الولايات.. الصحة تلفظ أنفاسها الأخيرة

 

حمى ضنك.. إسهالات مائية.. كنكشة.. كورونا.. تحاصر ولايات الشرق

توقف الكوادر الصحية في عدد من الولايات وانعدام الخدمات في أخرى

إعداد: إيهاب محمد – أحمد بامنت- حسن حامد- معتصم حسن

بورتسودان.. حوادث بلا حقنة

واقع مؤلم تعيشه الصحة في الولاية الساحلية تفتقر فيه لأبسط مقومات الصحة، هذا ما أكده دكتور أركه آدم محمد علي من إدارة التخطيط، وهو يتحدث لمراسل الصيحة  إيهاب محمد نصر، واختصر الخلل بقوله: (الحوادث ما فيها ولا حقنه)، هذا قبل أن يقول بل إنها معطلة تماماً ــ أي الحوادث ـ ولم يختلف الدكتور (م. د.  ل) كثيراً عن ما قاله أركه حينما أردف بالقول عن الصحة قائلا :

شهدت  المستشفيات التعليمية  تدهورا مريعاً، وتراوح وضعها من سيئ الى سيئ جدًا إلى سيئ للغاية، مما أدى إلى تفاقم أزمة المواطنين وزيادة معاناتهم مع هذا التدهور أصبحت هنالك قناعة للمواطنين بأن هذا التدهور ليس صدفة مما جعل المواطنين  يلجأون مضطرين  للمستشفيات الخاصة بحثا عن خدمة أفضل والتي أيضا هي حالتها بائسة، وينقصها الكثير وتفتقر أيضاً للكادر والأجهزة والمعدات التشخيصية.

فنجد أفضلها حالًا الأطفال والولادة يمكن أن نطلق عليه سيئ فقط أما دقنة والعشي سيئ جدًا. والحوادث والباطنة والجراحة هذه لا يمكن أن نطلق عليها بوضعها الحالي مستشفيات إطلاقاً.

المشكلة الأكبر والأساسية هي ضعف وعدم الاستقرار  فنجد خلال هذا العام تم تعيين أكثر من سبعة مديري حوادث وإقالتهم وأكثر من ثلاثة مديري طب علاجي وإقالتهم وأكثر من ثلاثة مديري رعاية وأكثر من أربعة مديرين بمستشفى دقنة، مما يعكس حجم التخبط الإداري بالوزارة وعدم وضوح الرؤية وانعدام الخطط والبرامج والتقييم السليم. مما انعكس سلباً على واقع الخدمات الصحية بالمستشفيات الآن التي تعاني من كل شيء، باختصار انهيار كامل بالنظام الصحي لعدم وجود الكادر الطبي وعدم وجود الإدارات.

وللأسف هنالك عدم قدرة في كل مستشفيات بورتسودان الحكومية لتقديم خدمات الطوارئ بكفاءة وإنقاذ حياة المرضى وعدم وجود عملية جاهزة بالحوادث تقدم فيها خدمات طوارئ جراحية بكفاءة، وعدم وجود عنايات مؤهلة وإضراب النواب الذين تعتمد عليهم الخدمة الصحية العلاجية بالمستشفيات بشكل كامل لتقديم خدمات جيدة للمرضى.

أما الكورونا نسأل الله أن يسلم أهلنا ومواطنينا منها لأننا حتى الأكسجين نعاني منه ولا توجد لدينا استعدادات بالشكل المطلوب، ويعتبرها كبار الإداريين بالوزارة موسماً تصل فيه الحوافز١٨٠٠٠٠ جنيه في الشهر وفرصة لكل العاملين ليمتطوا التوسانات!!

وقد سألت أحد الاختصاصيين ـ فضل حجب اسمه ـ  عن واقع حال الصحة بالولاية؟ فقال: إن محور الصحة يدور حول الطب الوقائي.. والعلاجي.. ما يخص الطب الوقائي فإن الولاية معرضة دائماً إلى وبائيات من حمى ضنك.. إسهالات مائية.. كنكشة.. كورونا.. وللأسف بالرغم من تكرار موجات الوبائيات فإن الوزارة حتى هذه اللحظة ما عندها مركز خاص بالوبائيات!

تعطل أغلب أجهزة الكشف!

لعل من العناصر المهمة جداً فى عمليات الصحة هي أجهزة الفحص والكشف والمعامل والأشعة والتي للأسف هي الأخرى تعاني الأمرين، وهذا ما أكده د. هشام ضرار مدير قسم الأشعة الذي أوضح أن هناك تردياً كبيراً في بيئة العمل، والدليل على هذا التردي أن القسم لا توجد فيه حتى مياه الشرب!! يبقى بعد ذلك الحديث عن وجود أجهزة فحص حديثة ضرباً من الخيال إذ أن أجهزة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية وجهاز كشف الثدي وجهاز تفتيت الحصاوى كلها معطلة وينعق فوق غرفها البوم!

*كسلا.. الصحة.. ازدياد المخاوف

في حاضرة ولاية كسلا لم تعد الحياة إلى طبيعتها بعد انتشار الموجة الأولى من انتشار وباء كوفيد 19(كورونا) وما زالت المخاوف عند البعض كبيرة بسبب ما ألم بهم من فقد عزيز أو تعرض البعض لقسوة المرض أو صعوبة التكيف مع الضوابط الصحية من تباعد وحجر أو لبس كمامة وغيرها من تلك الضوابط التي حرص البعض عليها، وفي المقابل كان هنالك من لم يكترث لكل تلك الإجراءات ومضى في حياته كأن لم يحدث، وقبل أن نتنفس الصعداء بإعلان رفع الحظر ومرور الموجة الأولى، ها هي الموجة الثانية من الانتشار تأتي في ظل أوضاع أكثر تعقيداً من ذي قبل، وفي ظل تراجع في كافة القطاعات في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، كل هذا يجعل الأمر أكثر خطورة من قبل ولهذا جاءت التدابير التي اتخذتها الدولة من إجراءات احترازية للتقليل من فداحة الكارثة، فكان إعلان تأجيل العام الدراسي والحث على اتباع الإجراءات الوقائية ،إلا أن هنالك من يرى أن هذه التدابير غير كافية في مواجهة الجائحة، وذلك استناداً على مستوى الخدمات الصحية التي لا تختلف عن باقي الخدمات التي تشهد تراجعاً مريعاً. ولعل إضراب نواب الأطباء الذي طال أمده خير شاهد على حال القطاع الصحي في عموم البلاد .

نقل مراسل الصيحة من هناك الزميل أحمد بامنت وقال: ولاية كسلا شأنها في ذلك كباقي ولايات السودان مع اختلاف شكل الأزمة، فبعد استقالة مدير عام وزارة الصحة الدكتورة إيمان محمود العوض، والتي كانت نتيجة لجملة من التحديات التي واجهتها دفعتها للإقدام على الاستقالة هي ذات التحديات التي تواجه القطاع الصحي الآن في ظل الموجة الثانية للجائحة، ولعل ما دفع أمين عام حكومة ولاية كسلا الوالي المكلف الطيب محمد الشيخ الذي لم يمض على تكليفه أياماً لإصدار جملة من الموجهات والإجراءات الصحية هو ما تبين له من مواقف عقب لقائه بمدير عام وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية المكلف الدكتور حسن  إسماعيل الذي استعرض الموقف وأبان حجم الإشكاليات التي تواجه القطاع الصحي وبناء عليها أصدر أمين عام حكومة الولاية جملة من القرارات والمتمثلة في فرض الضوابط والاشتراطات الصحية وتخفيض عدد الموظفين في المصالح والمؤسسات الحكومية والخاصة بنسبة 70 الى 50% وفقاً لتقديرات  إدارة كل مؤسسة وبما لا يعطل العمل الضروري وإيقاف الفئة العمرية أكبر 55 عاماً من العمل الضروري أو منحهم إجازات مدفوعة الأجر  وإعفاء العاملين من ذوي الأمراض المزمنة مثل الأزمة وأمراض القلب والسكر والضغط ومتناولي الأدوية الخافضة للمناعة مع معاملتهم بصورة خاصة مما يجعلهم في مأمن من العدوى، هذا بجانب قرار بمنع التجمعات أكثر من 50 شخصاً مع اتباع الضوابط الصحية، مع ضمان استمرارية الخدمة بالمرافق الاستراتيجية بالدولة مثل الكهرباء ومحطات البترول والمياه والشرطة والجيش والأمن والسجون وخلافها.

ومع كل تلك الإجراءات والقرارات إلا أن كل هذا لا يلغي أهمية العمل الجاد لتحسين مستوى الخدمات الصحية والعلاجية بالولاية فمستشفى كسلا يعاني من إشكاليات حقيقية تتمثل في شح الموارد ونقص في أدوية الطوارئ مما انعكس سلباً على المستوى العام للقطاع الصحي بصورة عامة.

وتفيد المتابعات بأن غجمالي عدد الحالات منذ بداية الموجة الثانية في فبراير بلغ ٢٤٩حالة ومع ذلك لا يزال الشارع العام بكسلا غير مكترث كثيراً ولا يزال السود الأعظم لا يتبع الضوابط الصحية  .

*جنوب دارفور .. توقف العاملين

اهتم مراسل الصيحة من نيالا الزميل حسن حامد بتوقف العاملين من الكوادر الصحية عن العمل وتنظيمهم وقفة احتجاجية، أمام مقر الأمانة العامة لحكومة ولاية جنوب دارفور على خلفية الاتهام الموجه للذين عملوا في طوارئ كورونا الموجة الأولى من قبل المراجع القومي للولاية بصرف استحقاقات دون وجه حق تم عبرها استدعاء مدير عام وزارة الصحة السابق وبعض الإدارة إلى نيابة المال العام بنيالا، ونقل المراسل تسلم والى جنوب دارفور موسى مهدى إسحق مذكرة الأطباء والكوادر الصحية خاصة الطوارئ الصحية التي احتوت على العديد من المطالب.

وكان العاملون بإدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة بولاية جنوب دارفور قد أعلنوا عن تعليق أنشطة الاستجابة للطوارئ (كورونا) على خلفية هذا الاتهام اعتبارا من التاسع من ديسمبر الماضي ولأجل غير مسمى  وذلك لاستحالة تنفيذ الأنشطة للاتهام الذي وجهه المراجع القومي بالولاية لوزارة الصحة بخصوص صرف استحقاقات العاملين بجائحة كورونا الموجة الأولى دون وجه حق طبقاً لبيانهم الصادر بأن النيابة قد أمرت بموجبه النيابة العامة باسترجاع جميع الاستحقاقات التي تم صرفها للعاملين بالاستجابة ولجان الطوارئ ومركز العزل في الفترة من مارس وحتى أغسطس ٢٠٢٠م.

وفي الوقفة الاحتجاجية قدم ممثلهم د. آدم أحمد المكرم المذكرة التي تسلمها والي الولاية، وقال إن الشرفاء من الكوادر الطبية ظلوا منحازين لشعبهم من أجل واقع صحي أفضل في مهمة صحية تحفظ انسانيتهم، وتابع: (ذاكرة الشعب تحفظ إضراب الأطباء في ثورة ديسمبر المجيدة مقدمين في ذلك الشهداء والجرحي).

وتقدم مكرم بجملة من المطالب التي حملتها المذكرة منها: تحقيقاً للعدالة والشفافية وتثبيتاً لمبدأ المحاسبة فإنهم يطالبون باستمرار التحقيق العاجل ووصول هذه القضية لنهاياتها كي يستبين الحق ووقفاً للاتهام بغرض التجني والكي، إقالة المستشار القانوني لوزارة الصحة لتقاعسه عن أداء المهام كممثل قانوني للوزارة ومنسوبيها، الكشف عن الجهة الشاكية والأدلة التي استندت عليها، وزاد: امتثالا لاستكمال مهام الثورة يجب تفكيك النظام البائد من مؤسسات الصحة ومحاسبة كل من ارتبط اسمه بالفساد.

وعقب تسلمه المذكرة ومخاطبته الوقفة الاحتجاجية قال والي جنوب دارفور موسى مهدى إنهم ينشدون العدالة وأن القاعدة تقول كل متهم بريء حتى تثبت إدانته مؤكداً أن لا كبير على القانون ومكان التقاضي في المحاكم بين الشاكي والمشكو ضده.

وقال موسى إن إشادته بالكوادر الطبية تأتي من واقع إصابته بالكورونا قبل تكليفه للولاية وكيف هم يبذلون الجهد ويضحون بأنفسهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين.

وتابع (نطالبكم باسم المرضى والفقراء والمساكين والتعبانين ان تفكوا الإضراب فى طوارئ الاستجابة للكورونا والاستمرار في العمل والقفز فوق صغائر الأمور وحتى اللحظة ليس هناك أي بلاغ مفتوح، ولكن النيابة من صلاحياتها أن تستدعي أي شخص لاستبيان الحقائق.

*شمال كردفان.. اليد الواحدة لا تصفق

لا يخفي على أحد أن الواقع الصحي بشمال كردفان يحتاج لمكاشفة وشفافية حتى ينعدل حاله، وهذا لا يتأتى إلا باتخاذ قرار سياسي شجاع يجمع جميع أطراف المنظومة الصحية (وزارة الصحة، التأمين الصحي، الإمدادات الطبية، جامعة كردفان كلية الطب) فضلاً عن مديري مستشفيات الجيش الشرطة والأمل ولا بأس القطاع الخاص، وذلك لهدف واحد توفير الخدمة الطبية للمواطن البسيط الذي يبحث عن العلاج وإثر ذلك يتكبد مشاق ومعاناة مريرة، في هذه المساحة ينقل مراسل الصيحة من هناك معتصم حسن عبد الله أن المواطن لا يعرف أو بالأحرى ليس لديه ذنب فيما يحدث من تفرق وتنافر أطراف القطاع الصحي كل في جزيرة معزولة خاصة الأطراف الحكومية المنوط بها توفير الخدمة الطبية للمواطن دون معاناة.

من رأي ليس كمن سمع عدت من جولة واسعة في ربوع محلية غرب بارا في معية التأمين الصحي الذي هدف للطواف على المراكز المباشر التابعة له ومنافذ شراء الخدمة التابعة لوزارة الصحة، قيادة التأمين برئاسة الفرع قامت بالوقوف ميدانياً على الخدمات ومدى توفرها للمؤمن عليهم، أما أنا كنت أستطلع المواطنين عن قرب وأتحسس مدى رضاهم عن الخدمة والاستماع لشكاواهم فخرجت بالكثير.

ففي المراكز المباشرة التابعة للتأمين الصحي هنالك خدمات تقدم سواء كانت عيادات أو معامل أو علاجاً بجانب العمليات وتحديداً عمليات النساء والتوليد بل هنالك شراكات بين المجتمعات والتأمين الصحي لتطوير العملية الصحية بتلك المناطق هنالك رضا عن الخدمة الطبية رغم أن المواطن يطمح في المزيد وهذا هو حال البشرية التنمية لا تقف في نقطة أو محطة واحدة.

أما المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة فهنا تكمن المعاناة الحقيقية وتكثر الشكاوى والاستثمار في المواطن البسيط المغلوب على أمره، وحتى منافذ تقديم الخدمة للمؤمن عليهم الخدمة شبه معدومة سواء كان ذلك بالنقص في الكادر الطبي أو تنصل الوزارة عن توفير متطلبات الخدمات الصحية والمدهش في الأمر يأتي المريض يقال له كل شيء لا يوجد يدخل يده في جيبه توجد كل الخدمات !!!

من خلال جولة استغرقت يومين في أرياف وفيافي محلية غرب بارا وبمنطقة (الشوق) تحديداً، أقول عثرنا على مركز صحي أكرر عثرنا وأكاد أجزم أن وزارة الصحة لا تعرف شيئاً عن هذا المركز مجهز المبنى بكل المتطلبات به أحدث الأجهزة والمعدات وبمواصفات عالية الجودة بعضها لا يوجد في المستشفيات الكبرى بالأبيض شيدته منظمة قطرية يعمل به كادر أو معالج طبي بمزاجه وطريقته الخاصة كواجهة استثمارية.. هل وزارة الصحة تعلم بهذا المركز؟

نموذج آخر وحدة صحية في منطقة (روراوة) بمحلية بارا قمة في الجمال الوحدة مكتملة تماماً حتى العنبر والثلاجات بها والطاقة الشمسية متوفرة إلا أن المريض بالمنطقة في حيرة بح صوته مطالباً بالكادر الطبي.. لماذا لا تفرق الوزارة الكوادر الطبية المكتظة في رئاسة الولاية للأرياف وتوفر لهم المحفزات الجاذبة للعمل في الوقت الذي أكد فيه إنسان هذه المناطق إسهامه المجتمعي المقدر من أجل إنهاء معاناته بحثاً عن العلاج.. وخير دليل على ذلك استعداد المجتمع للمشاركة الفاعلة والشراكات التي تمت بين التأمين الصحي والمجتمعات تؤكد ذلك.. فهنالك مجتمع متفاعل وتأمين صحي يشتري الخدمة وإمدادات طبية توفر الدواء وكوادر في انتظار التعيين يعني كل الأركان المساعدة موجودة فقط المحافير مدسوسة بوزارة الصحة فمتى تخرجها لإراحة مواطن الولاية وخاصة الأرياف النائية التي تعيش مر المعاناة.

في غرب بارا يجد المواطن المعاناة فالوضع الصحي هش والبلاد مجابهة بخطر الموجة الثانية لجائحة كورونا فمطلوب جهود الجميع وتنسيق على مستوى عالٍ للتصدي للتحديات الماثلة والقادمة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى