“مصيبة” تُقدِّم وصفة علاجية للأزمة الاقتصادية في السودان
“مصيبة” تُقدِّم وصفة علاجية للأزمة الاقتصادية في السودان
كتب: فرح أمبدة
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية وعندما كنا منغمسون في خلافاتنا ومناكفاتنا، عجَّت دول العالم والمؤسسات البحثية والتعليمية ومجالس إدارة الشركات العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى أجهزة المخابرات، بالحديث عن “مصيبة جديدة” في العالم من صنع العقل البشري، ستقلب ولا شك “موازين الأشياء” مع نهاية هذا العام، وقد بدأت ذلك بالفعل، هذ المصيبة هي عقل آلي له قدرة لا تُصدَّق في “مساعدتك” أينما كنت والإجابة على “كل” أسئلتك مهما كبرت أو صغرت أو ضحُلت، وفي أقل من ثانيتين… لا تندهش .. لا تذهب بعيداً.. سنعطيك مثالاً يخصك ويخصنا جميعاً، فقد قدَّمت وصفة تشخيصية قبل أن تُقدِّم حلولاً جذرية وعملية لمشاكل الاقتصاد السوداني بعد ثانية واحدة فقط، من توجيه السؤال إليها، سنستعرضها نهاية هذا المقال.
من صنع الانسان
هذه المصيبة عبارة عن إنسان آلي يسمى (روبوت محادثة الذكاء الاصطناعي أو الـ ChatGPT) طوَّرته شركة أمريكية ناشئة تسمى OpenAI، وهيّ أداة قادرة على أخذ أسئلة “مدخلات” مكتوبة من أي شخص وإنتاج ردود وإجابات كما يفعل البشر، باستخدام مفردات حسب مضمون السؤال، إذا كان عن الاقتصاد تكون الإجابة بلغة الاقتصاد وهكذا في السياسة والأدب والفن والشعر والقصة القصيرة.
دخول هذه “المصيبة” إلى عالم الاستخدام، أحدث هلعاً وسط شركات التقنيات العملاقة في العالم، وبات الصدام بينها وبين العم قوقل Google والعملاقة Microsoft وغيرها، أمراً محتوماً، ولا نبالغ إذا قلنا إن جيوش المستخدمين سيغادرون هذه المؤسسات وغيرها في غضون أشهر، وقد يستغنى الإنسان عن عقله ويركنه على جنب لتقوم هذه “المصيبة” بكل المهام مهما صغرت أو جسُمت بدلاً عنه.. بعد أشهر لا يحتاج الطالب أوالباحث للسهر أمام شاشة الكمبيوتر أو مطالعة الكتب أو التجوال على المكتبات.. فقط يمكن ادخال سؤال مكتوب وفي طرفة عين تأتيه الإجابات من “الإبرة للطيارة”، وطبعاً ممكن أن يتعلم منها الإنسان السرقة، اطلب منها دون تردد أن تكتب لك قصيدة عاطفية أو هجائية أو حتى رثائية.. في الحال سيأتيك النص وبمضمون ولغة لا تُصدَّق.. بعدها تصير بين الخلق شاعراً مجيدا وتفتح لك القنوات أبوابها لتلقي شعراً لا أحد يغالطك بانه ليس لك.
حتى لا يذهب عقلك بعيداً… إليك دليل بسيط على “إنسانية” هذه المصيبة وكرمها.. وبالمناسبة هي مصيبة شعبية لا تعرف الحدود، تساعد البعيد والقريب على السواء.. لا تأخذ مقابل مادي لخدماتها… تخدم الفقراء مثلما تفعل مع الأغنياء دولاً وأشخاص، وبالفعل استفاد من خدماتها في الأيام الخمسة الأولى التي أعقبت إطلاقها نهاية نوفمبر مليون شخص، ومع نهاية يناير الفائت، جمعت 100 مليون، مستخدم نشط وحصد موقعها 28 مليون زيارة يومية، وبهذا عُدت أسرع تطبيق نمواً في التاريخ، تيك توك مثلاً استغرق تسعة أشهر للوصول إلى 100 مليون مستخدم وإنستغرام عامين ونصف.
المصيبة والسودان
قبل أسابيع توجه إليها المهندس التقني السوداني، وليد بشير أحمد، مدير مركز النيل للأبحاث التقنية، بسؤالين الأول طلب فيه أن تُقدِّم وصفه تشخيصية لمشكلة الاقتصاد المتجذرة في السودان “بعد أن أعيت الكبار والصغار” وعن التحديات التي تواجهه ؟ والثاني تقديم وصفة للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. لم تخيب ظنه، فقد تبرَّعت بـ 10 وصفات تشخصية مدشهة و17 وصفة تطبيقية للعلاج اكثر إدهاشا.
كانت صيغة السؤال الأول على النحو التالي.. ما هي أهم التحديات الحالية التي تواجه الاقتصاد؟ وجاءت إجابتها مرتبة بالنص والمفردات التالية “دون تدخل مني أو من المهندس وليد”.
يواجه السودان -حالياً- عددًا من التحديات الاقتصادية الكبيرة. تشمل بعض الصعوبات الرئيسة ما يلي:
- نقص العملة الأجنبية: يواجه السودان نقصاً حادًا في العملة الأجنبية، وهو أمر ضروري لاستيراد السلع الحيوية مثل الغذاء والدواء والوقود. ويرجع ذلك جزئياً إلى خسارة عائدات النفط بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011م، والتي كانت مصدرًا مهمًا للعملة الأجنبية للسودان.
- التضخم يشهد السودان -حالياً- ارتفاعاً في معدَّلات التضخم مدفوعة بنقص العملة الأجنبية وانخفاض قيمة الجنيه السوداني. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة للمواطنين السودانيين العاديين.
- ارتفاع معدَّل البطالة: السودان به معدَّل بطالة مرتفع، خاصة بين الشباب أدت الأزمة الاقتصادية إلى تراجع الاستثمار ونشاط الأعمال، مما أدى إلى فقدان الوظائف.
- نقص الخدمات الأساسية، يواجه السودان نقصاً في الخدمات الأساسية مثل: الكهرباء والمياه النظيفة، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص الاستثمار في البُنى التحتية ونقص العملة الأجنبية لاستيراد المعدات وقطع الغيار.
- عدم الاستقرار السياسي جعل عدم الاستقرار السياسي في السودان من الصعب على الحكومة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وجذب الاستثمار الأجنبي. كما أصرت الاحتجاجات والاضطرابات المدنية المستمرة بالبُنى التحتية للبلاد وجعلت من الصعب ممارسة الأعمال التجارية.
- العقوبات الأمريكية: يخضع السودان للعقوبات الأمريكية منذ عام 1997 وقد أثرت هذه العقوبات بشكل كبير على الاقتصاد السوداني من خلال الحد من قدرته على الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية والتجارة الخارجية، مما جعل من الصعب على السودان تمويل مشاريعه الإنمائية وجذب الاستثمار الأجنبي.
- الدين العام: تزايد الدين العام في السودان على مر السنين، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص العملة الأجنبية وارتفاع تكلفة خدمة الدين. وقد جعل ذلك من الصعب على الحكومة تخصيص أموال كافية لبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
- الفساد: يعتبر الفساد مشكلة رئيسة في السودان، وقد أثر على مختلف قطاعات الاقتصاد. لقد جعل من الصعب على الحكومة إدارة الموارد وتخصيصها بشكل فعَّال، كما أنه أدى إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي. والزراعة: تعتبر الزراعة قطاعاً حيوياً للاقتصاد السوداني، لكنها تواجه العديد من التحديات، ويشمل ذلك الجفاف والتصحر والافتقار إلى التكنولوجيا الحديثة والبُنى التحتية، مما أدى إلى انخفاض غلات المحاصيل وانعدام الأمن الغذائي.
- الافتقار في الوصول إلى التمويل، يواجه الاقتصاد السوداني نقصاً في الائتمان، مما جعل من الصعب على الشركات الحصول على التمويل الذي تحتاجه للنمو وخلق فرص العمل. ويعزى هذا النقص في الوصول إلى التمويل جزئياً إلى الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد وارتفاع مخاطر الإقراض.
في الختام، يواجه الاقتصاد السوداني عددًا من التحديات الكبيرة، والتي تشمل نقص العملة الأجنبية، والتضخم، وارتفاع معدَّلات البطالة، ونقص الخدمات الأساسية، وعدم الاستقرار السياسي، والعقوبات الأمريكية، والدين العام، والفساد، وعدم القدرة على الوصول إلى التمويل. إن معالجة هذه التحديات أمر بالغ الأهمية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية في البلاد.
الخروج من الأزمة
وكانت إجابتها عن السؤال الثاني والمتعلق بالسبيل إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة كانت..
فيما يلي بعض الحلول المحتملة الأخرى للتحديات الاقتصادية التي تواجه السودان:
- تنفيذ السياسات النقدية والمالية لضبط التضخم واستقرار العملة.
- جذب الاستثمار الأجنبي لزيادة وفرة العملة الأجنبية وتحفيز النمو الاقتصادي.
- تنويع الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار في الزراعة والسياحة والصناعة لتقليل الاعتماد على الصادرات النفطية.
- تحسين جباية الضرائب وإدارة المالية العامة لزيادة الإيرادات الحكومية.
- تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال وتشجيع نمو القطاع الخاص.
- تطوير القطاع المالي وزيادة فرص الحصول على الائتمان، لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال.
- تشجيع ريادة الأعمال والابتكار من خلال تقديم الدعم للشركات الناشئة وتحسين النظام البيئي لريادة الأعمال.
- معالجة الفساد وتحسين الحوكمة لبناء الثقة بين المستثمرين وتحسين مناخ الاستثمار تحسين البُنى التحتية وخاصة في مجالات النقل والطاقة والاتصالات لزيادة الكفاءة والقدرة التنافسية.
- تعزيز قدرة المؤسسات الحكومية وتعزيز الشفافية لتحسين إدارة الموارد العامة وزيادة المساءلة.
11 بناء شراكات قوية مع المجتمع الدولي للاستفادة من الخبرات والموارد والأسواق العالمية لدعم النمو الاقتصادي المستدام.
- تشجيع التعليم وتنمية المهارات لتحسين القدرة التنافسية للقوى العاملة وزيادة الإنتاجية.
- تحسين القطاع الزراعي من خلال زيادة الاستثمار في التكنولوجيا والبُنى التحتية والبحث والتطوير الزيادة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الواردات.
- تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تقديم الحوافز وتقليل العقبات البيروقراطية.
- تطوير قطاع السياحة من خلال تعزيز عوامل الجذب الثقافية والتاريخية والطبيعية لخلق فرص رأس المال ودعم النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
- بناء مؤسسات قوية وتطبيق ممارسات الحوكمة الرشيدة لضمان الاستقرار وزيادة الثقة بين المستثمرين والجمهور.
- تحسين الوصول إلى التمويل، وخاصة للنساء والشباب، لدعم ريادة الأعمال وزيادة الفرص الاقتصادية.
لما يقارب السبعة عقود، لم نتمكن من تشخيص ازمتنا الاقتصادية المترحلة من عقد لآخر، وبالتالي فشلنا في ايجد وصفة العلاج فالنجرب ما قدمته لنا هذه “المصيبة” علها تنجح فيما فشلنا فيه.