تخرج اللوحة من مناطق بعيدة في ذهنه .. راشد دياب.. جلباب سوداني مزركش يحتشد بالتشكيل والتلوين!!

 

تقرير: سراج الدين مصطفى      1 يونيو2022م

أحد أهم الفنانين التشكيليين:

يُعد الفنان راشد دياب أحد أهم الفنانين التشكيليين السودانيين، نهل من التراث الشعبي السوداني، وجسّده في أشكال فنية عصرية لاقت قبولاً عربياً وعالمياً، كما شكّل بأعماله الفنية شديدة الالتصاق بالبيئة السودانية ملمحاً أساسياً في حركة التشكيل السوداني. وفي العام 2005 أسّس مركز راشد دياب للفنون بالخرطوم والذي أصبح لاحقاً عبارة عن مركز إشعاع ثقافي يضئ ليالي الخرطوم بالثقافة والمُنتديات الحيوية ذات البُعد الإبداعي والمُجتمعي.. ولعل الدكتور راشد دياب يُعد واحداً من الرموز الثقافية المهمة التي يُمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال فهو وضع إبداعية صنفته كواحد من خوالد التاريخ الإنساني، بل أصبح رمزاً عالمياً بملامحه السودانية وجلبابه المزركش الذي يحتشد بالتشكيل والتلوين.

سيرة حياتية:

السيرة الحياتية للدكتور راشد دياب هي بالطبع مسيرة حافلة بدأت منذ تاريخ ميلاده وهو كما يقول (ولدت في مدينة ود مدني وسط السودان عام 1957، وحصلت على البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم بمرتبة الشرف الممتازة في التلوين، ثم على الأستاذية في الرسم من كلية الفنون الجميلة في جامعة مدريد المركزية، ثم الماجستير في التلوين وفي فن الحفر من الجامعة ذاتها، ثم الدكتوراه بتقدير ممتاز في فلسفة الفنون الجميلة من جامعة مدريد المركزية في إسبانيا).

تقدير واسع في العالم:

ويضيف الدكتور راشد دياب (أما عن تجربتي فاكتفي بما كتبه بعض الكتاب والفنانين العالميين عني، في مقدمتهم الروائي الكبير الطيب صالح، الذي قال: “راشد دياب فنان يُحظى بتقدير واسع في العالم، وهو عالميٌّ لأنه حقق هذا التركيب والمزج.. ومن المهم أن نقول إن الدارسين والنقاد والمتذوقين للفن في أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها ينظرون إلى لوحاته فيجدون لغة يفهمون مفرداتها، لكنهم أيضاً يجدون شيئاً آخر طريفاً، هذا الشيء الآخر هو الذي استمده الفنان من بيئته وموروثه الحضاري، وهو الذي يعطيه تميزه في نهاية الأمر”، أما الفنان “رافييل كانوفار” فقد كتب: “الفنان السوداني راشد دياب المقيم في مدريد منذ أكثر من عشرين عاماً “1977-1997” أصبح جزءاً من مناخنا الفني وواحداً من الرفاق المتميزين في النضال الشاق للتشكيل المعاصر .

لم أبدأ بعد:

يقول دياب (أنا لم أبدأ بعد.. واعتقد بأنني ما زلت أحاول أن أضع في ذهني تصوراً للرؤية المتكاملة للعمل الفني وسأكذب عليك لو قلت إن لوحاتي أصبحت حقيقة ماثلة ربما جزءا من اللوحة من ذاتي ومن وجداني لكن فكرة أن تكتمل اللوحة صعب جداً لأنها لم تكتمل بعد في ذهني، ولهذا أعتقد أن الفنان بحاجة دائمة للبحث والتجريب المستمر).

فالبحث التجريبي هو السمة الغالبة على أعمالي وهو طريقتي الخاصة للبحث عن وجود اللوحة. وهذا ما يجعل بعض اللوحات تأسرني لأنها تخرج من مناطق بعيدة في ذهني. وتجعلني أبذل محاولات كثيرة لكي أصل إليها. لأنّ خروج العمل الفني وتجسيده يختلف عن الفكرة الذهنية لديه. وممكن أرد على سؤالك بصورة مبسطة يعني أنا فلسفياً كمراسل إلى الرؤية الحقيقية. ما زالت هناك حاجة ناقصة. حاجة لم ألقها بعد. وهذا يحتمل يكون سبب القلق الذي يجعلني أعمل أكثر. واهتمامي لو وجدت هذا الشيء لما انتظرت وقفزت منه لشيء آخر مختلف.. بإمكانك أن تقول عنها إنها حالة من التوتر والقلق يصعب تفسيرها!.

محصلة تاريخية:

وفي حوار له مع الأستاذ مرشد العجي الذي سأله عن الملامح الخاصة التي اتسمت بها تجربته الذاتية في العمل الفني قال .. أنا في رأيي أن تجربة الفنان مهما كان وفي أي مكان هي عبارة عن محصلة لتاريخه بنفسه يعني هي عبارة عن إعلان للذات عن طريق الرؤية أو العمل البصري. فإذا كان الشاعر كتب قصيدة، وإذا كان الفنان التشكيلي رسم لوحة فهذه اللوحة عبارة عن تلخيص للتجربة الذهنية التي كثفت حول الرؤية الخاصة به. وخرجت بحيز أو بمساحة ضيِّقة على سطح اللوحة فتختزل كثيراً جداً من حواكي التاريخ أو أحاسيس العالم.

الفن التشكيلي في السودان:

وفي إفاده له يقول دياب (الفن التشكيلي في السودان بدأ من بداية القرن الماضي وبدأ بصورة عفوية عن طريق بعض الفنانين القطريين الذين كانوا يعبرون عن الثقافة السودانية لأول مرة بالرسم وكان الرسم موجوداً أساساً في أجساد القبائل – قبائل النوبة – لكن الرسم التأمُّلي لم يكن موجوداً. ولم تظهر هذه الصفة المُرتبطة باللوحة الغربية إلا في بداية الأربعينات وتسمى لوحة الحامل أو المسند وبدأ الفنان السوداني يرسم بمواد غير مدروسة يتعامل مع الألوان التي تصله من الخارج ويُجرِّب الألوان المحلية وإخراج أعمال كانت تجسد الصورة العامة للجمال في تلك المرحلة المرتبطة بالأغنية الشعبية وبالحس العام لجمال المرأة وجمال المكان والطبيعة.

مرحلة الدراسة الأكاديمية:

تلت هذه المرحلة التي تشكّل البدايات الأولى مرحلة الدراسة الأكاديمية والتي ظهرت مُتأخِّرة مع انتشار معهد “بختروبا” الذي صار بعد ذلك كلية للفنون الجميلة سنة 1951م تعتبر من أقدم كليات الفنون في العالم العربي والأفريقي ولها إسهامات كبيرة جداً في دفع الحركة التشكيلية في العالمين العربي والإسلامي وقد تخرج فيها فنانون ذهبوا للدراسة الأكاديمية في إنجلترا وعادوا يبحثون عن الفن الذي يُعبِّر عن الحركة الوطنية النضالية والتحررية وأصبحت اللوحة تبحث عن أصل الفن السوداني عن جذور هذا الفن وتاريخه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى