خربشات الجمعة

(1)

* مُني الهلال يوم السبت الماضي بهزيمةٍ كبيرةٍ من المريخ  بلغت هدفين لهدف، والسقوط الأكبر لم يَأتِ من خسارة مباراة  دورية، إنما في سوء سلوك جماهير الهلال التي احتجت على التحكيم بصورة غير لائقة برمي الملعب بالحجارة بعد طرد  المدافع عبد اللطيف بوي عقب نيله الإنذار الثاني، وهزيمة  الهلال طبيعية من المريخ بعد خسارته لمباراة هلال كادقلي وبحثه عن انتصار خارج الملعب، ثم الخسارة من الأمل عطبرة، ومن واقع مستوى الهلال الحالي يمكنه خسارة نقاط أخرى في الدورتين الأولى والثانية وتحقيق أرقام سلبية في المنافسة الأفريقية التي يُواجه خلالها عملاقي تونس ومصر النجم الساحلي والأهلي القاهري، ويا لها من مباريات مُخيفة تجعل أيِّ عاشق للأزرق الذي كان يضع يديه على قلبه لا خوفاً من هزيمة واقعة، ولكن خشية النتائج الكارثية والهزيمة بأهداف كثيرةٍ وتصبح شباك عملاق السودان منطقة يتنافس عليها  الطامحون في التتويج بلقب هداف البطولة.

وحال الهلال جعل الكثير من عُشّاقه المُخلصين يهجرون  ملعبه، ويوم مباراة الهلال والمريخ انصرف بعضهم لمتابعة  لقاء السيتي والبلوز في واحدةٍ من أروع مباريات الدوري  الإنجليزي لهذا العام.

 (2)

سقط الهلال أمام المريخ، لأنّ لاعبي الهلال الحاليين يفتقرون  للروح والمهارة والإبداع في الميدان، وفَقَدَ الهلال اللاعب  الحريف الموهوب الذي يسرق التصفيق وكان آخر العنقود  اللاعب مهند الطاهر الذي فرض عليه الكاردينال مُغادرة  الديار الزرقاء كما غادرها هيثم مصطفى ومحمد عبد الرحمن،  والهلال منذ أن فرض الرئيس السابق عمر البشير عليه الكاردينال رئيساً رغم قرار أعلى سلطة قضائية في البلاد، ظل  يتدحرج يومياً إلى أسفل ويتعاقب على تدريب الفريق في  الموسم الواحد أكثر من مدرب، ويشتري الكاردينال المُحترفين  الفالصو وغير المُقيّدين في كشوفات الأندية بأسعارٍ زهيدة جداً ويطردهم في منتصف الموسم تجنباً للصرف عليهم حتى نهاية  الموسم.. وأصبحت غرفة اللاعبين منطقة لفقدان اللاعبين لمقاعدهم بسبب الوشايات والوساوس، وينتشر مخبرو الكاردينال  في كل أرضية الهلال ينقلون للرئيس ما تطرب له أذنه فقط  من المديح، وقد أفرد رئيس الهلال قناة باسم الهلال لتمجيده  وبث الأشعار التي تطربه والأغاني التي تُمجِّده، ويباهي الكاردينال بقدرته على البقاء في كرسي الرئاسة لخمسة  وعشرين عاماً.. لهذه الأسباب وغيرها فَقدَ الهلال هيبته وبريقه وجمهوره، وبات الملعب الذي كان عصياً على المُنافسين معبراً لصغار الأندية المحلية قبل الأفريقية.

واليوم عند التاسعة مساءً تتوجّه الأنظار في الداخل والخارج  صوب ملعب الهلال لمُتابعة لقائه بالفريق الزيمبابوي في أولى مُواجهات مرحلة المجموعات بالبطولة الأفريقية الكبرى للأبطال،  وفي مثل هذه اللقاءات حتى عهد قريبٍ وزمانٍ غير زمان الكاردينال، يتّصل حسين أبكر من زالنجى بمحمد سيد أحمد  في الكلاكلة القبة ويسأله: يا محمد بالله الهلال غالب كم؟ المُباراة لم تنتهِ لكن الهلال غالب بثلاثة أهداف.. ويسأل حسين أبكر الأقوان جابها منو؟ طبعاً وليد طاشين وأسامة الثغر وصبحي، وكندورة ضيّع ضربة جزاء كان مفروض يشوتها  الديبة، لكن المدرب أصرّ على كندورة.. بالمناسبة الاسم الصحيح لكندورة “هاشم تيه كرتون” وهم من التوزيع الجغرافي  للأسماء من (خوالي) النوبة حتى ولو وُلد في جزيرة مساوي أو شلعوها الجعليين.. وعندما سجّل الهلال كندورة وتنقا وأسامة الثغر كتب عاشق الهلال صديق يوسف قصيدة نشرتها صحيفة “الشبكة الرياضية” جاء فيها:

جاب الهلال المبدعين

وحدين شمال وحدين يمين

تنقا الحريف نجم النجوم

والعمدة أغلى الواعدين

وأسامة جوهرة الهجوم

هدّاف رزين يرهب خصوم

هاشم مع صبحي وسعود

ديل الثلاثة المرعبين

إلى آخر القصيدة التي كانت تُمجِّد لاعبين تمّ اختيارهم بدقةٍ  وعنايةٍ لتمثيل الهلال والدفاع عن شعاره المُقدّس.. واليوم إذا  استحضر هذا الجيل من لاعبي الهلال روح محمد عبد القيوم أبوشامة، وفراسة صلاح دوشكا، وقُوة وشراسة صلاح أبوروف،  وحماس مبارك سلمان، فالهلال يُمكنه الانتصار على الفريق الزيمبابوي وتجنُّب احتلال مقعد طيش المجموعة، لأنّ مسألة  صُعُود الهلال للدور القادم ستكون صعبة جداً إن لم تكن مُستحيلة في وجود الأهلي والمصري والنجم الساحلي، في هذا  الزمان بات مشجع الهلال الخائف المرعوب من مُستوى فريقه  يسأل أخيه الهلالي يا فلان الهلال عمل شنو؟

انظر لفقدان الثقة ما بين الهلال غالب كم والهلال عمل  شنو؟!

(3)

كان الهلال يلعب بالروح قبل الجسد، وكان حيدر حسن الصديق الشهير “بقاقرين” حينما تمّ اختياره لتمثيل المنتخب  الوطني وفي غُرفة تبديل الملابس، شعر باختلاف بين “فانيلة”  الهلال والمنتخب، أعاد ارتداء “الفانيلة” التي بدت له ثقيلة الوزن، وشرح “قاقرين” تلك الحالة بأنها رهبة وخوف من عظم المسؤولية المُلقاة على عاتقه، لكن الأستاذ حسين خوجلي عبر  برنامجه ذائع الصيت “أيام لها إيقاع” الذي كان يُقدِّمه من خلال شاشة التلفزيون القومي شرح حالة “قاقرين” بأنّها حالة ثقافية للاعب يعرف قيمة الوطن وأهميته وثقل شعار الوطن.. و”قاقرين”  خريج كلية التربية جامعة الخرطوم حينما كانت جميلة ومستحيلة في نظر الكثيرين، وحتى ثمانينات القرن الماضي كان أغلب لاعبي أندية القمة من الفرّاعة أي المُنتسبين لجامعة القاهرة فرع الخرطوم بكل جمالها وتأهيل طلابها من المنهج المصري المُتقدِّم جداً، وكم تاق السودانيون لعودة جامعة القاهرة فرع الخرطوم بعد الثورة، ولكن حكومة حمدوك تمضي في مسارٍ لا يُبشِّر بحُسن العلاقة مع الشقيقة مصر!!

وفي هذا الزمان، بات لاعبو الأندية الكبيرة أغلبهم مِمّن لا يشغلون أنفسهم بالجامعات، لذلك تضعف قُدراتهم الإبداعية  ويعوزهم حُب الشعار الذي بسببه تمّ شطب اللاعب محمد  الفاتح حجازي من كشوفات الهلال بعد ساعة فقط من رمي  الشعار على الأرض، انظر حال الهلال اليوم والخديوي يسقط  كل قيم النادي العريق ويدوس بأقدامه على تاريخ الهلال  ويتخبّط في التسجيلات سنوياً، يبحث عن بضائع زهيدة الثمن  ولاعبين بتراب الفلوس ويخسر كل معاركه مع المريخ الذي بلا  رئيس نادٍ وبلا مجلس إدارة ورغم ذلك يفوز على الهلال في ليلة السبت الحزينة ويسقط الجمهور في امتحان الأخلاق الرياضية يقذفون الملعب بالحجارة دُونما أسبابٍ مُقنعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى