صلاح الدين عووصة يكتب :أسوار!!

بالمنطق

صلاح الدين عووصة

أسوار!!
جمع سور..
ولي معها حكايات..
ليس بالضرورة الأسوار نفسها… وإنما ما قد تكون تخفيه من ورائها..
مثل أسوار منزل التكروني ذاك ببلدتنا..
فهي كانت عالية… عتيقة… مخيفة؛ وما كان منا من يعلم ما تحويه داخلها..
كان منزلاً يلفه الغموض..
يلفه الغموض… ويلفه سورٌ غامض… وتلف سيرة صاحبه أسوار غموض..
لم أره سوى مرةٍ واحدة..
وذلك حين صرخت ابنة جيراننا في جوف الليل… فأخذوها إلى جوف المنزل..
منزل التكروني هذا… أو التكروري..
فقد ظن أهلها أن عقرباً لدغتها… وفي ظن أهل البلدة أنه يعالج الملدوغين..
ويعالج – كذلك – المسحورين..
فألقى في جوفها – البنت – عشبةً قال إنها تخفف ألمها… ثم لا شيء أكثر..
فسبب الألم هذا عنكبوت… كربة؛ لا عقرب..
كيف عرف؟… لا أدري؛ كما لا أدري كيف درى الناس أنه يعالج الملدوغين..
كما يعالج – أيضاً – المسحورين..
فأنا لم أشاهد أحداً يدخل داره… أو يخرج منها… ولا هو نفسه يدخل ويخرج..
ولكن في يومٍ دخل أحد رفقائنا… وخرج..
تسلق السور… ودخل بروح تحدٍّ وفضول… وخرج كأنه ملدوغٌ ألف لدغة..
فسميناه المتحدي العوير..
ثم هنالك سورٌ آخر ذو مسحور… وملدوغ..
أو أن المسحور هو الملدوغ نفسه… وكان جارنا بحلفا… وكذلك ذات السور..
وهو سور يُذكِّرني بما جاء في قصيدة قارئة الفنجان..
فزميل دراستنا – وابن حيِّنا – كان يهوى فتاة تخفي حديقةَ بيتها أسوارٌ..
عدا شجيرة واحدة كانت تتكئ أفرعها عليها..
والفروع هذه كانت ذات زهور ليس أجمل منها سوى التي تعشق جمالها..
هكذا يقول زميلنا العاشق لجمال عاشقة الزهور هذه..
وما درى – المسكين – أن ما جاء في قصيدة نزار هذه سوف ينطبق عليه..
وهو البيت الذي يقول… مع شيءٍ من التعديل:
من يدنو من سور حديقتها مفقودٌ يا ولدي مفقود..
فقد دنا – يوماً – من سور حديقتها… وقطف حزمة من زهورها الدانية..
ثم دنا فتدلى… من بعد تسلقه السور هذا..
فكان قاب قوسين أو أدنى من فتاته… ليهديها ما قطفه من حديقتها من زهر..
فإذا بشقيقها يظهر له من خلف أسوار العدم..
وفقد زميلنا العاشق عشقه… وفتاته… وأزهاره؛ فهو مفقودٌ يا ولدي مفقود..
كما فقد متعة التقلب على فراشه في ليلته تلك… من شدة الضرب..
ولكن شيئاً واحداً ظل يثير دهشة فتاته هذه..
ونصيغه على وقع مثلٍ مشهور: كيف يفتل من ذقن شجرة بيتها ويهديها؟..
فسمته – وسميناه – العاشق العوير..
والمدارس التي درست بها في حلفا لم يكن يُحيط بها سورٌ..
خلا واحدة سورها هو شجر العوير..
وهي مدرستها الأميرية… وكانت من أجمل المدارس التي انتسبت إليها..
وعويرها كنت أراه أجمل ما فيها..
وظللت أتساءل في سري: لم سموه عويراً؟… ثم جهرت بسؤالي هذا يوماً..
جهرت به أمام مُدرِّس العربي… أثناء حصته..
وكان سؤالاً قطع حبل أفكاره… وحبال امرئ القيس المشدودة بجبل يذبل..
وكان يشرح لنا معلقته الشهيرة..
فسكت برهةً ليسكت عنه غضبه… ثم صاح: بالله عليك ما الفرق بينكما؟..
أي ما الفرق بيني وبين شجر العوير هذا؟..
بمعنى أنني ذاتي عوير… وسماني – في تلكم اللحظات – العوير..
والأسوار التي في حياتي كثيرة..
ولكني أختم – لضيق المساحة – بأسوار قصرنا الجمهوري..
فهي أشد غموضاً من أسوار بيت التكروني..
وأكثر جمالاً – في الوقت ذاته – من أسوار منزل معشوقة زميلنا ذاك..
زميلنا الذي فتل من ذقن إحدى أشجارها وأهداها..
بيد أنه جمالٌ محفوفٌ – كما تحف به الحدائق والأسوار – بالمخاطر..
ولم أتمن يوماً أن أصير بداخله رئيساً..
وذلك كيلا أُلدغ من تلقاء عناكب… وكربات… وعقارب..
أو أُحرم من متعة التقلب على فراشي ليلاً..
أو أن تُطلق عليّ تسمية أستحقها:
الرئيس العوير!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى