محمد حامد جوار يكتب: كردفاني.. وانطفأت شمعة (2ــ 2)

موازير

محمد حامد جوار

كردفاني.. وانطفأت شمعة (2ــ 2)

في أوائل الثمانينات أتى إلى مركز شباب بحري شاب صغير السن صاحب صوت قوي متميز يتغني بأغنيات والده، هو الفنان عماد أحمد الطيب  والذي احتضنته إدارة مركز شباب بحري، وذلك كان ديدنها في رعاية الموهوبين والاهتمام بهم وتوفير كل مقومات النجاح لهم وكذلك روح التعاون بين الزملاء مطربين كانوا أو موسيقيين.. فوقف الجميع مع الوافد الجديد .. وأولهم كان كردفاني الذي تنازل عن عرشه كأحد نجوم الغناء في بحري ليجلس عازفاً لعماد مسانداً له في الحفلات العامة بالكمان أو الخاصة بآلة العود.. وبشكل غير مباشر كان عبد الله هو المستشار الفني لعماد وبادله الأخير الاحترام والتقدير وتطورت تلك العلاقة إلى علاقة أسرية متينة

ولحسن طيبة  ومعشر كردفاني لم يتخل عن فرقته الخاصة بل حولها لتعزف مع الفنان الصاعد عماد أحمد الطيب حتى صار نجم شباك لفترة ليست بالقصيرة.

وفي نهاية الثمانينيات بدأ بزوغ النجم محمود عبد العزيز.. وكما ذكرنا كانت بحري وشبابها الحضن الدافئ لمبدعيها وأولهم كردفاني شمله بالرعاية واختيار الأغنيات وقدم له أغنياته التي كان يتغنى بها .. يا عمر .. بعد الفراق.. ابتسامة والتي قدمها من قبل لعماد أحمد الطيب.. وأيضاً كان عبد الله الكردفاني أحد مؤسسي فرقة النورس الفرقة الشهيرة التي شكلت منصة موسيقية صلبة لمحمود لينطلق منها ثم ساهم في قيام فرقة البعد الخامس والتي كانت تعج بالموسيقيين الجيدين والمتطلعين للثريا وكان كردفاني شعلة من النشاط والحماس في تحريك الفرقة عبر البروفات لعدد من الفنانين وعبر شركات الكاسيت التي ازدهرت في تلك الفترة، وكان كردفاني وفرقة البعد الخامس يمثلون القاسم المشترك لمعظم الكاسيت التي أنتجت في ذلك الوقت، وذاع صيت فرقة البعد الخامس.

لم يكن كردفاني أنانيًا ليحتكر نجمًا مثل محمود ليعتمد على ألحانه فقط، بل عرفه على ملحنين آخرين حتى يحقق انتشاراً أكبر بالرغم من النجاح الكبير الذي لاقته التوأمة  بينه ومحمود وهو حال كبار الفنانين الذين  يحبون الخير للجميع.

ثم انتقل إلى المرحلة الثالثة.. ذاع صيت كردفاني كعازف كمان متمكن بين كبار الفنانين.. أولهم صديقه زيدان إبراهيم اللذان جمعت بينهما صداقة قوية جدًا ثم انتقل إلى فرقة صلاح بن البادية.. محمد ميرغني..الكابلي..الخ..

لم يتوقف على العزف مع كبار الفنانين فقط.. بل شارك بالعزف والتعامل مع معظم الفنانين الشباب.

كردفاني كانت علاقته مع زملائه ليست علاقة مسرح أو عمل فقط … بل كانت تتعداها لتتحول إلى علاقات أسرية متينة.. وذلك ما أكسبه حب الجميع كباراً وصغاراً..

ظل كردفاني يعيش حياة واضحة المعالم ومرتباً جداً.. ومنظماً وقته.. في المسرح هو جاد جداً.. في الدردشة والمزاح هو مرح جداً.. أيام العطلات إذا لم يكن مشغولاً دائمًا يكون مع أحد إخوانه  في صورة تواصل جميل ينثر البسمة والمرح بين الجميع ..

آخر أيامه توقف عن الغناء إلا لخاصة الخاصة والذين لا يرفض لهم طلباً هم أهله  سكان منطقة كوبر الذين يبادلونه الحب والاحترام .. قبل أيام تقريبًا من وفاته وكان المرض اشتد به .. قال بأن لديه ارتباط حفل كمغنّ. فقلنا له حالتك الصحية لا تسمح قال بأنه طلب أصدقائه ولابد أن يلبيه ..غنى في ذلك الحفل بصورة أدهشت الجميع وغنى كما لم يغنّ من قبل، وأعاد تلك الذكريات الجميلة لعقود من الزمان أيام الشباب والعنفوان وكنت ألاحظ بعض العيون لأصدقائه قد أغرورقت بالدموع وهم يراقبونه يغني بتلك الحيوية رغم نحول جسمه وشحوب لونه .. كأنهم أحسوا بأنه حفل الوداع…. نعم لقد كان حفل الوداع… أجمل  وآخر ختم به حياته الفنية .. في منطقته حيث نشأ وترعرع في كوبر… كان كردفاني فراشة تطوف كل ديار أهل الموسيقى تزرع فيهم بذور الحب والإلفة.. كان نحلة تأخذ كل جميل من مدن السودان التي يزورها ليخرجها ألحاناً شجية تطرب الكل … كان ماء سلسبيلاً يطفئ نيران الخصام بين الزملاء… كان كريمًا يعطي في خفاء.. وفي صمت .. لا يحب كلمة شكراً لأنه مؤمن بأنه يقوم بواجبه.. نعم شمعة انطفأت كانت تضيء طريق الفن الشائك لكل من حظي بلقائه ..

رحمك الله رحمة واسعة أخي وصديقي كردفاني.. لا تزال ضحكاتك البريئة ترن في أذني وأنت توزع النكات والطرائف والمواقف النبيلة دون حساب… نعم شمعة انطفأت.. لكنها ستظل متقدة في دواخلنا متى كان مجتمع الفن موجوداً…

إلى جنات الخلد أخي كردفاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى