مصادرة أصول حماس.. الخرطوم تضرب أعماق النظام السابق

 

تقرير- الطيب محمد خير

سددت الحكومة السودانية، ضربة قاسية لحركة حماس التي كانت تتعامل مع السودان كمحطة مهمة لنقل الأسلحة إلى قطاع غزة، وذلك بمصادرة جميع أصول حركة حماس، وأوقفت كافة عمليات تحويل الأموال التي كانت تتلقاها حماس من داخل السودان، وحسب وكالة رويترز التي نقلت الخبر أن أصول وممتلكات حماس المصادرة والتي شكلت لعقودٍ، مورداً هاماً لنشاطها تضمنت فنادق وعقارات وشركات متعددة الأغراض وأراضٍ وصرافات وحسابات شركات وأفراد يعملون لصالحها.

الباب المفتوح

من المعلوم لدى أجهزة المخابرات والمجتمع الدولي منذ عام (1990) أصبح السودان مركزاً للمنظمات الإرهابية، التي دخلت للبلاد في اطار سياسية الباب المفتوح، التي كان قد اقرها زعيم الحركة الإسلامية آنئذٍ الراحل د. حسن الترابي وفق رؤية تؤسس لدولة إسلامية لا تضع الحدود حواجز لها، فكان ان دخلت العديد من الحركات والمنظمات التي تواجه صعوبات في بلدانها، وكان من ابرز الذين نفذوا الى السودان من الباب المفتوح تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، كما تبنى النظام حركة حماس التي سمح لها مع غيرها من التنظيمات بأن تؤسس في السودان مكاتب معترف بها رسمياً، واسست لها شركات استثمارية وتمتلك العقارات وعملت في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، وأبقى السودان أبوابه مفتوحة لناشطي حماس لإقامة مراكز تدريب صغيرة، ووفر منحاً تعليمية لأعضاء حماس للالتحاق بالجامعات السودانية، لدراسة الطب، والمحاماة، وحتى تدريب ناشطي الحركة في كلية الشرطة، ولم تكن حماس تتردد في الجهر بما تتلقاه من دعم مادي من حكومة السودان، ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية ان تضع اول اشتراطاتها على الحكومة السودانية الانتقالية لرفع السودان عن قائمة الإرهاب، إغلاقها مكاتب حماس في السودان.

ضربة موجعة

وكان سقوط نظام البشير قد شكّل ضربة موجعة للمصالح الاستراتيجية لحركة حماس في السودان الذي اضطلع بدور الراعي هو الأكثر أهمية بإسهامه في إمدادها بالسلاح عبر تهريبه من ليبيا وإيران إلى غزة، رغم الصمت المُطبق الذي ساد بين قادة حركة حماس على ايام الثورة التي اطاحت بنظام البشير، إلا انهم أبدوا انزعاجاً واضحاً من بروز تيار نافذ في السودان شرع في خطوات عملية لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، وقال قادة حماس في بيانهم الذي اصدروه مناهضا لخطوة توقيع السودان لاتفاق تطبيع علاقات مع اسرائيل (اننا نعبر عن إدانتنا وغضبنا واشمئزازنا، من هذا التطبيع المشين والمهين، الذي لا يليق بالسودان شعبا وتاريخا).

أصول ضخمة

وقد شملت المؤسسات التي تمت مصادرتها عدد من المؤسسات التجارية الفاعلة في السودان، بجانب صرافة تعمل في سوق الاوراق المالية إضافة إلى فندق مشهور في وسط الخرطوم، فضلاً عن ارض زراعية بمساحة مليون فدان.

وعبر المحامي ياسر عثمان لـ(الصيحة) عن اندهاشه من ان تمتلك حركة حماس التي تصنف عالمياً بأنها منظمة ارهابية غض النظر عن صدقية التصنيف مثل تلك المؤسسات الضخمة في السودان خاصة الارض الزراعية الشاسعة التي تعادل نصف مساحة مشروع الجزيرة، لافتاً الى ان النظام السابق كان يمثل حاضنة للكثير من الحركات التي تجعل العالم يصنف البلاد بأنها تعمل على رعاية الارهاب، مشيرا الى ان مثل تلك التصرفات كانت خصماً على المواطن بشكل كبير.

تقاطعات لإصدار القرار

ويرى مراقبون ان قرارات مصادرة منظمات خارجية تعمل من داخل الوطن يُعد من نوع القرارات الأمنية من الدرجة الاولى والذي لا يمكن ان تصدره لجنة ازالة التمكين منفردة إلا بالتنسيق مع جهاز الامن والمخابرات، مؤكدين ان هذا النوع من القرارات تكون السياسة الخارجية للدولة حاضرة فيه وفاعلة بقوة وأجهزة الدولة العليا ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء هي التي تصدر هذا القرار وتعطي الضوء الأخضر لتنفيذه بواسطة لجنة التمكين بالتنسيق مع الأجهزة الامنية لمعرفة شكل علاقة هذه المؤسسات التي يشملها القرار بحركة حماس، وهنا يبرز السؤال بقوة هل الدولة السودانية اعلنت قائمة بأسماء المنظمات الارهابية التي تحظر التعامل معها، وحتى الآن الدولة السودانية لم تصدر قائمة بذلك، ويبقى في الأساس ان هذه القرارات تتحكم فيها السياسة الخارجية للدولة لأنها مرتبطة بمؤسسات داخلية وخارجية التي يجب ان تكون السياسة الخارجية متماشية مع مصالحها .

ضغوط

وقال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير لـ(الصيحة) إنه من الواضح ان الحكومة الانتقالية بإصدارها هذا القرار تسعى لإرضاء المجتمع الدولي، وبالتالي هذا القرار امتثال لضغوط خارجية.

واضاف د. الناير انا اتحدث من منطلق مهني عن هذا القرار وغيره من القرارات التي تلامس مناخ الاستثمار في السودان وتؤثر فيه، ومن هذا المنطلق ليس محبذ رؤية او صدور قرارات تؤثر على مناخ الاستثمار وهذا الإجراء الذي تم بشأن المؤسسات المالية الخاصة بحماس تعاملت معه الحكومة الانتقالية لارتباطه بالنظام السابق، لكن المشروعات الاستثمارية ان كانت بها مخالفة تصادر عبر قرار او حكم قضائي وليس بقرار خارج الاجهزة العدلية وذلك مراعاة لحساسية العملية الاستثمارية وحمايتها وهذا تنبيه ليس لطبيعة القضية وارتباطها بحماس او غيرها، والخلاصة نحن نسعى ان يكون مناخ الاستثمار جاذباً والمستثمر مطمئناً على امواله واعماله في السودان.

تحريات

ونبه د. الناير الى ضرورة الإسراع في إنشاء المؤسسات الخاصة بالتحريات المالية والتحقق من الفساد، في مقدمتها مفوضية مكافحة الفساد والآن موجود وحدة التحريات المالية التي تتعامل مجموعات المال الدولية فيما يلي غسل الأموال وتمويل الارهاب وهنا تصبح دورة الإجراء الطبيعي في مثل هذه القضايا عبر النيابة ثم القضاء لاصدار الحكم النهائي بالنزع او استرداد الأموال.

واشار د. الناير الى هذا القرار ناتج من عملية التغيير التي طالت مؤسسات الحكم في السودان، فالنظام السابق كانت له مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، واعتقد ان حكومة الفترة الانتقالية ايضاً ستكون لها مواقف داعمة للقضية الفلسطينية ليس مادياً، بل سياسياً في إطار المؤسسات الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى