سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع..

19 مايو2022م

على طريقة الرسم بالكلمات!!

(1)

يعتبر الشاعر عبد الرحمن الريح صاحب الفضل الأول في تقديم الفنان إبراهيم عوض للجمهور وترسيخ أقدامه على قمة الفن السوداني بمجموعة جديدة من الأغنيات في لحنها وكلماتها.. وتدفق شلال الغناء الجميل وكانت تجربة إبراهيم عوض مع الشاعر الطاهر إبراهيم وهو أيضا من حي العرب وهي مرحلة النضج الفني لإبراهيم عوض.

(2)

في تلك الفترة، ظهرت أغنيات حبيبي جنني وعزيز دنياي وأبيت الناس وفارقيه دربي ويا خائن والذكرى الجميلة وغيرها من الأغنيات الخالدة ويعتبر الطاهر إبراهيم صاحب الإسهام الأكبر في تجربة إبراهيم عوض الفنية بأشعاره وألحانه .. وتعاون إبراهيم عوض بعد ذلك مع كوكبة من الشعراء منهم إبراهيم الرشيد وسيف الدين الدسوقي والنعمان علي الله ومصطفى عبد الرحمن.

(3)

بدأ عبد الرحمن الريح بأغانٍ ذات نمط جديد (أنا سهران يا ليل، خداري وجاني طيفه طايف)، بعد ان تحرى المواضيع البسيطة المباشرة والأحداث المُختلفة منقولة إلى الناس والمشاعر المألوفة والمترجمة بنبرة الحقيبة، وبالتالي القريبة من الحياة العادية بما يكفي لتجد صدىً عند الجمهور الأقل تجاوباً مع التحولات الفنية.

(4)

لم يكن يعلم ذلك الفتى اليافع انه على موعد مع القدر ليلعب دوراً كبيراً ومهماً في قيادة احدى المؤسسات الإعلامية العريقة وإن تراءت له بعض الأحلام وهو يقف على شباك البريد لمراسلة برنامج المسابقات الشهير (جرب حظك) لمحمد خوجلي صالحين وهو يتخيل وقع رسالته وهي تقرأ لمستمعي الإذاعة السودانية.

(5)

إذن كان تحدياً مع الذات خاضه ذلك الفتى اليافع الذي جاء الى الدنيا في العام 1949 ومنذ صرخة الميلاد الأولى، بدأ القدر في تسطير ملامح مشواره الإعلامي لتتكشف مواهبه في الكتابة للأطفال والأسرة منذ المرحلة الثانوية ونشأت حينها علاقة وطيدة بينه وبين هنا أم درمان ليلتحق بها في نوفمبر من  العام 1972 بمجرد تخرجه في جامعة أم درمان الإسلامية حاصلاً على بكالوريوس الآداب.

(6)

المدير العام للهيئة العامة للاذاعة القومية السابق معتصم فضل عبد القادر التحق بالإذاعة السودانية مخرجا استهوته في البداية تجربة إخراج برامج الأطفال ليضع لمساته الأولى في ذلك العالم ليكتب سيناريو حب كبير بينه وبين هذه الشريحة استمر منذ العام 1975حتى اليوم.. اظهر فضل قدرات عالية في مجال الإخراج ارغمت رؤساءه على ترقيته كبيراً للمخرجين في فترة لا تتجاوز العشر سنوات.

(7)

ظل سيرة النصري على لسان كل المهتمين بأدب الشمال واغنية الطمبور وقد شارك محمد النصري في نشر الاغنية وتطويرها وإيجاد مستمع جديد وذلك لما تميز به من أداء جميل وصوت طروب وتطريب متفرد، ومحمد النصري استطاع أن (يكتسح) الساحة عبر اختياره الموفق لأغنياته من إبداعات الشعراء وحقيقة ان هذا المبدع يستحق الوقوف عنده والتأمل في ما قدمه واستطاع أن يرتب وجداننا ويطربنا الى أبعد الحدود وذلك خلال اختياره الذي دوماً ما يأتي موفقاً جداً لأعماله التي يقدمها.. وقد استطاعت موهبة محمد النصري اكتشاف العديد من الشعراء الذين ولجوا الى الساحة عبر صوت النصري المتميز وإذا حاولنا أن نغطي جميع جوانب النصري لما استطعنا.. وذلك لقوة التجربة وعظمتها وما أثمرت عنه من نجاح هو خير دليل على ذلك، وكثيرون مِمّن استمعوا للنصري أكدوا جاهزية صوته لأداء أي لحن مهما كانت صعوبته، ذلك أن محمد قد توصّل (اخيرا) الى معرفة طبقات صوته وأين يغني فيها.

(8)

ثمة تجارب غنائية جادة لا تجد أرضاً خصبة كي تنمو وتثمر، لأن الأجواء مهيأة الآن لأي شكل غنائي يتسم بالهزلية والهزال والفراغ، أصبحنا وكأننا لا نطيق من هم أكثر جدية وقدرة على طرق الأشكال الغنائية الجديدة ولكن تاريخنا أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأشياء التي نرفضها حين ظهورها نتشبّث بها لا حقاً ونفرد لها المساحات حينما نفقدها ويصير حالها الى زوال.

أقرب مثال لذلك الرائع مصطفى سيد أحمد الذي وجد من يقف في وجهه وتجربته الوليدة آنذاك، ولكن مصطفى وإيمانه بفكرته ومشروعه جعله يتسيد الساحة ويصبح هو الصوت الأول ولكن بعد فوات الأوان حينما رحل عنّا فأصبحنا نتباكى عليه وحتى أجهزتنا الاعلامية التي لم تسع إليه لتوثق تجربته في حياته أصبحت تبحث عن موروثه الغنائي عند أصدقائه.. والتجارب أثبتت أننا شعب لا يستفيد من التاريخ ولكننا نفلح في البكاء حينما نفقد أشياءنا التي لم نعرها أيِّ اهتمام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى