القتل بلا ثمن تطوُّر الأحداث في دارفور.. قديم مُتجدِّد

 

 

الخرطوم: صلاح مختار     15  يونيو 2022م

أكثر من (100) قتيل، وجرح العشرات، كانت حصيلة الأحداث التي تجدَّدت في غرب دارفور في اشتباكات قبلية ظلت مستمرة منذ الأسبوع الماضي، بسبب نزاع على الأراضي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن نحو (117) شخصًا، قتلوا في اشتباكات قبلية مستمرة، وحرقت خلالها (14) قرية، بالكامل بولاية غرب دارفور. تجدُّد الاشتباكات ليس وليد الصدفة وإنما قضية ظلت تؤرِّق مضاجع الدولة والمواطنين، وأثَّرت كثيراً على حياة الناس، السؤال الذي يتردَّد أين تكمن أوجه القصور وكيف يمكن تلافيها وإعادة الوضع إلى طبيعته؟ هنالك أكثر من سبب ومؤشر؟

ملكية أرض

في محلية “كلبس” التي تقع على نحو(160) كيلومتراً، شمال شرقي مدينة الجنينة عاصمة الولاية تشهد اشتباكات قبلية منذ الأسبوع الماضي، خلَّفت قتلى وجرحى، وبحسب وكالات فإن وقوع الاشتباكات نتيجة لخلاف حول ملكية الأرض، وقال أحد الأهالي: إن “أحد المواطنين منع شخصاً من حرث أرضه، فتطوَّر الأمر وقُتل (8) أشخاص.

غير مقبولة

وبدوره سارع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان، فولكر، إلى إدانة أعمال العنف في دارفور، ووصفها بأنها “غير مقبولة”، وكتب على حسابه الرسمي على موقع تويتر “إن دائرة العنف المستمرة في دارفور غير مقبولة وتسلّط الضوء على الأسباب الجذرية الواجب معالجتها”. ودعا السلطات المعنية وقادة القبائل والتنظيمات المسلَّحة إلى تهدئة التوتر وضمان حماية المدنيين.

أصل الحكاية

وفي سياق نفسه قال الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في إقليم دارفور آدم رجال لـ(الجزيرة نت): إن الأحداث في “كلبس” أدت إلى مقتل أكثر من (17) شخصاً، وإصابة العشرات، وحرق ونهب (30) قرية، يسكنها أكثر من (15) ألف شخص.

وفي ولاية شرق دارفور  حسبما ذكرت (سونا) أن مسلحين شنوا هجوماً على مزارعين في بلدة “لادوب” ، ما أسفر عن مقتل (5) أشخاص، وإصابة آخرين. ونقلت الوكالة عن زكريا هارون، المدير التنفيذي لمحلية يسين قوله: إن الهجوم نفذَّه مجرمون على المزارعين العزل أثناء عملهم في نظافة مزارعهم، إلا أنهم فوجئوا بإطلاق الرصاص الحي على صدورهم من قبل المسلحين قبل أن يلوذوا بالفرار. من جانبها، وصفت حركة تحرير السودان المسلَّحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا الحادثة بالمؤسفة. وحذَّرت الحركة في بيان أصدره فرع الحركة في ولاية شرق دارفور ما سمَّتها مؤشرات تنذر بالخطر في عدة أماكن في الولاية.

تقصير الدولة

تتزامن الأحداث مع ترتيبات حكومية من أجل نشر قوات لحفظ الأمن في دارفور مطلع يوليو المقبل، وسبق أن زار نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، دارفور من أجل العمل على تهدئة الوضع الأمني، وقال: إن هناك “تقصيراً” من الدولة في تطويق أحداث العنف بالولاية. وقال حميدتي – في كلمة له بأحد الإفطارات الرمضانية-: “هناك تقصير من الدولة في تطويق أحداث كرينك وأحداث غرب دارفور، ولا أعفي نفسي من تحمُّل المسؤولية تجاه الأحداث”، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية. وأضاف: “إن كل الأطراف المتورِّطة في أحداث غرب دارفور هم ضحايا لمخططات خبيثة أعدتها جهات معادية للسودان (لم يسمها) وتقوم بتنفيذها”. ودعا حميدتي إلى الوقوف لمراجعة الذات والنظر للفتن والقتل المتبادل الممتد منذ (3) سنوات، في كل ولايات السودان.

أساس وضرورة

ويرى القانوني د. نبيل أديب، أن حل المشكلة في غرب دارفور ليس بفرض القانون في دارفور بقدر ما يكون هنالك أساس وضرورة للحياة خلاف حمل السلاح, بجانب معالجة أزمة الإنتاج الاقتصادي في دارفور. وقال لـ(الصيحة): إن الأزمة سببها نقص في الإنتاج بجانب أن مشكلة الحواكير تحتاج إلى حل. ورأى أن دور بعثة “اليونيتامس” من أجل  مساعدة حكومة السودان مادياً في تحويل دارفور إلى منطقة إنتاج وترفع من قدراتها. واعتبر أن المشكلة أمنية ولكنها في الأساس اقتصادية تحتاج إلى أموال كثيرة ليس في إمكانية الحكومة السودانية توفيرها إلا عن طريق المساعدات. بالتالي مطلوب من “اليونيتامس” العمل من أجل ذلك, وأضاف أعتقد أن استقرار النازحين بسبب أو آخر مهم ويحتاج إلى عمل اقتصادي. ودعا إلى تغيير فهم المجتمع في استخدام الأرض، لأنها كما قال: سبب في الاقتتال, كذلك هي مسألة تحتاج إلى وفرة في المال من أجل الإنتاج.

جداول زمنية

وحمَّل المحامي والقاضي السابق بارود صندل، كل الأطراف مسؤولية ما يجري في دارفور. غير أنه قال: الحركات الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان تتحمَّل قدر كبير من المسؤولية. وقال لـ(الصيحة): الآن الاتفاقية فيها جداول زمنية محدَّدة إذا التزموا بها ولو بقدر بسيط يمكن يكون هناك نتائج, ولكن لم يستطيعوا وقف كل التداعيات التي تحدث، وأضاف بالقول: (هؤلاء لم يستطيعوا حتى تنفيذ ولو بقدر يسير ما قدره (10%) من الترتيبات)، وأوضح إذا كانت هنالك نوايا طيبة كان من الممكن تشكيل قوات مشتركة موقتة من الحركات التي تدَّعي لديها قوات ونشرها على نطاق واسع لمحاصرة الأحداث. وقال: الذي يجري في دارفور يؤكد وجود انهيار أمني كامل في دارفور. مبيِّناً أن القتل الآن أكبر مما كان في زمن الإنقاذ. الآن لا توجد دولة أو هيبة للحكومة. وذكر أن الحكومة بعد الثورة عجلت برحيل “اليونميد” بدون ما يكون هناك بديل مناسب.

قديمة متجدِّدة

وأرجع مصدر أمني تحث لـ(الصيحة) الأحداث التي اندلعت في غرب دارفور بأنها قديمة متجدِّدة باستمرار وليست عابرة. ورأى أن الموضوع في جوهره صراع قبلي، ولكن هناك أيادي سياسية تحرِّكها. وأكد أن الموضوع قديم جداً ولكن شكله يتغيَّر في كل مرة، ولكن في جوهره صراع عميق. مبيِّناً أن وتيرة الأحداث تشتد وتنخفض حسب الأجواء السياسية العامة. ولفت بوجود علاقة بين التوترات السياسية والأحداث في المنطقة. حتى التفلتات الأمنية التي تحدث في المركز لها أبعاد وتبعات في المنطقة وهي متلازمة مع الصراع السياسي الموجود في البلد. لذلك القضية في جوهرها مشكلة اجتماعية أدت إلى تمرُّد في دارفور وتوترات على مدى سنين طويلة. هنالك من يستثمر في الأزمات خصوصاً في جو سياسي غير مستقر.

الحلول الاجتماعية

ودعا المصدر إلى التركيز على الحلول الاجتماعية وقبول الآخر والتعايش السلمي بين القبائل لأنها في حالة صراع قبل الإنقاذ وتطورت في الإنقاذ وتطورت إلى مطامع سياسية بجانب الإضرابات السياسية الحاصلة. وقال: الآن خلقت سوق رائجة للاستثمار في الأزمة هي مثل البضاعة التي يسهل ترويجها خلال مواسم الحصاد أو الزراعة. وشدَّد على ضرورة حل المشكلة اجتماعياً بعيداً عن الحلول العسكرية.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى