محمداني عبد الحميد رابح يكتب: الكلب الغافل

محمداني عبد الحميد رابح يكتب: الكلب الغافل

أذكر عندما كنا في بواكير صبانا في مدينة مليط لدينا زراعة تقع جنوب غرب المدينة، تحديداً تبدأ من حي الصفا إلى قرابة جبل كلويات، يطلقوا عليها اسم زراعة (أم صيقعونه) و(الهشابة)، حدثتني والدتي ولأنها لا تعرف عن تواريخ الميلاد إلا سنة (الشَبْعة) وسنة (صِفاح) فلان أو السنة التي توفي فيها علاّن.. صِفاح للذين لا يعرفون تعني زواج ، تقول وهي شاهدة على العصر: إنّ هذه المنطقة تحديداً كان يقطنها الكثير من الأهل قبل أن يذهبوا شمال وادي أم قندول حي غرونا الحالي، لذلك أنا وابن عمي الذي كنت أتقدمه في العمر بعام واحد، لم نعاصر تلك الفترة..

ثم بعد أن انتقل الأهل من (أم صيقعونه) إلى حي غرونا تركوا خلفهم زراعتهم التي كنا نذهب إليها في كل خريف، الصورة في مخيلتي الآن.. أكاد أن أرسمها بريشة إذا توفرت لدي.. الكثبان الرملية، التلال المرتفعة أعلى غابة (عُرض) التي كانت تقيّد حركة أرجلنا ونحن يافعين؛ الأعشاب بما فيها البودة والطقطاقة والكارجينة وأخرى تُسمى وضينة الفارة! يوجد تشابه كبير بين آخر عشبة مذكورة وأذن الفار، أو كما كان يبدو لي ذلك في تلك المرحلة من العمر.. ماذا يقصدون بالتسمية لا أدري! نلتقي مع أبناء (الحلة الفوق) هكذا كنا نسميها، توجد مراعي مخصصة للبهائم.. الماعز والضأن والحمير تُعرف بـ(البُورة) كانت عمتي طوال يومها تكون منشغلة بالعمل داخل (الزرع) ونحن نحرس الأغنام في هذه الدائرة المحدودة خشية أن تدخل في مزرعة أحد من الأقرباء او الجيران الذين كانوا يشاركونا  المنطقة، نتزوّد بالماء وبليلة الدخن، وأحيانا عندما يشتد بنا الجوع نقوم بحلب الماعز وجلب نبات الجِبّين لتحضير وجبة نسميها (ام دقّا دقّا)، الرعاة كانوا حريصون في تتبع مساراتهم، لا أحد يعتدي على أحد ، عادةً عند رجوعنا وقت المغيب بالشارع الذي يمر شمال منزل الجدة (بت حمدون) وغرب منزل الجد (ودهاروناي) دائماً ما نجد كلب مستلقي على الأرض وممدد رجليه.. أحياناً يحاول أن يخفي رأسه ما بين أقدامه الأماميه، عندما نقترب منه لا يتحرك، بل وطوال هذه المُدة يكون في نفس الموقع مع اتجاه رأسه ناحية الشمال، بعد فترة أطلقنا عليه اسم (الكلب الغافل) لأنّ  جميع كلاب  تلك المنطقة كانت شرسة للغاية، وبعد ما أن اطمأننا على أنّ هذا الكلب لم  يحرك ساكنًا، أصابنا الغرور بأن نقترب منه أكثر من مسافة متر! استيقظ واستشاط غضباً وكاد أن ينسف أجسادنا لولا تدخل العجوز التي كانت من فوق زريبتها تقول له بصوت شائخ (جَرْ) قبل أن نفيق من هول تلك الصدمة جاءنا مسرعاً رجل يبدو لي أنه في عمر الستينات موبخاً إيانا بلهجة محلية (الكلب ده يوم ما سأل زول انتو يا عيال الشطان شنو الخلاكم تقربوا منو.. اليوم الله مرقكم منو ساكت).

وصلة..

كفاية كفاية

دي كانت حكاية

أجمل من ليالي

ماليها نهاية

فاصل..

بكرة يا قلبي الحزين تلقى السعادة

تبقى هاني وابتساماتك معادة

فاصل أخير

ذهب الصبا بعُهودِه

ليتَ الطفولة عاودتنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى