بهاءالدين قمرالدين يكتب.. طائرة (إبراهيم شمس الدين) مرة أخرى (3)!

قادني الشاب عمر شقيق الجندي وكيل عريف محمد آدم ومعي المصور الصحفي البارع احمد عثمان، برفقة والده وعمه الى منزل بطرف حي أبو آدم بضاحية جنوب الخرطوم، كان ابنهم الجندي مُختبئاً فيه, وكان الخوف والاضطراب باديين على والده وعمّه جراء قلقهما وحرصهما على سلامته, سيما وهم يعتقدون أن حكومة الإنقاذ البائدة التي أدرجت اسم ابنهم في ذيل قائمة القادة والضباط الكبار المتوفين في طائرة عدارييل على رأسهم العقيد ابراهيم شمس الدين، والفريق أول طبيب مالك العاجب حاج خضر رئيس قسم الرنين المغنطيسي بالسلاح الطبي؛ الذي كان ابنهم مسؤولاً عن حمايته الشخصية وكان برفقته داخل الطائرة المحترقة؛ كانت الأسرة تعتقد اعتقاداً جازماً  ان الحكومة سوف تقوم بتصفيته وتلحقه بالمتوفين آنذاك في العام 2001م, وإلا لماذا تصر الجهات المسؤولة على إعلان اسمه ضمن المتوفين وهو حيٌّ يُرزق!؟

وعندما وصلنا الى المنزل طرق عمر الباب، وبعد دقائق معدودة فتحه شاب صغير السن وتقدم أولاً  والده وعمه الى غرفة في طرف المنزل، كان الجندي مختبئاً فيها, وعندما ولجنا الى باحتها قابلنا شاباً طويلاً مديد القامة، يبدو من ملامحه انه في منتصف العقد الثاني من العمر، عرّفني الشاب عمر به بعد أن جلسنا بأنه هذا هو أخوهم الجندي محمد آدم الذي يذيع التلفزيون القومي اسمه ضمن قائمة المتوفين في طائرة عدارييل على الرغم من انه حيٌّ ونحن نراه أمام ناظرينا وجلسنا معه ونتحدث إليه الآن!

ومدّ  الجندي محمد يده الينا مصافحاً بحرارة وحميمية كأنه يعرفنا من قبل، وكان هاشاً باشاً مبتسماً، لا يبدو على ملامحه الخوف او الاضطراب بل كان ثابتاً ومتماسكاً أكثر من والده وعمه وشقيقه خالد!

صدمتني المفاجأة القوية والصاعقة وأنا أرى أمامي الجندي (الميت الحي)، وتقافزت الأسئلة والاستفسارات فوق رأسي، وأنا في قمة الدهشة وعدم التصديق، فأخرج لنا الجندي محمد آدم بطاقته العسكرية مكتوب في صدارتها بطاقة ضباط صف وجنود القوات المسلحة ورقمها واسمه رباعياً ورتبته وفصيلة الدم والديانة تتوسطها صورته، هذا إذا لم تخني الذاكرة فقد مرت سنوات طويلة على ذلك, وقام المصور البارع أحمد عثمان بتصويرها!

وقد قصد الجندي محمد آدم بإخراج بطاقته العسكرية لنا حتى نطمئن أنه هو الشخص المعني وليس آخر, فشكرته على ذلك وعرّفته بنفسي والصحيفة التي أعمل بها، فرد عليّ الشكر بمثله وقال لي إن أخاه عمر قد أخبره عني؛ وقبل أن نبدأ الحوار طلب مني أن أطرح عليه اي أسئلة تخطر ببالي عن حادثة احتراق طائرة عدارييل وهو سيجاوب عليها بلا تحفظ وبلا خوف وبكل صدق وشجاعة، ثم بعد ذلك قال إن لديه معلومات مهمة سيقولها لنا ويريد إيصالها للرأي العام والشعب السوداني؛ حتى يملكه كل الحقائق والاسرار عن الحادثة, شريطة ان ننشر كل إفاداته وحديثه بلا حذف، فأكدت له أن صحيفتنا القبس سوف تقوم بنشر كل كلامه بلا حذف وهذا التزام قاطع من رئيس التحرير الأستاذ عابد سيد أحمد حميدة قبلي أنا، وبدأنا الحوار القنبلة بعد أن التقط له المصور البارع محمد عثمان عدة صور!

وسألته أولاً عن علاقته بقائده المتوفي في الطائرة  الفريق اول طبيب مالك العاجب حاج خضر رئيس قسم الرنين المغنطيسي بالسلاح الطبي، وهو كان حرسه الشخصي ومنذ متى كان يعمل معه!؟

فرد الجندي محمد آدم بحُزنٍ عميقٍ وكادت الدموع أن تقفز من عينيه، قائلاً إن علاقته بقائده المتوفي تعود الى أكثر من خمس سنوات، حينما تم توزيعه حرساً شخصياً مكلفاً بحمايته، وهو يعتبر الراحل بمثابة والده في المقام الأول قبل ان يكون قائده المباشر, وهو كان نعم الأب والقائد، يتّسم بالتواضع والتقوى والورع ورِقّة وطيبة القلب, وكان يُعامل كل جنوده وضباطه باعتبارهم أبناءه وإخوانه قبل كل شيء، وكان منصفاً وعادلاً وكريماً وشهماً يحل أي مُشكلة تُواجههم, وكان مُنضبطاً وحازماً ولا يُجامل في العمل، وكان يحضر إلى الوحدة أولاً قبل الآخرين، لذلك فقد فُجع هو شخصياً في وفاته فاجعة كبيرة وأحس بأنه كأنما فقد والده، وقال انه ظل مصاحباً له طوال هذه السنوات الخمس داخل وخارج السودان, ولم يره قط غاضباً أو مكفهر الوجه، بل كان دوماً هاشاً باشاً مستبشراً، يشجع جنوده وضباطه ويبث فيهم روح الحماسة وحُب الجندية والإخلاص وبذل الروح فداءً الوطن!

ونواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى