تسويق جديد لعهد الترابي وفكره .. (يفتح الله) !!

 د. مرتضى الغالي يكتب.. تسويق جديد لعهد الترابي وفكره .. (يفتح الله) !!

وما سبب هذه الحرب اللعينة غير انقلاب الترابي وثلاثينية الإنقاذ السوداء..؟!

مع وجوب الوقوف بخشوع أمام جلال الموت لم نستطع أن نستسيغ أن يوصف مسعى الترابي السياسي وفكره بفضيلة انه كان مُحباً للشعب السوداني وأنه ترك للأمة السودانية مفتاحاً لحل معضلة الاختيار بين الدولة الدينية والدولة المدنية..!!

لقد حاولت بعض الكتابات مؤخراً أن تسوّق لنا سيرة الترابي على غير ما يعرفها الناس..! ومنها قلم كاتب أكاديمي وسياسي معروف..خلاصة ما فهمناه من مقاله أن الترابي ترك لنا كسودانيين (مفتاحاً سحرياً) لحل هذه الثنائية التي نعاني منها.. بأن يجعل الشريعة الإسلامية تصدر عن طريق التصويت البرلماني لا عن طريق القسر والقهر..فتنحل بذلك الثنائية العصيّة بين الدولة الدينية والدولة المدنية أو العلمانية..!

هذا كلام غريب غريب تتجاوز غرابته حكاوي الغول والسعلاة والسحاحير و(ود أم بُعلو)..! فعهد الترابي تاريخ قريب لم يدخل بعد في دنيا الأساطير..!

والذي يتحدث عن فكر الترابي ومذهبه وسيرته وعهده وتربيته لجماعته لا يتحدث في الهواء والخواء والخلاء أو ينطق بالهوى..إنما يتحدث من واقع سيرة الرجل الذي ملك السلطة كاملة في السودان في مرحلة مشهودة وطويلة (طولاً يجنن كما يقول النعام آدم) هي الفترة الأغبر والأكثر دموية من عهد الإنقاذ المشؤوم (وكل أيام الإنقاذ غبراء مُكللة بالسجم والرماد)..!!

وهي سنوات كان فيها الشيخ الترابي (الحاكم بأمره) و(مصدر السلطة الأعلى) الذي لا تعلوه سلطة ولا ينازعه فيها منازع.. سلطة مُطلقة (يغار منها جوزيف ستالين وبينيتو موسوليني والجنرال بول بوت- الأخ رقم 1)..!

فهل تطابق سعي الترابي هذا في التوسل بالعمل البرلماني والسياسي الديمقراطي (العطوف) لإقامة رؤيته الدينية وتطبيقها على أرض السودان والرفق بالعباد (برلمانياً) باستخدام هذا المفتاح الذهبي..؟!

وشاهدنا في هذا التاريخ المشهود للإنقاذ ولزعامته المطلقة..فماذا فعل الترابي على أرض الواقع؟:

الشيخ الترابي حتى بعد أن قام بالانقلاب وهدم الحكم المدني القائم..هل سمح بتكوين برلماني تشارك فيها القوى والكيانات والأحزاب السودانية والآراء المتنوعة حتى يكون هو البرلمان الذي تنطلق منه الشريعة الترابية بكامل الرضا والموافقة..؟!

ماذا فعلت سلطة الترابي بالأحزاب السودانية التي يريدها الترابي أن تصوّت من داخل البرلمان بحرية كاملة على شريعة الإنقاذ..؟!

كيف نستطيع المواءمة بين سعي الترابي لإقامة الشريعة عبر البرلمان مع إنشاء بيوت الأشباح إلا أن يقول قائل إنها لم تتم بعلمه..وهذا من رابع المستحيلات (بعد الغول والعنقاء والخل الوفي)..!

من أين يمكن أن نوائم بين هذا المسعى البرلماني للشريعة وعن محاكم التفتيش وصولة أجهزة الأمن التي جعلت دولة الإنقاذ دولة بوليسية لا تدانيها أنظمة الجستابو النازي وبوليس الجنرال بونوشيه..!

أين كانت عدالة القضاء في عشرية الإنقاذ الأولى وهي عشرية سلطة الترابي المطلقة..؟

ماذا عن محارق حرب الجنوب ودارفور وكردفان والنيل الأزرق..؟!

ماذا عن اصطياد الصبية من الطرقات والحافلات ودفعهم للحرب عراة حفاة..؟!

ماذا عن قتل التلاميذ الصغار بإطلاق الرصاص على ظهورهم ورءوسهم عند محاولة خروجهم من المعسكرات فقط لقضاء يوم العيد مع أهاليهم..؟!

ماذا عن إعدام مجدي وجرجس بغير محاكمة بسبب دولارات من حر أموالهم..وجيوب وخزائن الإنقاذيين وشيوخ الحركة مكدّسة بالعملات الحرة من كل صنف ولون..؟!

ماذا عن سنوات الرعب حيث يستطيع آي شخص أن يستوقفك ويقودك إلى سوء المصير والمنقلب بعيداً عن أعين الشرطة والقضاء والنيابات وبغير علم أهل بيتك..؟َ!

ماذا حدث لضباط رمضان الذين بخلوا عليهم بالمحاكمة وجرى دفنهم أحياء..؟!

ماذا عن التمكين وقصص الفساد في هذه العشرية وإقصاء الآخرين وطرد مئات الآلاف من وظائفهم بسبب التصنيف السياسي..؟!

من الذي قام بتسييس الجيش والقضاء والخدمة المدنية وحطم مؤسسات الدولة وجعل الولاء طريقاً للثروة والمناصب والشفاعة والسرقات والامتيازات والإعفاءات والعطاءات..؟!

ماذا عن فساد رموز الإنقاذ الذي لم يماثله فساد في التاريخ والترابي ينظر ويرى..وهو فساد مشهود اعترف به الإنقاذيون أنفسهم وتباهوا به..ومجمله نهب من موارد الدولة والمال العام ومن ملكيات الناس وعلى رءوس الأشهاد..؟!

هل من طبيعة الترابي أن تخفى عليه خافية عما يدور حوله عسكرياً وأمنياً وسياسياً وماليا..وما يفعله أعوانه ووزراؤه وقادة حزبه وحركته..؟!

من المضجر أن نستمر في سرد ما حدث في عشرية الإنقاذ الأولى..وبعض هذه النماذج توضح نوع الشريعة التي يريد الترابي وحزبه أن يقيمها في السودان ..وهي ذات الخطة العسراء التي قال عنها عمر البشير بعضمة لسانه ولهاته (الشريعة المدغمسة)..!!

هل كان لدي الترابي حقاً مفتاحاً سحرياً تركه للشعب السوداني لحل معادلة الدولة الدينية والدولة المدنية والثنائية التي قال الكاتب إننا نعاني منها.. والتي أعجزت كل السودانيين ولم تجد لها علاجاً إلا عن الشيخ الترابي..؟!

(هذا كلام له خبيءٌ..معناه ليست لنا عقول)..!

هذا حديث تدحضه سيرة الرجل السياسية والدينية في السودان بما يضع (ألف تساؤل وتساؤل) حول محاولة تصوير حقيقة الرجل على غير ما شهده الناس منه طوال وجوده في الحياة السياسية السودانية..!! فهو صاحب انقلاب الإنقاذ الذي فتح باب الشرور التي لا تزال تتواتر على السودان عن طريق استخدام الدين ستاراً للدنيا العضوض والسلطة القهرية الباطشة.. !!

يجب أن تعلم الأجيال القادمة ما جرى في وطنها من حقائق ومشاهد بعيداً عن (اللولوة) وآفات الهوى..!

أي مفتاح تركه لنا الترابي (عليه الرحمة)..؟!

هل هو مفتاح الحروب وتشتيت أهل السودان وتمزيق النسيج الأهلي وتدمير مرافق الدولة وهدم المؤسسية وإطفاء أنوار العدالة وإفشاء المحسوبية ونشر السلاح وتشريد العباد وقتل الأبرياء وقطع الأرزاق..؟!

لا حول ولا قوة لا بالله العلي العظيم (مفتاح إيه..وكلام إيه دا)..؟!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى