المواصلات.. من المسؤل؟

 

الخرطوم: سارة إبراهيم عباس

 دخلت البلاد في مرحلة اقتصادية حرجة، وعانى المواطن من أزمات متلاحقة على كافة الأصعدة الحياتية عامة وقطاع المواصلات بصورة خاصة، حيث شهدت الفترة الماضية أزمة طاحنة في قطاع المواصلات ارتفعت معها قيمة التذكرة الى مبالغ كبيرة، فضلاً عن تجزئة الخطوط، وأثارت تصريحات شركة المواصلات العامة وزيادة أسعار التذكرة من 20 إلى 50 جنيهاً ردود فعل غاضبة من قبل المواطنين ووصفوا القرار بالكارثي الذي يزيد العبء عليهم وفي الوقت نفسه ارتفعت أسعار المواصلات الملاكي إلى أرقام فلكية يعجز المواطن عن مجاراتها.

وكان الأمل يحدو الشارع في أن المؤتمر الصحفي الذي أعلنت عنه شركة الخرطوم للمواصلات سيكون طوق النجاة من جشع أصحاب ، إلا أن المفاجأة غير السارة أن الشركة التي تملكها ولاية الخرطوم أعلنت زيادة في التعرفة بنسبة تصل إلى 150% لبصات الولاية وتجاهلت القطاع  الخاص، ولاية الخرطوم أعلنت أن تعرفة المواصلات للخطوط الطويلة 50 جنيها فقط، وكأنها تقول للمواطن انظر لم أرفع لكم التعرفة لمئة جنيه.

يتضح من خلال هذا النهج أن الحكومة تقود فوضى الأسعار بنفسها إذ ما بال أصحاب الحافلات والحكومة تبتدر إعلان الزيادة وبنسبة كبيرة.

ففي الماضي كانت الحكومة تحارب أصحاب المركبات الخاصة عندما يقدمون على زيادة التعرفة بالدفع بالمزيد من البصات التابعة للشركة وبأسعار معقولة حتى يضطر أصحاب المركبات الخاصة والحافلات للتراجع عن الزيادات.

تفاقم المشكلات

وفي ذات السياق استنكر عدد من المواطنين تحديد تسعيرة موحدة للبصات الداخلية (50) جنيهاً للرحلة الواحدة وأجمعوا على أن هذه الخطوة تفاقم من المشكلات التي يعانيها المواطن وقال محمد الطيب أحمد يسكن شمال بحري (الكدرو) إنه يعمل في مجال الأعمال الحرة ولديه 4 أبناء يدرسون في الجامعات وبارتفاع أسعار المواصلات سوف ترتفع احتياجات أبنائه، فكيف أوفق بين عملي وتلبية الاحتياجات، وأرسل رسالة للمسئولين بأهمية فرض رقابة على كافة القطاعات وعدم ترك الحبل  لعديمي الضمير، وقال إن هذه البصات تتبع للدولة تحدد سعرها 50 جنيهاً فماذا يفعل أصحاب مركبات النقل الخاصة؟ فيما يرى المواطن السر عبد الله من سكان مدينة الأزهري الخرطوم أن هناك تقاعساً كبيراً من قبل الدولة فيما يخص أزمة المواصلات وعدم التوصل إلى حل جذري، مؤكداً تضاعف أسعار التذاكر يوماً بعد يوم سعر جديد.

شكاوى تكلفة التشغيل

في ذات السياق، أكد عضو اللجنة التسييرية لغرف النقل حامد إبراهيم تأثير رفع الدعم عن الوقود على قطاع النقل، وكشف في حديثة لـ( الصيحة) عن خروج ٤١ ألف حافلة من العمل نسبة لارتفاع تكلفة التشغيل (اسبيرات وزيوت ومصافي)، وأن الدخل لا يغطي المنصرفات، مبيناً أن عدد الحافلات العاملة في ولاية الخرطوم  ٤٨ ألف حافلة تعمل منها  ٧ آلاف حافلة فقط، مشيراً إلى  عدم تسعيرة المواصلات حتى الآن للحافلات الكبيرة أو الصغيرة وما يجري  من زيادة في أسعار التذاكر والتي تجاوزت ١٥٠% لعدم توفر الجاز وارتفاع سعره  في السوق الأسود، ويلجأ كثير من أصحاب المركبات لشرائه بالغالي، ومن ثم يضعون أسعاراً تغطي تكلفة التشغيل، مشيراً إلى عدم الالتزام بقرار والي الخرطوم الذي يقضي بإيقاف التحصيل غير القانوني في المواقف، وقال إن عدم الرقابة وعدم تنفيذ ومتابعة القرارات فاقم مشكلة المواصلات.  وقال إن الموقف الواحد في اليوم يحصل ما بين ٢٠ إلى ٣٠ ألف جنيه وهذه مبالغ طائلة لو تم توظيفها يمكن أن تحل مشكلة كبيرة، حال تم توظيف تلك الأموال والتي يذهب  ٣٥ % منها إلى صيانة المركبات العاملة و٣٥% لصيانة المواقف والإضاءة والباقي لخزينة الدولة.

 مرحلة خطرة

من جانبه، تساءل  عضو غرقة النقل بجبل أولياء خميس محمد علي، من عدم توفر الجازولين  في محطات الوقود وتوفره  في السوق الأسود بأسعار مضاعفة، وقال إن سعر الجركانة يتراوح ما بين ٣ إلى ٤ آلاف جنيه في إشارة إلى عدم وجود الرقابة والتنظيم من وزارة الطاقة والتعدين، ولفت أن  القطاع يمر بمرحلة خطرة إذا لم تنتبه الدولة سوف يسوده الهرج والمرج أكثر مما عليه الآن.

تصعيد المطالب

الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد ألقت بثقلها على قطاع النقل، ما حدا بمسؤولي غرفة النقل البري لتصعيد مطالبهم بتعديل أسعار التذاكر لمقابلة ارتفاع تكاليف التشغيل المتزايدة وغلاء الإسبيرات والإطارات، علاوة على الرسوم الحكومية والولائية، وقال عضو بالغرفة ــ فضل حجب اسمه ــ إن  أزمة الوقود أرغمت  بعض الشركات على شراء نسبة من الوقود من السوق الأسود لضمان تشغيل البصات واستمرار رحلاتها المجدولة.

مطالب القطاع

المتابع لأزمة المواصلات يلاحظ أنه خلال العامين الأخيرين لم تنقطع مطالب العاملين بقطاع النقل بإصلاح أوضاع القطاع وخفض تكاليف التشغيل نظراً لمواجهتها مصاعب مالية والتزامات ضخمة لا سبيل لمقابلتها بتعرفة التذكرة القديمة، وتتمثل أبرز مطالب قطاع النقل في تقليل الرسوم وتوحيدها، فكما يقول بعض العاملين في القطاع إن تشغيل المركبة بات يستلزم ميزانيات ضخمة بعد ارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار والزيوت لأكثر من ثلاثة أضعاف.

سياسات غير واضحة

وحمل عضو بنقابة الحافلات المحلولة ــ فضل حجب اسمه، الحكومة مسؤولية ما يمر به القطاع من تدهور وقال لـ (الصيحة): كانت النقابة تمسك بزمام الأمور في تعرفها على ما يدور، ولكن بعد حل النقابة ساد الهرج والمرج القطاع وخرجت كثير من الحافلات عن العمل نسبة لعدم مقدرتهم على تغطية العجز، وكشف أن أصحاب حافلات يقفون الساعات الطوال في محطات الوقود وبعد الحصول على حصصهم  يبيعونها في السوق السوداء، مشيرًا الى سياسات النقل وقال إنها غير واضحة وأن من شأنها تعقيد الأوضاع أكثر من حلها.

استهلاك عالٍ

تكرار أزمة الوقود التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية فاقمت من حدة أزمة المواصلات وعانى المواطن صعوبات في التنقل لأن قطاع المواصلات يعتبر المستهلك الأول لحصص الوقود المتاحة بالبلاد، بنسبة 58% فيما يستهلك قطاع الكهرباء 22% والقطاع الصناعي 8% والزراعي 5% بحسب دارسة صدرت العام الماضي عن وزارة النفط والغاز.

ووفقاً للتطورات الأخيرة والتي قضت برفع أسعار الوقود من قبل وزارة الطاقة فقد وصل سعر  الجازولين التجاري المدعوم  46 جنيهاً للتر الواحد والجلون 207 جنيهات والبرميل 9108 للبرميل  والجاز الحر 107 للتر والجالون 4815 والبرميل 21186 والبنزين  التجاري المدعوم  56 للتر والجالون 250  والبرميل 11088  والبنزين الحر 120 للتر والجالون 540 والبرميل 23760 جنيهاً،  ورغم أن الحكومة بذلت جهوداً كبيرة لتوفير الوقود لهذا القطاع وشروع وزارة الطاقة والتعدين في توزيع الكروت الذكية الخاصة بالقطاع في محطات الخدمة للتزود بالوقود حسب خط السير، إلا أن هذه الخطوة تم استغلالها حسب رأي عدد من أصحاب المركبات الذين تحدثوا لـ (الصيحة) وقالوا إن سعر البرميل من الجازولين في محطة الوقود يزيد أو ينقص حسب علاقة البائع مع المشتري، واتهموا العاملين بالمحطات وأصحاب التصديق بتهريب الوقود مشددين على أهمية حسم الفوضى في هذا القطاع وتنفيذ عقوبات للمخالفين وإحكام السيطرة وتشديد الرقابة.

 فوضى الخطوط

أدت الإجراءات الاقتصادية الأخيرة إلى تفاقم أزمة المواصلات ولا سيما في ولاية الخرطوم وتراوحت زيادة تعرفة النقل في مختلف أنحاء العاصمة  بين 50% إلى 100% ووصلت   تسعيرة المواصلات الداخلية أرقاماً فلكية لأول مرة في تاريخ البلاد.

وفي شرق النيل ارتفع سعر التذكرة للحافلات إلى 100 ج  والهايس 150 ج، وسعر تعرفة الهايس من الحاج يوسف إلى الخرطوم 150 ج،  والحافلة الكبيرة 100 ج،  وأقل مشوار للركشات  بـ500 ج  ووصلت تذكرة الجيلي ــ بحري حافلات كبيرة 100 ج والهايس 200 جنيه وفي المساء تتجاوز 300 جنيه.

تكاليف المعيشة

وفي سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين د. محمد الناير  لـ(الصيحة)  في تصريح سابق، إن قضية المواصلات معقدة جداً، وزاد الأمر تعقيداً قضية الإغلاق الكامل بسبب جائحة كورونا وكان القرار خاطئاً في إغلاق الكباري كان المفترض يكون جزئياً لأن المواصلات أصبحت تحصل على فئة عالية جداً مقابل نقل المواطنين في ظل الحظر، واستمرار قطاع النقل (الحافلات) في العودة إلى العمل وبالتالي أصبحت الممارسات السالبة كثيرة  فضلاً عن تجزئة الخطوط التي بها عبء كبير على المواطن إضافة إلى زيادة الجازولين والبنزين الذي ألقى بالعبء الأكبر على المواطن وسوف تكون هناك أرقام خيالية للبصات السفرية بين الولايات كلها تعقيدات إغلاق جائحة كرونا والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها الحكومة بما يعرف برفع الدعم وزيادة أسعار البنزين والجازولين الذي أثر على قطاع النقل بصورة عامة، وقال إن الحلول كثيرة في الاقتصاد السوداني، لكن لا يعقل أن تكون عاصمة دولة ولا توجد بها شبكة نقل عام، وهذه الشبكة تقوم بمهمتها حال وجود أزمة أو ازدحام، ومن المفترض أن تكون هناك شبكة نقل عام تتبع للدولة تدار وفق أسس  سليمة وصحيحة تغطي 40 أو 50% من العاصمة، وهذا من شأنه إحداث تحول كبير جداً مشددًا على أهمية تنويع مصادر النقل وتأهيل السكة حديد في العاصمة وما بين الولايات وتكون حركة القطاع كل ربع ساعة وليس  كل أربع ساعات إضافة إلى التفكير في إدخال المترو وتفعيل النقل النهري وغيرها من البدائل التي من المفترض العمل بها في المرحلة القادمة، ولا بد من النظر للمواطن الذي أصبح يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة بصورة كبيرة  وعلي رأسها تكاليف النقل وأصبح العامل الذي يريد الذهاب إلى العمل أو من لديه أبناء في المدارس أو الجامعات يحتاج على الأقل 300 جنيه دون وجبة الإفطار.

جذور المشكلة

ويشير مختصون إلى أن المشكلة في التنسيق وإدارة ملف الأزمة، وتكرار الأزمة يؤكد أن سببها في المقام الأول إدارة وعدم تنسيق بين الأجهزة المختلفة، موضحين أن الحكومة تتعامل مع القطاعات الخاصة بأنها إدارات مرادفة لها مما يؤكد عدم وجود جسم ينسق بين وزارة النفط وشركات النقل، فالغرف التجارية دورها ضعيف، والحكومة تتعامل بالفعل ورد الفعل، لعدم وجود سياسة واضحة للوقود ومن يقوم بتوزيعه للمحطات، مع وجود خلل، فالحكومة تلقي اللائمة على شركات النقل والأخيرة تلقيها على الحكومة، وتأسيساً على تلك المعطيات فلا مناص من وقفة لجهة أن تكرار الأزمة يخلف رواسب، الأمر الذي يتطلب معالجتها بأكبر منها، مما يكلف الدولة كثيراً.

من خلال سياسة حكومة ولاية الخرطوم يتضح جلياً أن الحكومة تقبل على رفع الدعم عن كل خدمة بلا استثناء وأن الأمر لديها فقط مسألة وقت رفع الحكومة رواتب العاملين في الدولة إلى نسبة كبيرة ولكنها تعود لتنتزعها اليوم عبر الزيادات الفلكية في المواصلات والسلع والخدمات المختلفة وكأنما كلام الليل يمحوه النهار، ليس هناك من نتيجة لواقع الحال الآن، إلا الفشل الذي يلزمه الاعتراف فهل تفعلها حكومة حمدوك؟

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى