محمد إدريس يكتب :مهرجان (نرمين قرقفي).. جزاء سنمار..!!

2يوليو2022م

*ومن الأمثلة والقصص المعبرة، قصة جزاء سنمار – التي تضرب لمن يحسن عمله فيُكافأ بالإساءة إليه، وحينما احتاج النعمان بن المنذر ملك الحيرة إلى مهندس يبني له قصراً لا يُضاهيه قصراً، فأحضروا له مهندساً من الروم اسمه (سنمار)، فلما فرغ من بنائه اصطحبه الملك إلى سطح القصر، ثم سأله النعمان: هل هنالك قصر مثل هذا القصر؟ فأجاب كلا، ثم قال هل يستطيع بناء غيرك أن يبني مثل هذا القصر؟ قال: كلا، ثم دفعه إلى الأرض فخر ميتاً، حتى لا يبني قصراً مثله لأحد غيره..!

*والقصة تصلح وقع الحافر على الحافر تعليقاً على اللغط الكثيف الذي دار حول مهرجان (نرمين قرقفي) للتراث السوداني في نسخته الثالثة، كمبادرة شبابية من سيدة أعمال طموحة آثرت أن تُساهم إيجاباً في ما يجري من تجريف للقومية السودانية والنسيج الاجتماعي، وذلك بتسخير أدواتها الثقافية والفنية لخدمة ذلك الغرض النبيل عبر مهرجان للتنوُّع السوداني يظهر ويُطوِّر تراثنا الثرى، الكوشي والفرعوني والسناري والنوبي والبجاوي والدارفوري والكردفاني، كسراً لجمود مُحاولات المركزية الثقافية القابضة التي ضيّقت المجال على ذلك التنوُّع، مما برّر لتفشي الجهل بين السودانيين الذين لا يعرفون بعضهم حضارياً وثقافياً بسبب تلك المركزية الغاشمة..!

*مُحتوى المهرجان أراد أن يبعث برسالة ذكية مفادها: في ظل غياب الحكومة عن المعاش والضروريات، يُمكن للقطاع الخاص أن يملأ مساحات غياب وزارة الثقافة، فكان خطاب المهرجان لمن يشيعون خطاب الكراهية بين أطراف البلاد، أن هذا التنوُّع هو مصدر الثراء ويخرج من مشكاة واحدة هي القومية السودانية، فبنت المُبادرة قصر الثقافة والتراث بجمالٍ واتقانٍ أخّاذٍ تناقلته كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية وكان جزاؤها جزاء سنمار من البعض.!

*وكان بإمكان الجهة المنظمة أن تنأى بنفسها عن القيام بمبادرة قومية في الإطار العام وتوفر جهدها ووقتها (للبزنس) والعمل التجاري، إلّا أنّ وضع البلاد وما تمر به من هشاشة اجتماعية وثقافية حتم عليها المشي فوق الأشواك لأجل الهَمّ العام، خصوصًاً وأنّ الجهات الحكومية خلال العامين الماضيين، صارت عاجزةً من توفير الضروريات من الخبز والأمن والدواء، ناهيك عن الاهتمام بالثقافة والهوية والتراث والإرث الإنساني الذي يعد في نظرها ترفاً مخملياً..!

*وأوضحت الأستاذة نرمين قرقفي أن كثيراً من الصور المنسوبة إلى مهرجانها غير صحيحة ومفبركة، حيث قُدِّمت عروض تراثية للأزياء السودانية عكست التنوُّع والأصالة في الحضارات السودانية التليدة، كما لم تَخْفِ سعادتها بنجاح المهرجان الذي أثار كل هذا الجدل في الأوساط الإسفيرية، وبالتأكيد ستكون كل المُلاحظات محل تقييم، ودافعاً لتجويد المهرجان في نسخته الرابعة بإذن الله..!

*على الأقل يحفظ لنرمين قرقفي في جوقة الصراعات السياسية والإحباط العام، أنها أثارت انتباهنا إلى قضية الهوية كعاملٍ مُشتركٍ بين جميع الأطراف، ونبّهتنا إلى الحلول الثقافية والتراثية الناعمة في ظل ثقافة الإقصاء القتل والعُنف المُتفشية، حيث كانت ساحة الاحتفال بنادي النيل منبراً لتلاقح الأفكار وتبادل الآراء بين الأجيال، وساحة بين الحرفيين والفنيين والزُّوار والمشاركين، فضلاً عن الصُّور الإيجابية التي تم تصديرها عن الخرطوم التي ينظر إليها البعض للأسف بأنّها غابة منسية لبلاد غارقة في الصِّراعات والمَجَاعَات..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى