المبعوث الأمريكي.. العودة عبر بوابة الثورة

تقرير: صلاح مختار

عيّنت الإدارة الأمريكية (11) مبعوثاً خاصاً للسودان خلال فترة الإنقاذ التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً. وعندما تدهورت الاوضاع السياسية بالداخل كررت أمريكا نفس المشهد، وقامت بابتعاث دونالد بوث الذي لم يكن بالاسم الغريب على المشهد الأفريقي والسوداني على وجه الخصوص، حيث شغل منصب المبعوث الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان عام 2013م، وأحدث اختراقات متباينة في تسوية النزاع بين الخرطوم وجوبا. ودخل فور تعيينه، برفقة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية تيبور ناجي بالخرطوم في لقاءات بمسؤولين حكوميين ورئيس المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بحث معهم سبل دفع التسوية السياسية في البلاد.

التفاوض المباشر

بوث طلب من المجلس العسكري الانتقالي عدم إجراء أي انتخابات خلال فترة عام لضمان حدوث انتقال ديمقراطي بالبلاد، وقال بوث: سلامة أهل السودان فوق أي شيء، مشدداً على أهمية وضرورة التفاوض المباشر بين الطرفين المجلس العسكري وقوى التغيير.

ويبدو أن أمريكا من خلال إرسال بوث لا تريد أن تشغل نفسها بقضية السودان كثيراً، بيد أنها في نفس الوقت تنظر إلى السودان كدولة لها أهميتها الاستراتيجية بالقارة.

فرق بسيط

ونظر المحلل السياسي، د. الفاتح محجوب في حديثه لـ(الصيحة) لفكرة حضور المبعوث الأمريكي دونالد بوث للسودان  بأنها جاءت بأفكار محددة، ويرى أنه جاء للوقوف على حقيقة الأوضاع عن قرب، ولم يأت بجديد, عدا أنه قدم مطالبة للمجلس العسكري بالتراجع عن الانتخابات المبكرة التي دعا لها في تسعة أشهر، وقال: العبارة موجهة إلى المجلس بأنه بدلاً من (9) أشهر يجب أن تكون الانتخابات في فترة عام، وهو كما قال متعارف عليه عالمياً للفترات الانتقالية، ونوه إلى أن السودان به تجارب معتمدة في أكتوبر وأبريل أنها لم تكن (9) أشهر والفرق كما قال بسيط جداً.

تقاطع المصالح

ويبدو أن محجوب من خلال قراءته لتصريحات المبعوث الامريكي شعر بأن هناك إشارة في حديثه يجب الوقوف حولها وهو أن تصريحاته تتقاطع مع توجهات قوى إعلان الحرية والتغيير التي طالبت بأن تكون الفترة الانتقالية مدة (4) سنوات، ثم تراجعت إلى (3) سنوات، ورأى أن الحديث عن فترة عام فيه اختصار للفترة الانتقالية التي طالبت بها قوى الحرية والوقوف بشكل ضمني مع موقف العسكري . بالتالي الرسالة التي أراد إرسالها المبعوث للطرفين في قوى الحرية والمجلس العسكري أنه لا يؤيد بشكل قاطع طول الفترة لانتقالية التي أرادتها قوى الحرية ويرى أن الحديث عن فترة العام تعني بشكل غير مباشر رفضهم مقترحات قوى الحرية والتغيير.

الضغط المباشر

واعتبر محجوب الإبقاء على الفترة الانتقالية لأكثر من عام لا معنى له وهو أمر يخالف الأعراف الدولية ومتعارف عليه في السودان, وتوقع أن يمارس الدبلوماسي سياسة الضغط غير المباشر، على أحد الطرفين، ورأى أنه كونه يعلن على الملأ أنه يطالب بفترة عام للحكومة الانتقالية يعتبر هذا ضمناً يوجه ضغطاً لمجموعة الحرية والتغيير أو يتجاهل مطالب الحرية ويوجه ما بدأه المجلس العسكري لمد الفترة لعام وليس أقل.

 وقال الحديث يشير ضمناً التأييد لإجراء انتخابات مبكرة وضغط غير مباشر يصب ليس في مصلحة الحرية، بالتالي الرسالة التي أراد أن يبعثها المبعوث الأمريكي بوث أنه يعطي إشارة خضراء للعسكري يقول له حسناً أجرِ ما تشاء من انتخابات على أجل الفترة الانتقالية لمدة عام.

فكرة ساذجة

ويرى محجوب أن المقاربة بين حكومة مدنية انتقالية لمدة أربع سنوات تعادل فترة حكومة منتخبة فكرة ساذجة تخالف الأعراف، ولذلك اكتفى المبعوث بتجاهلها وركز على قيام الانتخابات والتي قال يجب أن تقل عن عام بضمان الفترة الانتقالية، وتجاهل رؤية قوى الحرية والتغيير، وقال لأول مرة يحدث فيه تحول مقصود لقوى الحرية والتغيير رغم اجتماعه بهم وتجاهل التفاهمات السابقة وركز على كيفية إقامة الانتخابات من خلال حكومة منتخبة خلال عام، بالتالي هناك تأييد غير مباشر لوجهة نظر المجلس العسكري.

غير موفق

وكان للمحلل السياسي السفير الطريفي كرمنو رأي واضح ومسبق عن المبعوث الأمريكي دونالد بوث، وقال لـ(الصيحة) بصراحة عندي فيه رأي واضح وكتبته وأعتبر اختيار بوث غير موفق ولفت أنه كان مبعوثاً من قبل للسودان وجنوب السودان، ولم يقدم أي شيء لمشكلة الحركات المسلحة السودانية، وبالتالي فشل في مهمته. ورأى أن إعادة الرجل إلى السودان باعتباره مجرباً، وفاقد الشيء لا يعطيه, وأعاب في تصريحاته أنه بدأ بالحديث عن العقوبات وعدم منح التأشيرات ورفع العصا بدلاً عن الجزرة.

مبعوث جديد

وبدا كرمنو أنه غير متفائل بدور المبعوث الأمريكي بوث في السودان، وقال: لا أعتقد أن بوث سينجح، إذا استمر بهذا الشكل، وكان من الأجدى أن تأتي أمريكا بمبعوث جديد، وليس الذي فشل في مهمته الأولى، وأضاف أمريكا يمكنها أن تقرب بين وجهات النظر رغم أن قوى الحرية فقدت فرصتها التي كانت في صالحها، والآن تبحث عن الوساطات الدولية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وتعتمد على المجتمع الدولي الذي لا يبدو أنه ميال ومتحمس لفكرة التغيير, وأكد أن تطويل فترة الخلاف أدت لظهور بعض الفعاليات الأخرى التي تكاد أن تسحب البساط عنها، وتضعف قدرتها التي كانت موجودة، والآن لم تكن بنفس القوة الأولى معتبرًا أن الحماس الأول في البداية نتيجة لقوة اندفاع الثورة، بيد أنه شبهها بـ(فورة الأندروس) حتى بدأت تتبخر.

لا جديد يذكر

وقال كرمنو لا أتخيل أن بوث سيقدم شيئاً للسودان أو الأطراف ورأى أنه لم يستفد من فترته التي كان فيها بالسودان، ولم يقرأ الساحة السودانية جيداً، وأضاف لو كان المبعوث جديداً أفضل بكثير، ورأى أن أمريكا لم تعط المشكلة السودانية الاهتمام الكبير، وأنا أقول له (سعيكم مشكور) لا جديد يذكر ولا قديم يعاد.     

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى