د. محمد عيسى عليو نائب حاكم اقليم دارفور يطلق “مُبادرةٌ شخصيّةٌ” لحل الأزمة السودانية عبر (الصيحة)

24يناير2022م 

المُقدِّمة

السودان كدولة مستقلة ظهرت على سطح الأرض مريضة معطوبة في أول يناير ١٩٥٦م. ولدت مشوّهة بسبب السياسات والقرارات المركزية القابضة التي لم تراع ظروف أطراف الوطن في أصقاعه الأربعة، على الرغم من التنبيهات الطرفية المبكرة. كالحراك المطلبي في أول الأمر في الجنوب ثم تطور الى حراك مسلح او قيام الحركات المطلبية في الشرق جبهة البجا او الجبهات الأخرى في جبال النوبة وجبهة نهضة دارفور. والنيل الأزرق، حتى امتد الى حراك في وسط السودان وشماله.

كان البنيان الوطني هشاً وجاءت الأنظمة ما بعد الاستقلال لتعمق هذه السياسات الاستراتيجية الخاطئة سواء العسكرية منها او المدنية. فكان من الطبيعي ان يتصدع هذا البنيان الهش اكثر فأكثر وإذا لم يجد الإسعافات الهندسية اللازمة بدوافع وطنية خالصة فسوف ينهار الوطن تماما. الجميع مشاركٌ في هذا الجرم. وبالتحقيق المنصف المحايد سنعرف النسبة المئوية لجرم اي نظام. ومن المؤكد ان فترة الإنقاذ الطويلة في الحكم فاقمت في التصدع اكثر من حيث تشعب وانتشار الحركات المسلحة في الأطراف، وبالتالي مهّد هذا للتدخل الدولي ولأول مرة يعرف المواطن السوداني النزوح الى أطراف المدن وترك القرى المنتجة للسوائم والحيوانات الخلوية. ولأول مرة يعرف أيضاً اللجوء الى دول الجوار. كل ذلك انعكس على اقتصاد البلاد وسوء المعيشة للمواطن. وما الحاصل الآن إلا امتداد السياسات السابقة الخاطئة. وهنا نقول الآتي:

أولا لا بد من الاعتذار من كافة الأحزاب والقيادات العسكرية لهذا الشعب للمعاناة التي عاناها هذا المواطن من جراء السياسات التاريخية المقيتة. والقيادات الحالية ان هي لم تكن مسؤولة تاريخيا، إلا أنها ادبياً مسؤولة وحاضرة وهي الفاعلة في الوقع السياسي. الاعتذار اعتراف وأدب وثقافة حضارية ومن ثم شجاعة وانصاف.

ثانياً ضرورة الاعتراف بالمراجعة الحزبية لأن معظم الفكر الحزبي السوداني مستورد. هذه حقيقة. لذلك كانت تطبيقاتها تتلفت الى الوراء للوحات الخلفية. وان الأحزاب الوطنية شابها اتهام قوي بأنها نشأت باشارة من المستعمر كترياق مضادة للفكر المستورد. كل ذلك نشأ في عهد الحرب الباردة بين امريكا ومعينتها بريطانيا. وروسيا من جهة أخرى، وما الأنامل التي كانت تتحرك في أفريقيا والشرق الأوسط في الغالب الأعم إلا بإيعاز من احد القطبين. وكذلك ضرورة ابعاد اسرنة بعض الأحزاب لأنها عقّدت التطور الديمقراطي.

 

وتكلست بموجبها الروح الوثابة في أهم أدوات تحريك عمل الدولة ديمقراطياً وخدمة مدنية. فلا بد من الاعتراف بهذا مع محاولة تجاوز ذلك.

ثالثا على الهيئات العسكرية ان تهيئ نفسها للرجوع الى الثكنات. والالتفات الى مهمتها الأساسية حماية الحدود والدستور وحفظ الأمن، ومن اراد ان يرتاد ويعوم في بحر السياسة فعليه الترجل. فالزمن قد تجاوز الانقلابات العسكرية مهما وعدت وأوعدت.

الوضع الراهن

ضرورة الحوار. فإن الحوار هو المخرج الوحيد للوطن. وإلا سنفقد الوطن نهائيا  ولن نجد الميدان الذي نمارس فيه هواياتنا السياسية. الحوار أس الحياة في التعامل مع الآخر سواء كان عدواً او خصماً. بعدمه لا قبول للآخر وبالتالي لا تعايش معه ولا تجانس ولا مصالح مشتركة ولا تبادل للمنافع ولا تعاون ولا تصاهر وسنكون بذلك في جزر معزولة مثل القبائل في بداية التكوين البشري. الحوار بدأه الله تعالى مع الملائكة ومع ابينا آدم ومع ابليس ومع كل النبيين والمرسلين حتى مع الناس العاديين عندما قال الرجل كيف يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه وقال له… الحوار له نتيجتان إما الإقناع واما إقامة الحجة. الحوار لا عزل فيه لأحد ما دامت هناك الشخصية السودانية. فالحوار الأول يتعلّق بالقضايا السودانية الوطنية هذه لا عزل لأحد فيها. الحوار الآخر يتعلق بالقضايا السياسية وتمرير الفترة الانتقالية بسلام. هذا يخص فقط الثائرات والثوار الذين قادوا ثورة ديسمبر المجيدة. هؤلاء يتحاورون في حكومة الكفاءات لتمتين الدور العادل للحكومة الانتقالية لجميع القوى الساسية التي ستشارك في الانتخابات. وكذلك طرح مبادرة مندوب الأمم المتحدة في الخرطوم (مستر فولكر) وهنا نقول ان فولكر ليست لديه مبادرة بقدر ما هي محاولة للملمة الأطراف والتقريب فيما بينها. ولا أعرف من اين اتى فولكر بفكرة تقسيم السودان هكذا يتوهم البعض. ومع ذلك ونحن نتقارب وبيننا فولكر لابد من الاتفاق على مبدأ الثوابت وطنية أولها وحدة ما تبقى من السودان بفهم فدرالي حقيقي وتقسيم عادل للثروة والسلطة والاعتراف بالديمقراطية السبيل الوحيد للتداول السلمي للسلطة. التحقيق العادل لكل الانتهاكات التي حصلت في البلاد مع التركيز على القتل الذي حصل لشباب وشابات الثورة لأنه حصل للتو والشهود بارزون لا تخطئهم العين. مع عدم الافلات من العقوبة . وعقد مؤتمر تصالحي نهضوي وإيجاد ضمانات للمترجلين من الحكم عسكريين ومدنيين ولنا أسوة حسنة في عبود ونميري في القضايا العامة. اما الخاصة فمكانها القضاء او العفو الفردي وفي هذا المؤتمر الثوري لابد من إقرار حيادية السودان وعدم الانجرار في المحاور. وان تكون العلاقة هي تبادل المصالح والمنافع المشتركة. ونحن نتدابر ونتفاكر يجب أن لا تفهم اي مبادرة خارجية انها تدخل سلبي في الشؤون الداخلية. حتى ولو كان هناك تدخل يجب أن نوظفه توظيفا ايجابيا. فالتدخل إن حصل فهو بواقع السياسات السابقة فلابد من الحنكة والدربة والمباصرة والماصبرة حتى نجعله ايجابيا. لماذا لا نفسر هذا التدخل لأهمية السودان وليس لضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس. ربما يطيل قليلاً أمد هذا الحوار وحتى لا يكون هناك فراغٌ شاملٌ يجب دعم المؤسسات الحالية المركزية والولائية دعماً كاملاً لتقوم مقام مجلس الوزراء وحكام وولاة الولايات لتسيير دولاب العمل اليومي حتى يقضي الناس حوائجهم وتستأنف علاقات السودان خارجياً

وأخيراً ارجو واطلب من شابات وشباب المقاومة رغم قوة حجتهم لكن اقول لن يسمع لحكيم صوت نصح تحت قعقعة السيوف ووقع سنابك الخيل. أعلنوها هدنة حتى يستطيع الفرد سماع صوت أخيه الآخر في المائدة المستديرة دون رئيس وهي الحل الوحيد المرتجى في تقديري. وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى