكن الحديث عن دور الشباب في قيادة الدفة يعني أن ينتهج الحزب السياسي التجريب باختيار صاحب تجربة جديدة لم تتوافر له الفُرص الكافية لإثبات الجدارة والجاهزية لصناعة النجاح في قيادة أولئك الشيب والشيبان. وإذا نحن سلمنا بضرورة التجريب على عواهنه فهل يصح أن يقفز “أصحاب الوقت” بتلك التجربة الجديدة إلى قِمّة الهرم، أم أنّ الأجدى والأولى هو أن يُدشِّنوا برنامجاً لإعداد القادة الجُدد، ثم يكون تنفيذ المُقترح هو المرحلة الثانية. فيكون تسلم القائد الشاب مقاليد القيادة هو “ستيب تو” كما يقول “الخواجات”..؟!

الشباب في سنغافورة على سبيل المثال سبقت قناعة دولتهم بحقهم في القيادة تمكينهم من مُمارسة ذلك الحق، وبين البدء بالقناعة والانتهاء بالتمكين كانت مرحلة الإعداد. وعن هذا يقول “لي كوان يو”، أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة، – والمؤسس الذي انتقلت الدولة في عهده من العالم الثالث إلى العالم الأول- “بنيت المدارس والجامعات وأرسلت الشباب إلى الخارج للتعلم قبل الاستفادة منهم لإدارة وقيادة مجتمعهم”..!

نحن في السودان كنا لا نزال في مرحلة الدعوة إلى أن تتبنّى مُؤسّساتنا الحزبية – على اختلافها وتباينها – قناعة راسخة بأحقية الشباب الأربعينيين في القيادة عندما اندلع طوفان الشباب العشرينيين و”التين إيجرز” الرافضين لسطوة الأحزاب والكيانات السياسية. وإن لم يتم ردم الفجوة الجيلية التي كادت أن تعصف بالحِراك السياسي اليوم، فسوف يظل هذا السودان مُبتلياً بأدمغةٍ سياسيةٍ فشلت قبل أن تنضج. وإن لم يشترك الشباب بمُختلف أعمارهم في صناعة جودة الحياة دونما ضررٍ أو ضرار، فهنالك آخرون سوف يجبرونهم على الحياة التي يصنعونها، أو كما قال د. مصطفى محمود..!

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى