كله بالقانون ..ملاحقات لجنة التمكين.. تغوُّل أم صلاحيات؟!

 

تقرير- صلاح مختار

أقرت السلطة الانتقالية قانون تفكيك نظام الإنقاذ في 28 نوفمبر 2019 قضى بحل حزب المؤتمر الوطني، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه, وطبقاً للقانون وفي ظل غياب برلمان في المرحلة الانتقالية يتولى المجلسان معاً مهمة إقرار القوانين بدلاً من الهيئة التشريعية (البرلمان)، بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. ويستهدف القانون تفكيك مجمل البنية السياسية والاقتصادية للحزب المحلول وينص على حل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد البشير، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلاً عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به.

فيما أقر القانون العزل السياسي بحق من يسميهم “رموز نظام الإنقاذ أو الحزب” بمنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وتضمن القانون مصادرة ممتلكات وأصول الحزب لتصبح ملكيتها تابعة لحكومة السودان وفق ما تقرره لجنة خاصة في هذا الصدد. وأعطى القانون هذه اللجنة حق الملاحقة القانونية ومصادرة الممتلكات وتحديد طريقة التصرف فيها.

كله بالقانون

ورغم أن الوثيقة الدستورية أعطت اللجنة حق الملاحقة والمصادرة، فإن عمل اللجنة يواجه جملة من التحديات والعقبات،وفرض جملة من التساؤلات المهمة بين الصلاحيات والتغول والممارسات غير القانونية في وجهة نظر البعض, رغم أن البعض يرى أن عملها كله يتم وفق القانون (كله بالقانون). ولكن عندما ينظر البعض إلى تصريحات القيادي باللجنة وجدي صالح بأنهم سيفككون (صامولة صامولة)، يرى في حديثه أبعاداً غير قانونية وتجنّ واستهداف واضح للبعض وتعدٍّ في الصلاحيات الممنوحة للجنة. ولكن القانون لا يقتصر على استهداف هياكل الحزب السياسية بل يتعداها إلى ملاحقة نفوذ الحزب في الاتحادات المهنية والمؤسسات الحكومية والقضائية والمنظمات الثقافية وشركات القطاع العام أو المؤسسة بقانون خاص.

صلاحيات التمكين

القانون يسعى إلى إزالة ما يسمى بـ(التمكين) خلال فترة حكم نظام الإنقاذ، الذي يعرفه بأنه “أي طريقة أو أسلوب أو عمل أو تخطيط أو اتفاق للحصول على الوظيفة العامة أو الخاصة إنفاذاً لسياسات نظام الإنقاذ سواء بالفصل من الخدمة تحت مظلة الصالح العام أو بتعيين منسوبي نظام الإنقاذ أو إحلالهم ليتولوا بأي وسيلة أو يسيطروا على الوظائف أو المصالح أو المؤسسات القائمة”. كما يقع تحت التعريف كل ما نجم عن “الحصول على أي ميزة أو إعفاء أو امتياز أو إتاحة فرص للعمل بسبب الولاء التنظيمي أو الانتماء السياسى أو القرابة بأحد رموز نظام الإنقاذ أو قيادات الحزب أو الأفراد الذين نفذوا أو ساعدوا في الاستيلاء على السلطة” عام 1989. أعطى القانون اللجنة شخصية اعتبارية في التقاضي، وصلاحيات إلغاء أي وظيفة في الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات وشركات القطاع العام، وحل “أي منظمة ربحية أو غير ربحية أو مؤسسة أو هيئة أو مفوضية أنشئت قبل 11 إبريل”. ومنحت اللجنة صلاحية حجز حسابات الأشخاص والمؤسسات والشركات المصرفية لأغراض تفكيك نظام الإنقاذ واتخاذ “أي إجراءات جنائية أو قانونية ضد أي شخص ومطالبته بالتعويض عن أي كسب غير مشروع بسبب الوظيفة أو طريقة الحصول عليها”.

ممارسات خاصة

تعرضت اللجنة إلى انتقادات قانونية بسبب تعطيلها إنشاء لجنة الاستئناف، التي تمنح الحقّ لمن تُصادر ممتلكاته بالدفاع عن نفسه. وهو السبب، الذي دفع في وقت سابق كل من قاضي محكمة الاستئناف، حسن عبد الخالق الطيب، وقاضي الدرجة الأولى، محيي الدين محمد أحمد، باستقالتين مسببتين من العمل بلجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد بالسلطة القضائية, وقالا في تصريحات صحفية حول السبب إنّهما بعد الاطلاع على المعايير واللوائح التي تحكم عمل اللجنة، والبدء في مباشرة العمل، “وجدنا أنّ هناك مبدأ مهماً تفتقره اللجنة وهو مبدأ مواجهة الخصوم الذي حاولنا إضافته، إلا أنّنا فشلنا في ذلك، إذ لا يستقيم شرعاً وقانوناً ألا يواجه الخصم بالتهمة التي وُجِّهت له، ونحن من خلال عملنا كقضاة نرفض الظلم كما نرفض تطبيق معايير محاكمة غير عادلة”. كذلك دخلت اللجنة في صراع مع النائب العام، بعد أنّ اتّهمته بعرقلة إحالة أعضاء من النظام السابق إلى النيابة، بناء على طلبها، وعرقلة عملها، بينما دافع آخرون عن النائب العام بتطبيق القانون، واتّهام اللجنة بالانتقامية وشخصنة عملها، الذي يخالف القانون. وتقارير صحفية أكدت أنّ الخلاف تفجر بين الجهتين عقب رفض النائب العام فتح بلاغات ضدّ وزراء في الحكومة الانتقالية السابقة، بسبب عرقلتهما لعمل اللجنة.

قضايا مفتوحة

ولكن البعض يرى هناك قضية حول عمل اللجنة, أو شرعيتها القانونية وصلاحيتها، بشأن مصادرتها للأملاك الخاصة بناء على قرار سياسي، أما قضية ثانية وهي سياسية، كوّن عملها يصطدم بموروث 30 عاماً من العلاقات الاجتماعية والسياسية والحياتية للمجتمع. ويشير الناشط وليد دليل بحسب موقع لـ”حفريات” إلى الخلل القانوني في عمل اللجنة أنّ معظم القانونيين في السودان وخارجه، “نبهوا إلى أنّها غير دستورية، حتى لو تم ذلك من خلال الوثيقة الدستورية؛ إذ أنّ مصادرة الممتلكات تتم عن طريق حكم قضائي، وليس بأمر من لجنة التمكين، وذلك سبب صراع علني بين القانونين من قضاة ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان في دستورية هذه اللجنة”.

مطلوبات الثورة

ولكن القيادي في التحالف خالد عمر سِلِك نفى وجود شواهد تدل على ممارسة التمكين المضاد، وقال للجزيرة نت إن عملية التفكيك التي تجري حالياً تتم وفق القانون وتأتي ضمن مهام ومطلوبات ثورة التغيير التي أطاحت بنظام عمر حسن البشير. وأكد سِلِك أن التفكيك يستهدف إزاحة من صعدوا إلى وظائف عليا على أكتاف سياسة التمكين التي انتهجها النظام المخلوع، وتعيين كفاءات وطنية تمثل دولة الشعب السوداني، على حد تعبيره.

دافع قانوني

وألقت استقالة رئيس اللجنة الفريق أول ياسر العطا بظلالها على صورة اللجنة وكادت أن تعصف بها وهي تؤدي دورها وفق مارسمتها لها والوثيقة ومنحتها دافعاً لإنفاذ مهامها وهي كما يقول مصدر لـ(الصيحة) تعتبر من أهم مطلوبات ثورة ديسمبر ويرى في عملها محفزاً للدولة أن تمضي بقوة نحو تحقيق أهدافها وأكد أن إزالة التمكين عمل شاق وكبير يحتاج إلى كثير من التروي وقياس البعد النفسي والاجتماعي للقرار, وقال رغم ما يوصم به اللجنة إلا أن هنالك تقاطعات كبيرة تقف أمام تنفيذ قراراتها خاصة فيما يتعلق بالمصادرة ونوه إلى الأموال التي آلت إلى ولاية الدولة دون أن يصرف منها أو يعرف منها أحد ورأى أن أمام اللجنة مهام كبيرة وعسيرة تتطلب دافعًا من الوطنية والتجرد رغم المتاريس التي قد تواجهها، ممثل المكون العسكري في لجنة التفكيك.

تعارض القانون

وطالب القيادي في حزب المؤتمر الشعبي بارود صندل بحسب الجزيرة نت بحل لجنة التفكيك وتشكيل مفوضية لمكافحة الفساد التي لن تختص بمخالفات النظام السابق فقط وإنما كل قضايا الفساد. ويضيف “لا طريقة لإصلاح هذه اللجنة إلا بحلها وتحويل صلاحياتها لمفوضية مكافحة الفساد، غير أن القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول محمد الحسن الأمين يرى ما يجري من اعتقال لكوادر الحزب المحلول تغلفه لجنة التفكيك بإجراءات جنائية لا وجود لها في الواقع. ويشير بحسب الجزيرة نت في وقت سابق إلى أنهم تواصلوا مع وكلاء نيابة أبلغوهم بأن لجنة التفكيك وجهت بإحضار مطلوبين من كوادر الحزب على أن تجهز اللجنة لاحقاً أسباب توقيفهم. ويرى أن قانون لجنة التفكيك يتعارض مع الوثيقة الدستورية التي نصت على أنه لا يجوز مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي، بينما أعطى القانون اللجنة سلطة مصادرة الأموال الخاصة. ويتهم اللجنة بالتحايل على النص الدستوري عن طريق مصطلح “استرداد الأموال العامة”، قائلاً إنه كان يمكن الطعن في المحكمة الدستورية لكن للأسف لم يتم تشكيلها بعد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى