المعلم

*أذكر جيداً ونحن على أعتاب المرحلة الثانوية، كان زميلنا “م” قد أحرز درجات متدنية لم تمكنه من دخول المدارس الثانوية الحكومية، وفضل عدم إعادة السنة وأكمل دراساته في إحدى المدارس الخاصة التى لا تشترط إحراز نسبة محددة في تلك الفترة بقدر ما تشترط دفع “الكاش”.

*أكمل زميلنا دراسته، ودخل الجامعة التي لم تكن برسوم مخيفة كما هو الحال الآن، وهو الآن طبيب له مكانته العالية في مجاله.

*التقينا قبل شهور عديدة وتذكَّرنا مراحلنا الدارسية تلك، وقال لي “اليوم الحال انقلب” خاصة فيما يخص المدارس الخاصة التي كانت في السابق لأصحاب الدرجات الدنيا، واليوم أصبحت للمميزين من أبناء السودان من أجل إكمال دراستهم، فقلت له وبالمقابل فإن وضع المعلمين اختلف من تلك السنوات، والآن إن كانوا في المدارس الحكومية أو الخاصة.

*جميع معلمي المدارس الحكومية في سابق الزمان كانوا من المعلمين المميزين الذين يوصلون المادة للتلاميذ بأجمل الأساليب وأسهلها، وكان وضعهم المادي جيداً مقارنة ببقية الوظائف، ولكن اليوم يعاني المعلم أشد المعاناة في المدارس الحكومية ولا يستطيع الإيفاء بالتزاماته إلا عبر الدروس الخاصة.

*في جميع الدول التي تطورت يظل المعلم في المقام الأول من حيث المكانة الاجتماعية والمادية، ومرتب المعلم مثلاً في ألمانيا يعتبر الأعلى من كل المجالات الأخرى، وكذلك الحال في ماليزيا التي شهدت نهضة كبرى في السنوات الأخيرة.

*وفي السودان يعتبر المعلم في المدارس الحكومية الاكثر معاناة من غيره، وظل مرتب المعلمين طيلة السنوات الماضية لا يفي بقضاء ربع احتياجاته، وليس كلها.

*قبل أيام قلائل أشاد نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو، بالمعلمين ببلادي، وتبرع لهم بمرتب ثلاثة أشهر نظير ما يقدمونه من خدمة للبلاد والعباد، ولكن ما نريده ليس مرتب ثلاثة أشهر فقط، وإنما تحسين أجور المعلمين ورفع مرتباتهم لتصبح الأعلي خاصة في المدارس الحكومية حتى تعود إلى سابق عهدها.

* وبالأمس أعلنت النقابة العامة لعمال التعليم العام، الدفع بمذكرة للمجلس العسكري، تحوي دراسة لتحسين أوضاع العاملين بالتعليم العام، ونرجو أن يكون تحسين أجور المعلمين بقدر عطائهم الذي لا ينضب.

*في السنوات الأخيرة تفوقت المدارس الخاصة على الحكومية باعتبار أن هذا النوع من المدارس ما هو إلا استثمار يدفع فيه أولياء الأمور الكثير من الأموال وتجزي فيه مرتبات المعلمين، في الوقت الذي يعاني فيه المعلمون في المدارس الحكومية من قلة المرتبات وعدم وجود الحوافز التي تشجعهم لى العمل، في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة.
*نرجو ان يُعيد المجلس العسكري المكانة السامية للمعلمين قبل أن تُشكّل الحكومة المدنية الانتقالية والعام الدراسي على الأبواب حتى نشهد عودة قوية للمدارس الحكومية كلها، وليس النموذجية فيها متفوّقة في كل عام ومنافِسة للمدارس الخاصة التى يحظى بها أبناء كبار الموظفين وأصحاب المال الوفير.

*التعليم حق للجميع، ومن واجبات الدولة أن توفره بكافة خدماته لأبناء السودان في المدن والحضر من أجل سودان قوي ومنيع بعلم أبنائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى