أزمة الشرق.. هل تدخل البلاد في حرب أهلية جديدة؟

 

تقرير- محجوب عثمان

يبدو ان ازمة شرق السودان تمضي من ضيق الى أضيق, ففي الوقت الذي تصر فيه تنسيقية نظارات البجا والعموديات المستقلة على استمرار التصعيد في إغلاق الشرق وتصر على ان الحل لن يكون إلا بإلغاء مسار الشرق الموقع ضمن اتفاق سلام جوبا, وفي الوقت الذي تكابد فيه الحكومة للوصول الى منفذ يقودها للتوصل الى حل للازمة, خرج الجناح الآخر المُوقّع على الاتفاق, محذراً من مغبة الغاء مسار الشرق في تحذير حمل تلويحاً بدخول الإقليم في حرب اهلية.. وفي الوقت الذي تساند فيه حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا عدم إلغاء مسار الشرق وتعتبر إلغاءه خطوة تلغي اتفاق جوبا كله دخلت كيانات من الشمال والوسط مطالبة أيضاً بإلغاء مسار الشرق والشمال والوسط.. وسط كل هذه التعقيدات ربما يكون العودة لمنصة الحوار تمثل بصيص الامل والضوء في آخر النفق  المظلم خاصة مع الحديث المتصاعد والاستقطاب الحاد هنا وهناك لفتح كل الاحتمالات بما فيها احتمال نشوب حرب في شرق السودان.

قضية كرامة

وامس الأول, حذر رئيس مؤتمر البجا المعارض أسامة سعيد، من خطورة إلغاء مسار شرق السودان, مبينا ان إلغاءه سيتسبب في حرب أهلية بإقليم الشرق، وقال في حديث اذاعي إن الغاء المسار لصالح جهات ومكونات معينة يعني إعلان حرب أهلية في شرق السودان بعد أن أصبح تنفيذه قضية كرامة لـ17 مكونا في الشرق.

ولمح سعيد الى ان من يطالبون بإلغاء المسار فلول للنظام البائد, وقال “كانوا يهتفون بصوت مبحوح في الساحة الخضراء للرئيس المعزول عمر البشير بعبارات (تقعد بس) في الوقت الذي كنا نناضل فيه”, ووصف رفع مطالب ودعاوى انفصال الشرق بالمزايدة السياسية واعتبرها أصواتا معزولة، مشيراً إلى إن من يرفعون مثل تلك الشعارات ينفذون أجندة النظام البائد.

تصريحات مناوئة

وربما كان حديث اسامة سعيد حول مناصري إلغاء مسار الشرق بمثابة صب للزيت على النار المستعرة أصلا.. اذ ان التصريحات الحادة لسعيد قابلتها تصريحات مناوئة تقدح في المسار برمته فقد قال الناطق باسم تنسيقية نداء الشمال بشرق السودان مبارك النور في حديث لـ(الصيحة) بان قضية تنسيقية نظارات البجا والعموديات المستقلة واضحة ولا يمكن حلها الا بإلغاء مسار الشرق, مبينا ان من يقولون بأنهم يمثلون شرق السودان ووقعوا باسم اهل شرق السودان منذ عام ونصف لم يستطيعوا حتى الآن زيارة الشرق والتبشير بالاتفاق ولو لمرة واحدة, وقال “المسار ميت اصلا ولم يتبق من الموقعين عليه غير اثنين فقط بعد ان تنصل عنه اغلب الموقعين عليه مثل احمد موسى عمر وعبد الوهاب جميل والامين داؤود وكونوا رأيا سالباً حوله”, وأضاف “ليس من المعقول ان يتحكم اثنان فقط في مصير كل شعب الشرق”, داعياً لاستقراء الواقع بين المواطنين باي طريقة  سواء عبر استفتاء او انتخابات او عبر عينات عشوائية ليعرفوا راي اهل الشرق في المسار”.

واكد مبارك ان المسار ترفضه كل مكونات الشرق بما فيه قيادات من البني عامر الذين كانوا مناصرين له في البداية مما يؤكد ان الحديث عن عنصرية وجهوية تنسيقية نظارات البجا والعموديات المستقلة ما هو إلا اصطياد في المياه العكرة.

لا للحرب

وعلى الرغم من ان لهجة الموقعين على المسار قد اتجهت نحو التلويح بالحرب وقابلتها لجهة تصعيدية من جهات في شرق السودان, الا ان الرأي الغالب في المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة لا يزال متزنا, إذ يرى الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة طه فكي شيخ طه بان خيار الحرب غير وارد على الاطلاق في تداعيات قضية الشرق, مشيرا الى انهم لن يميلوا على الإطلاق لاشعال حرب في الاقليم خاصة وان المجلس الاعلى يعتبر الغالبية العظمى من سكان شرق السودان من واقع انه يضم كل قبائل البجا بالإضافة لكل المقيمين في شرق السودان, وقال في حديثه لـ(الصيحة) ان خيار الحرب غير وارد على الاطلاق ولا يوجد الا في خيال من يلوحون بها فقط, معتبرا ان الحديث عن تجييش البجا واستعدادهم للحرب امر يدور في وسائل التواصل الاعلامي ولا اساس له على ارض الواقع, وقال “نحن نطالب بالغاء المسار ولو ان الغاء المسار سيأتي بالحرب يجب ان يسألوا انفسهم لماذا وضعوا مساراً يأتي بالحرب”, لافتا الى ان شرق السودان لم تكن به حرب خلال الفترة الماضية, وقال “عموماً نحن لا نرفض السلام ولكن نرفض المسارات, ونرى انها لم تأت بمكتسبات للشرق وانما جاءت تحمل اضراراً كبيرة, والدليل على ذلك ان الشرق لم تكن به حرائق والآن اصحاب المسار يلوحون بها”.

قيام دولة

ويلاحظ ان دعوة البجا تتصاعد نحو خيارات صفرية قد تقود لتمزيق البلاد, اذ ان طه فكي يستبعد قيام حرب لكنه لا يستبعد انفصال شرق السودان, فقد قال في حديثه “لن تكون هنالك حرب ولكن قد تكون هناك دولة”, وشدد على انهم لا يرفضون التفاوض مع الحكومة أو مع أية جهة لكنهم يصرون على انفاذ مطالبهم, وقال “لن نحمل السلاح وسنمضي في مسيرة المطالبة بالحقوق بالطرق السلمية البحتة ومن يبحث عن حرب فليبحث عنها في مكان آخر”, وأضاف “حتى الانفصال الذي نلوح به فإننا نرفعه كخيار حال لم نستطع تحقيق مطالبنا في ظل الدولة الموحدة والتي حال لم نجد انفسنا فيها سنمضي للامام بتكوين دولتنا”.

مطلبات بالتهدئة

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه حدة الاستقطاب بين مكونات شرق السودان لصالح المسار وضده لا تزال الحكومة تبحث عن مخرج وتعقد اجتماعات بين المكونات المدنية والعسكرية للوصول الى تهدئة سياسية في المركز, تمكن الحكومة من التوجه لحل قضية الشرق وهو الطريق الذي اشار مراقبون الى انه يجب ان يتحرك بوتيرة اسرع  لتلافي التصعيد القبلي في الشرق والذي ربما يقود لما لا يحمد عقباه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى