حرص عليها الشريكان .. الانتقال للمدنيّة.. بين المخاوف والمواثيق

 

تقرير: مريم أبشر

رغم التباين الواضح في الشعارات والأهداف التي خرجت من أجلها الملايين من شباب ثورة ديسمبر المجيدة وكل جموع الشعب السوداني تجوب الشوارع في كل فرقان، قرى ومدن السودان والجاليات بالخارج، بالتزامن مع ذكرى ثورة الحادي والعشرين من اكتوبر المجيدة، إلا أنها اتفقت حول هدف رئيسي واحد هو التمسك بالمدنية خياراً لا رجعة فيه، ونقل رئاسة المجلس السيادي للمدنيين.

أتت تظاهرات الخميس في ظل ازمة حقيقية بين شركاء الفترة الانتقالية تخطت الظهور للعلن، بإعلان وقف شامل لكل أنشطة الأجهزة التي تُديرها سلطة الائتلاف الانتقالي.

التمسك بالمدنية ومنح السلطة كاملة للمدنيين، اصبح ليس هدفا للثوار الذين ضحى عدد كبير منهم بأرواحهم مهراً للديمقراطية والحكم المدني فحسب، بل صار مقصد ومطلب كل أصدقاء السودان وشركائه الإقليميين والدوليين الذين ينظرون للسودان كمشروع دولة يسودها حكم ديمقراطي يكون نموذجاً في المنطقة الملتهبة.

 

تعنُّت ولكن:

رغم التعنُّت غير المُعلن من جانب الشق العسكري في تسليم سلطة رئاسة المجلس السيادي للمدنيين وفق منطوق الوثيقة الدستورية، إلا أن رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان وكل قيادات المجلس السيادي من الشق العسكري،  ظلوا يجددون تأكيداتهم بأنهم متمسكون بالتحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة وصولاً لانتخابات  حرة ونزيهة تنقل السُّلطة  كاملةً للشعب.

 

بالتزامن:

تأكيدات الحرص على مكتسبات الثورة كررها رئيس  المجلس السيادي بالتزامن مع تظاهرة الحادي والعشرين من أكتوبر في لقائه الخميس الماضي مع وزيرة الدولة بالخارجية البريطانية فيكي فورد، حيث تعهد بحرص القوات المسلحة والمكون المدني على إنجاح الفترة الانتقالية، وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني والالتزام بالوثيقة الدستورية، والحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني. هذا التعهد بالحرص على الانتقال الديمقراطي، فتح الباب واسعاً أمام الكيفية التي يرغب الشق العسكري الوصول بها لدولة ديمقراطية في ظل اتهامات من الشق المدني بالتباطؤ في تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية الملزمة لإنجاز فترة الانتقال باستكمال هياكل السلطة الانتقالية وتسليم السلطة للمدنيين.

مَطبّات:

على ضوء المطلب الواضح الذي اتفق عليه كل الثوار الذين ضاقت بهم الشوارع أمس الأول، إن المدنية خيار لا نكوص عنه، اعتبر الخبير الدبلوماسي عبد الرحمن ضرار أن رئيس المجلس السيادي وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، في مواجهة ضغوط عدة أول ما هو مستقبله السياسي فهو يواجه معضلة مصيره الشخصي، وزاد الممارسات المنسوبة اليه في دارفور وإشرافه على المليشيات التي عاثت في الأرض فساداً ونهباً وتقتيلاً، وذات المعضلة ربما يواجه احتمال جرجرته للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة على ما سيقوله كوشيب، إضافة لذلك، هناك التعقيدات عن دور منسوب له في جريمة فضّ الاعتصام, فضلاً عن العامل الإقليمي، الإمارات، السعودية، بريطانيا، أمريكا والاتحاد الأوروبي، مع تضارب وتناقض مصالحهم أحياناً.

وفوق كل ذلك, يواجه ضغوطاً شديدة من قاعدته الأصلية  الجيش خاصة حول الدور السياسي للجيش، وضعف مواقفه في مواجهة الملكية, بجانب الدور الاقتصادي والمؤسسات التجارية العسكرية واتهامه بإضعاف دور الجيش, ويرى ضرار أن رئيس المجلس السيادى يواجه حالياً معضلة حقيقية.

واشنطن والدعم المشروط:

كل المتابعين للثورة السودانية يلحظون الانبهار الكبير للمجتمع الدولي بها خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

ويرى مراقبون أن أكثر الإنجازات التي حققتها الثورة حتى الآن هو السودان مع العالم بعد عزلة وصلت عقوداً شكّلت الولايات المتحدة أحد ابرز المناصرين والداعمين لثورة ديسمبر، غير أن حالة التشاكس الأخير التي ضربت شريكي الحكم دفعت بإدارة بايدن ان تربط مواصلة دعمها بالالتزام بالمدنية ونقل السلطة للمكون المدني، برغم تأكيدات البرهان للمبعوث الامريكي خلال زيارته الأخيرة حرصه على الانتقال الديمقراطي والوصول به للنهايات.

وقد أوردت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها  تشديد السيناتورين الجمهوري جيم ريش والديمقراطي كريس كونز، على أن دعم العملية الانتقالية السياسية والاقتصادية في السودان لا تزال أولوية لدى الولايات المتحدة في افريقيا، وأشارا في بيان لهما الى «صبر الشعب السوداني وإصراره على متابعة العملية الانتقالية التي ستؤدي إلى انتخابات ديمقراطية وإصلاحات اقتصادية وأمنية ومحاسبة على الجرائم التي ارتكبها نظام البشير السابق هو مصدر إلهام لكل من يكافح من أجل الديمقراطية حول العالم».

فيما أكدا أن الولايات المتحدة «كانت ولا تزال تعمل بحزم كحليفة للشعب السوداني»، مشيرين إلى تعهدها بمبلغ مليار دولار من مساعدات للسودان، إضافة إلى دعمه في مساعي إعفائه من الدَّين، ورفع البلاد عن لائحة الإرهاب. وأضافا ان بلادهما تعمل جاهدة لإقناع الحلفاء الدوليين بمساعدة السودان للانضمام إلى «المجتمع الدولي والتحالفات الديمقراطية». وشددا على حق التظاهر غير العنيف واهمية أن «تحمي الدولة كل المتظاهرين»، ودعا السيناتوران، قوات الأمن السودانية إلى احترام وحماية حقوق المدنيين في التظاهر السلمي، «في وقت يستمر فيه الزعماء بالعمل سوياً على آلية العملية الانتقالية بقيادة مدنية».

وأكدا أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر بالعمل مع الحكومة السودانية والشركاء الدوليين للسيطرة على «القوى الخبيثة التي تسعى إلى تهديد العملية الانتقالية في البلاد».

وحسب مصادر الشرق الاوسط، أن دعم المشرعين لتقديم مساعدات للسودان ودعمه في جهود الإعفاء من الدَّين مرتبطٌ مباشرة بالالتزام بشروط المرحلة الانتقالية «بقيادة مدنية» وأن أي «تغيير في المعادلة أو محاولة من قِبل عناصر في الجيش السوداني للإطاحة بحكومة حمدوك سينعكس سلباً على الدعم الأمريكي للبلاد».

صافرة النهاية:

حرص المكون العسكرى على الانتقال الديمقراطي والطرق عليه خلال كل اللقاءات التي تجرى بينهم والمبعوثين الدوليين، أكّدها الخبير الاكاديمي واستاذ العلاقات بالجامعات صلاح الدومة، وقال: كل المكون العسكري يؤكد حرصه على الانتقال المدني، غير انهم يرغبون في التمسك برئاسة المجلس السيادي حتى قيام حكومة منتخبة بنهاية الفترة الانتقالية وهو ما يتعارض مع بنود الوثيقة الدستورية التي حدّدت بأن تكون رئاسة المجلس السيادى مناصفةً بين المكونين العسكري والمدني، وتوقّع الدومة في حديثه “للصيحة”، مزيداً من الضغوط الداخلية والخارجية، ولفت الى أن المجلس العسكرى اختار أكثر العناصر مرونةً لخلية حل الأزمة التي اقترحها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وهما الفريق ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر، ويعتقد ان كل الانتقادات التي توجهها اطراف الحكومة الانتقالية لبعصها البعض بما فيها أزمة الشرق في مُعظمها صحيحة، غير أن الأساليب التي اتخذتها الأطراف للمعالجة كانت كلها خطأ وتَسَبّبَت في تعقيد الأزمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى