على خلفية الفتور السوداني الإثيوبي.. تقارب الخرطوم وأسمرا.. بعد خارجي أم مصالح ثنائية؟

 

الخرطوم: مريم أبشر       19 مايو 2022م 

العلاقات بين الخرطوم وأسمرا وشعبيهما على مر الحقب تربطها وشائج القربى والتصاهر والتمازج والمصير المشترك، وفوق هذا وذلك هي علاقات تجاور أزلي لا تنهيه عواصف وأجواء السياسة والحكومات المتقلِّبة والمتعاقبة، إنما علاقات تتحكَّم فيها الجغرافيا والحدود التي ليس لأيٍّ منهما القدرة على محيها أو إزالتها لأنها أزلية وجدت بوجود الدولتين والشعبين.

غير أن أجواء التقارب السوداني الاريتري كثيراً ما تعصف بها رياح الساسة وقادتها، فقد شهدت حقبة حكومة الإنقاذ عداءً بين الدولتين الجارتين و تبادلا الاتهامات بإيواء كل دولة معارضي الأخرى، ووصل الخلاف بينهما حد القطيعة. وبالمقابل كثيراً ما تمر تلك الأمور بسلام ويتبادل الساسة والقائمون على الأمر الزيارات. ولعل في الوجود الشعبي الكبير المقيم في الدولتين خاصة الجالية الاريترية في السودان وتقاسمهما اللقمة والصعاب ما يؤكد أن الشعبين السوداني والاريتري ما يجمع بينهما أكبر من أن تحده سياسة الحكومات. مع الأخذ في الاعتبار أن أيِّ تقارب بين النظم الحاكمة في الدولتين مع جارتهما معاً إثيوبيا يترك هو الآخر بعض الإسقاطات على علاقاتهما الثنائية وعلاقة كل منهما على حدة بأديس أبابا وذلك من زاوية تكون على الأرجح المصالح أو من باب الكيد السياسي .

تبادل زيارات

والمراقب لترموميتر العلاقات بين الخرطوم وأسمرا يلحظ أن هنالك تبادل لزيارات بين كبار المسؤولين في حكومات الدولتين. مؤخراً وآخر زيارة وفد أريتري برئاسة وزير الخارجية تكرَّرت للخرطوم مرتين خلال فترة زمنية مقاربة، قالت كل المصادر التي استفسرتها (الصيحة): إن الزيارة تهدف إلى جانب دعم وتنشيط العلاقات في مستواها الثنائي، إصلاح العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا خاصة العمل على إزالة الخلافات التي عطلت مباحثات ملف سد النهضة الاثيوبي وملف قضية أراضي الفشقة السودانية والنزاع الإثيوبي حولها .

لكن مراقبون يرون أن تصاعد وتيرة العلاقات الإيجابية للخرطوم مع أديس يأتي في توقيت غير جيِّد لعلاقة الأخيرة بالخرطوم، خاصة بعد وصف نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية دمعقى مكونن، بأن علاقة بلاده بالخرطوم ليست جيِّدة خاصة، شاناً الهجوم على السودان، بقوله: إن الخرطوم منطلق لجبهة التقراي وأنها استغلت الحرب وغزت الحدود، حسب وصفه، وذلك خلال مخاطبته لمجلس النواب الإثيوبي، أمس الأول, غير أن مكونن، أكد على وجود آليات مشتركة بين بلاده والسودان يمكن عبرها حسم الخلافات وأنه من الأفضل حسمها سلمياً.

خلو الأجواء

كان الشيء الطبيعي أن تعود العلاقات بين السودان وأريتريا بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، التي أزالت الإنقاذ لجهة أن أريتريا لديها حساسية تجاه النظام الإسلامي الذي تقوده الإنقاذ. هذا ما يراه السفير والخبير الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم، في حديثه لـ(الصيحة)، مضيفاً أن التبادل الدبلوماسي بين البلدين شبه متوقف والعمل الدبلوماسي بينهما غير مستقر، وزاد: كان المتوقع بعد نجاح الثورة وإزاحة نظام الإنقاذ أن تمضي مسائل العلاقات بين البلدين بشكل طبيعي، ولكن لحساسية ملف سد النهضة بين أريتريا و إثيوبيا ووقوف أسمرا إلى جانب مصر فيما يلي الملف، لم تتقدَّم أسمرا باتجاه إقامة علاقات بشكل جيِّد مع السودان مستغلة تغيير النظام، وفي المقابل رمت أثيوبيا بثقلها لإصلاح علاقاتها مع السودان وقد أفلح أبي أحمد، في تقريب وجهات النظر بين المكوِّنين العسكري والمدني بالتنسيق مع آلية الاتحاد الأفريقي، حيث توِّجت تلك الجهود بتوقيع الوثيقة الدستورية. في تلك الفترة لم تستغل أريتريا الفرصة لتحسين علاقاتها مع السودان بشكل أفضل، ويشير السفير جمال بقوله: يبدو أن أثيوبيا أخلت الجو لأريتريا لتحسين علاقاتها المجمَّدة مع السودان بالاستفادة من حالة الجمود والتوتر التي تعتري علاقات الخرطوم وأديس في أعقاب تعثر مفاوضات سد النهضة والاتهامات المتبادلة، فيما يلي أزمة الحدود ويضيف السفير جمال، إلا أن أسمرا تعلم أن للسودان عليها أفضال كثيرة إبان كفاحها لنيل الاستغلال، رغم أن نظام الإسلاميين في الخرطوم قدَّم للشعب الأريتري المساعدات إبان كفاحه، ولديهم حساسية عالية تجاه نظام الإنقاذ القائم وقتها. ولفت الخبير جمال، إلى أنه رغماً عن ذلك إلا أن الأثيوبيين كانوا سبَّاقين نحو سودان ما بعد الثورة وأسهموا مع الاتحاد الأفريقي في إيجاد تسوية للخلافات بين أطراف الانتقال في السودان .

البعد الخارجي

مراقبون يرون أن نمط شكل العلاقات القائم بين السودان وكل من أريتريا و إثيوبيا بعداً وتقارباً يلعب فيه البعد الخارجي دوراً محورياً. ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الدكتور عبد الرحمن أبو خريس، أن  التقارب الظاهر الآن بين الخرطوم وأسمرا هو ليس ببعيد و أن جمع الجوار بين الدولتين عن البعد المتعلِّق بالحلف الروسي المساند لروسيا و الداعم لحربها في أوكرانيا. وأضاف: بالمقابل التوتر مع إثيوبيا يأتي في سياق الصراع الأمريكي الروسي حول ملف البحر الأحمر، وقال أبو خريس لـ(الصيحة): إن إثيوبيا لم تخف معارضتها للحرب الروسية التي تشنها على أوكرانيا وهي بالتالي تقف مساندة للتوجه الأمريكي الغربي الرافض للغزو الروسي واستبعد أن يكون هنالك خلاف بين أسمرا وأديس و قال: إن أريتريا دعمت موقف الحكومة الإثيوبية وشاركت بقواتها في الحرب التي قادتها ضد معارضيها من جبهة التقراي و يعتقد أن التقارب السوداني الأريتري ليس بسبب الفتور بين الخرطوم وأديس وإنما تقارب يعد جزءاً من التحالف الذي يجري بين الدولتين وموسكو. أضف إلى ذلك يعتقد أبو خريس، أن الفتور الذي يعتري علاقات الحكومة الإثيوبية بالحكومة القائمة في السودان، هو أن أديس ترغب في إعادة قوى الحرية والتغيير للحكم مرة أخرى خاصة وأنها لعبت دوراً بارزاً في إقامة الفترة الانتقالية السابقة عبر الإسهام في التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تشكَّلت الحكومة بموجبها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى