سونا تحت القصف

 

ربما يكون الأستاذ محمد عبد الحميد عبد الرحمن، المدير العام الجديد لوكالة السودان للأنباء هو المُوظّف الوحيد الصحيح في المكان الصحيح في هذا الزمان الخطأ، حيث اعتمدت تعيينات قِوى الحُرية والتّغيير، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك وولي عهده وزير عمر مانيس، على توظيف الشخوص الخطأ في جميع الأماكن والاعتماد على قاعدة (الولاء أولاً) التي رفضتها الجماهير.

يجيء الأستاذ محمد عبد الحميد وهو يحمل تجربةً إعلاميةً مُمتازةً في العمل الصحفي والإذاعي والتلفزيوني والإعلام الجديد مُضافاً إلى سيرة طيبة كيساري عتيدٍ وصاحب مواقف واضحة واستقامة غير مطعون فيها. وسونا العريقة تحتاج إلى مُبادرات وخِبرات وتجارب جديدة لتنقذها من فجيعة كونها كانت غنيمة مُهملة لربيع عبد العاطي ومحمد حاتم سليمان وعوض جادين الذي حصل على نصيبه كاملاً وفائضاً من (الميري) عن مُشاركته المَذكورة في انقلاب الإنقاذ من فيء الوكالة المُستباحة. كان تناوب المجاهد محمد حاتم وصاحب البيان جادين على إدارة التلفزيون وسونا بالتناوُب فعلاً إنقاذياً قبيحاً ومُثيراً للاشمئزاز، لكن بقاءهما في هيكل المُؤسّسات الإعلامية للإنقاذ لم يكن منه مناص، فهما مثل دوقين بريطانيين لا يُمكن التخلُّص من عبئهما إلا بعد انهيار المملكة كلها وهو ما حَدَثَ بعد سقوط الإنقاذ المبارك! الحمد لله رب العالمين.

لَم يَكن هُناك بَصيصٌ من الأمل في أن تُنافس سونا شبكات الأخبار الجديدة على وسائل التّواصُل الاجتماعي، دع عنك أن تُنافس الوكالات الأجنبية أو أن تكون هي المصدر الأول لأخبار مؤسسات الدولة وقادتها. وفي خضم ذلك التراجُع البشع أنشأت أجهزة الدولة السرية وكالات مُوازية لم تنافسها إلا في الضعف والرداءة في مُستوى التحرير والاهتمامات وبَثّ الشائعات وحرف اهتمامات الرأي العام.

لقد كان الإعلام أحد أكبر نقاط ضعف سُلطة الإنقاذ في مرحلة ما بعد العشرية الأولى، حيث تراجعت الجودة واستبعدت الرصانة وسيطرت الإثارة والرداءة ومراكز القوى وكلما زاد التمويل تناقصت الكفاءة حتى صار الإعلام محطة لكل خسائر الوظائف الأخرى. غابت النظرية تَمَاماً وترك العمل من غير هدي لعناصر لم تتدرّب بشكلٍ كافٍ، وصَارَت وسائل الإعلام الرسمية (وشبه الرسمية) تتناقل أخطاء بعضها البعض وتُكرِّر فضائحها. في ذلك الخضم صار مقبولاً جداً أن تنشر وكالة الأنباء الرسمية أن امرأتين تمّ ضبطهما وهُما تُهرِّبان أربعة أطنان من الذهب في ملابسهما وصارت أخطاء اللغة والتحرير وأخبار السطر الواحد التي لا تجيب عن الأسئلة أمراً مُعتاداً يتم تداوُله في مجموعات المزاح والسخرية.

بهذا المعنى يُمكن تفهم قرار الأستاذ عبد الحميد بإعادة هيكلة الوكالة، لكن ما لا يُمكن فهمه هو الطريقة التي تمّت بها عملية التبليغ بالقرار، والتي جاءت أقل من تجربته الإدارية، وأقرب لبشاعات النشطاء التي تتوسّل نقرات الإعجاب المُؤسّسة على الكراهية.

لا يوجد شيءٌ اسمه إعفاء من مهام، وإنّما الأمر هو تغيير التكليفات وإعادة توزيع المهام، أمّا الإعفاء بمعنى الطرد من الوظيفة فهو خارج سُلطة مدير الوكالة بالطبع وإن كان يتم بتوصيته.

كان ينبغي أن تتم صياغة القرار بشكلٍ يحترم كرامة وزمالة المعفيين، والمُكلّفين الجُدد بالإشارة إلى كل واحدٍ منهم باسمه والوظيفة التي كان يشغلها، والمُكلّف الجديد وتكليف (المغضوب عليهم) بمهام جديدة بدلاً من تفريغهم بدون مهامٍ على حساب دافع الضرائب كما يحدث الآن في وزارة الخارجية وغيرها.

إنّنا نتوقّع من محمد عبد الحميد أداءً أفضل من أسلافه، وإرثاً أفضل لخلفائه في المهنية والإدارة واحترام الزملاء. هناك مُتّسعٌ للإصلاح وهو أمرٌ لا يعلو على مقدرات المدير الجديد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى