صلاح الدين عووضة يكتب: راحل مقيم!!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

راحل مقيم!!

وكيف ذلك؟..

كيف يمكن أن يكون الراحل مقيماً؟..

أو أن يكون المرء راحلاً – ومقيماً – في آنٍ واحد؟..

هذا ما دار في خلد أحد راحلينا – المقيمين – حين قرأ قصيدة راحل مقيم..

وهو المطرب أحمد المصطفى..

والقصيدة للشاعر المصري أحمد رامي… أو شاعر أم كلثوم..

أو أن أم كلثوم هذه هي مطربة أحمد رامي..

وأعجبت القصيدة عميد الطرب السوداني هذا فحفظها… ولحنها… وغناها..

ثم شاءت الصدف أن يلتقي برامي هذا في القاهرة..

وتحديداً داخل مصعد مبنى ماسبيرو..

فعاتبه رامي قائلاً: كيف تُبدع قصيدتي هذه لحناً رائعاً ولا أعلم بذلك في حينه؟..

فتعجب العميد من إعجاب رامي به..

وتعجب – أكثر – من تلكم الصدفة التي جمعتهما معاً..

وما زلت أتعجب – أنا – من صدفة جمعتني بعميد الصحافة السودانية..

ثم من إعجابه بي..

وقد كنت ضئيل الشأن… وربما ما زلت كذلك إلى الآن..

رغم أنه هو الذي يستحق الإعجاب؛ فهو المخبر الأول… وراصد الانقلابات..

وكان ذلك في منتصف التسعينيات… تقريباً..

أتيت إليه – أو أتى هو بي – من العزيزة أخبار اليوم… وقد كانت في بداياتها..

وكذلك الموءودة الرأي الآخر… التي أتت به هو أيضاً..

لم يكن يشغل منصباً تحريرياً فيها آنذاك؛ ولكن كل التحرير كان يمر عبره..

أو كان يشرف عليه إلى جانب رئيس التحرير؛ تيتاوي..

لا زلت أذكر جانباً من النقاش – بيني وبينه – عند التفاوض حول استيعابي بالجريدة..

أثنيت – بأثر رجعي – على مقالة له قبيل انقلاب الإنقاذ..

وكانت تحذيراً من مغبة تقويض الديمقراطية؛ فأخطاؤها لا تُعالج بنقيضها..

لا تُعالج بالدكتاتورية؛ وإنما بالمزيد من الديمقراطية..

وسوف تعود بنا سنوات للوراء… في وقت لا يتقدم فيه العالم الآن إلا ديمقراطياً..

فقال لي: هذا ثناءٌ يستحقه كاتبها… محمود إدريس..

منحني ما لم أكن أحلم به وقتها؛ رئاسة القسم السياسي… وزاوية بالصفحة الأخيرة..

والأهم من ذلكم؛ منحني الاعتداد بالذات الصحفية..

فقد كان يرى أن على الصحفي عدم الإحساس بالدونية إزاء أي – أو أكبر – مسؤول..

وعندما أجريت حواراً مع سفير العراق حذف منه مفردة سعادتك..

كان يعامل جميع المحررين بحسبانهم أبناءه..

لا يستلم أجراً قبلهم… ولا يقبض حافزاً من دونهم… ولا يتخذ قراراً بمعزل عنهم..

كان دائم الحركة – والقلق – طوال اليوم… بحثاً عن خبر..

فهو لم يشتهر كمخبر السودان الصحفي الأول إلا جراء عشقه للخبر هذا..

وتقوده الحركة هذه من مكتب إلى آخر… عدا واحداً..

فلم أره يدخل مكتب القسم الرياضي إلا مرة واحدة… وكانت بسبب الخبر أيضاً..

وتمخضت عنها مشكلة مع رئيس القسم إبراهيم عوض..

فقد تزامنت كثرةٌ في أخبار السياسة مع كثرة في أخبار الرياضة… ذلكم اليوم..

وكان سبب الزيارة تقليص صفحات الرياضة لصالح السياسة..

وأدت السياسة هذه إلى إيقاف الرأي الآخر… حيناً..

فرجع أستاذنا إدريس إلى عزلته… إلى أن قيض الله لي فضل إخراجه منها..

وذلك بترشيحي له رئيساً لتحرير الرأي العام..

وقبل الأستاذ عروة الترشيح… وقد كان بصدد نفض الغبار عن الصحيفة العريقة..

وقفز بها إدريس سريعاً إلى قمة النجاح… كما الرأي الآخر..

فهو أفضل من يبيع الجرائد… أو بائع جرائد… أو – بصيغة المبالغة – بيَّاع جرائد..

وبدأ علاقته بها – أصلاً – بائعاً لها… في الطرقات..

فلا تُذكر العصامية – إذن – من غير أن يُذكر المخبر الأول..

وما ساعد على منحه هذا اللقب تنبؤه بأي انقلاب عسكري في بلادنا… قبيل وقوعه..

أستاذي إدريس: طبت راحلاً..

مقيماً!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى