حضر في زيارة رسمية إلى السودان ليلتقي بنميري وعبد الناصر: حكاية العقيد القذافي وأغنية يا فتاتي

 

يرويها: سراج الدين مصطفى         7يونيو 2022م 

(1)

يظل الفنان الطيب عبد الله رائد أغنية (الشجن) في السودان، ففي كل  أغنية عنده حالة من الحزن الكثيف الذي يكاد يتصاعد دخانه، كلنا تقريباً كتبنا أغنيات على خيوط المناديل وطرزنا بها الورق بالأطراف وأرسلناها لمن نحب، علاقتي به بدأت قبل أن التقيه شخصياً من خلال أغنياته التي أحفظها عن ظهر قلب .. وأنا واحد من الذين تشكلوا وجدانهم السماعي بأغنياته .. لأن كل أغنية عند الطيب عبد الله تمثل حالة شعورية خاصة لا مثيل لها وبالتأمل في أغنيات مثل السنين وليل الفرح ونبع الحنان وغيرها، نجد أنفسنا أمام فنان مهيب كتب اسمه ونقشه بأحرف من نور وإبداع في صياغة وجداننا السماعي.

(2)

برز الفنان الطيب عبد الله كفنان ذي حس فني عال وفي زمن قياسي مما جعله يحترف الغناء وبالرغم من انه كان يكتب ويلحن اغانيه، الا ان كبار الشعراء كانوا قد عرضوا عليه أشعارهم وقدم منها الكثير.. استمر الطيب عبد الله في تقديم روائعه الفنية الخالدة للجمهور واصبح نجما ساطعاً في عالم الغناء السوداني؟ أغنية يا فتاتي: جذبته ذات مرة القصيدة الرائعة بالعربية الفصحى – ذات الفراء (والتي عرفت بأغنية يا فتاتي) لأحد الشعراء السودانيين الكبار وهو الشاعر الطيب محمد سعيد العباسي تضمّنت القصيدة كيفية الحالة النفسية التي انتابت الشاعر الذي كان بالقاهرة ذات يوم عندما هَمّ بمغازلة امرأة قبطية جميلة تمشي على الطريق، فما كان منها إلا ان عيّرته بسواد لونه قائلة له عليك ان تمد لحافك على قد رجليك …إلخ فما كان من الشاعر إلا ان قال يا فتاتي ما للهوى بلدٌ كل قلب بالحب يبترد وانا ما خلقت في وطن في حماه الحب مُضطهد فلماذا أراك ثائرة وعلام السباب يضطرد ألا لان السواد يغمرني ليس لي فيه يا فتاة يَدٌ.

(3)

قام الطيب عبد الله بتلحين هذه القصيدة وتسجيلها في الإذاعة واختار موشحاً يقدمه قبل الأغنية للشاعر العباسي الكبير بالفصحى ايضاً وهو – فارقتها والشعر في لون الدجى – فلاقت رواجاً لم يتصوّره الكثير من الناس، حيث أصبحت واحدة من أهم وأشهر أغاني الطيب عبد الله .. من المُفارقات العجيبة لهذه الأغنية انه في عام 1970 كان العقيد معمر القذافي قد حضر في زيارة رسمية إلى السودان وليلتقي أيضاً بالرئيسين جعفر نميري وجمال عبد الناصر واثناء حفل الغداء طلب ان يحضر الطيب عبد الله ليغني له اغنية يا فتاتي، لأنه أحب هذه الأغنية جداً ولم يكن للفنان الطيب عبد الله هاتفٌ بالمنزل فتمت إذاعة الخبر على الهواء في الراديو، مما ادهش البلاد حوالي الساعة الثاني ظهراً وجاء فيه (المرجو من الفنان الطيب عبدالله التوجه إلى القصر الجمهوري فوراً).. ولم يعرف الطيب عبد الله سبب استدعائه وخشي ما خشي إلى ان حضر وسلم على الرؤساء الثلاثة ووجد الأوركسترا في انتظاره لكي يغني أغنية العقيد القذافي المُفضّلة يا فتاتي…!!

يا فتاتى ما للهوى بلدٌ  .. كل قلبٍ في الحب يبتردُ

أنا ما خلقتُ في وطنٍ  .. في حماهُ الحبُّ مضطهدُ

ألأنَّ السوادَ يغمرني؟  .. ليس لي فيه يا فتاةُ يدٌ

أغريبٌ إنْ تعلمي لي ديارٌ ولي بلدٌ..

لي بدنيايَ مثلما لكُمُ.. لي ماضٍ وحاضرٌ وغدُ

فلماذا أراكِ ثائرةً .. وعلامَ السبابُ يضطردُ

أيَّ ذنبٍ جنيتُ فاندلعتْ .. ثورةً منكِ خانها الجَلَدُ

الوداعَ الوداعَ قاتلتي .. ها أنا عن حماكِ ابتعدُ

سوف تنأى خطايَ عن بلدٍ .. حجرٌ قلبُ حوَّائِهِ صلدْ

وسأكتمُ الجراحَ في كبدي .. غائراتٍ ما لها عددٌ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى