ترس الشمال.. ما بين المطالب والتسييس!!

 

تقرير: صلاح مختار   10فبراير2022م

تعرفة الكهرباء التي أعادتها وزارة المالية بعد ان تراجعت عنها الحكومة, فجّرت الأوضاع في الشمالية لتعود التروس على كل المناطق المحيطة بالطريق الحيوي والاستراتيجي, في وقت قرر فيه التجمع الزراعي فتح طريق الشريان بمنطقة الحامداب، وكشف عن وجود صراع بين هذه الأجسام التي تؤكد أن مطالبها ليست سياسية بل خدمية، وتبادلت الأطراف الاتهامات مِمّا شكّل محفزاً لبعض العناصر من إطلاق التهم بأن القضية سياسية أكثر من كونها مطلبية.. ما بين تخوين فتح الطريق والادعاء بتسييس القضية من المستفيد؟

صورة مُرعبة

ربما الحكومة المركزية في ذهنها الصورة المرعبة التي خلفها اغلاق طريق الشرق الخرطوم – بورتسودان, التي ادت الى ازمات في المركز والولايات كادت أن تطيح بالحكومة, ربما تلك الصورة رأت أن لا تتكرّر في بقية الولايات. ولأن التروس تُشكِّل عائقاً كبيراً للمستفيدين من عدم الإغلاق, جرت محاولات عديدة لفضها من قبل سائقين مصريين ومن قبل السلطات المحلية بالولاية، ولكن تلك الخطوات تقابلها خطوات تصعيدية اخرى من قيادات التروس غير آبهين بما تؤول عليه الاحداث على الارض, متمسكين بمواقفهم ومطالبهم بأن التروس تشكل رمزية تحقق مطالبهم.

فتح الطريق

في الفترة الأخيرة, تدخلت السلطات الأمنية بالولاية الشمالية لفتح طريق شريان الشمال بالقوة بمنطقة (حفير مشو) بالقرب من عاصمة الولاية دنقلا. شهود عيان اكدوا لـ(الصيحة) أن قوات عسكرية بطريق شريان الشمال تقدمت الشاحنات المصرية لفض (التروس) بالطريق المؤدي إلى معبر أرقين الحدودي مع مصر, في وقت تم اعتقال عدد منهم من تروس حفير مشو ومصادرة الهواتف لمنع التصوير, الخطوة يراها البعض تقود الى تصعيد مُضاد وتحول القضية من مطلبية الى سياسية في مواجهة الحكومة!

موقف التروس

الموقف الآن بعد فض ترس الحفير, كان هنالك تصعيدٌ في مناطق متعددة, حيث تم اغلاق طريق ارقين الغربي في منطقة كويا جنوب الحفير, بالإضافة الى إغلاق الطريق الشرقي (حلفا – السليم) في منطقة صواردة وعبري, بجانب اغلاق الطريق في منطقة سورتود جنوب دنقلا, وفي منطقة القولد جنوب دنقلا تم إغلاق الطريق, كذلك في منطقة الحامداب (الدبة) والطريق في منطقة تنقاسي, حيث توافد الثوار في منطقة الحفير واصروا على مواصلة الترس.

تجاوزات عديدة

ونفى المسؤول الاعلامي للجان مقاومة الشمالية منطقة الحفير طارق اورتيقا أن تكون مطالبهم سياسية, وكشف عن تجاوزات عديدة لعمليات الاستيراد والتصدير بين السودان ودول الجوار، وقال لـ(الصيحة): تصاريح العبور مفتوحة للمواطنين، والرحلات الصغيرة. بيد أنه قال لجان المقاومة تعمل على منع كل حركات التصدير والاستيراد المشبوهة، مبيناً بأن معدل مرور الشاحنات التي تحمل البضائع  المصدرة والمستوردة يومياً تفوق المائة عربة, كما كشف عن نوعية المواد التي تحملها تلك الشاحنات، وشدد على ضرورة مراجعة قوانين التجارة بين دول الجوار خاصة “مصر” والتي يعتبر طريق الحفير من أهم الطرق الاستراتيجية للمنطقة.

اضطروا مُجبرين

ولكن رئيس تجمُّع مزارعي الشمالية محمد رضي الأنور الإدريسي، قال لـ(التغيير), إن إغلاق الشارع سلوكٌ غير صحيح، ولكنهم اضطروا له مجبرين, موضحاً أن لديهم مصفوفة مطالب تم تقديمها للوالي ليتم رفعها للحكومة, مؤكداً رفضهم القاطع لتخصيص تعرفة للقطاع الزراعي وآخر للسكني كما تم ترويجه مؤخراً, وتوقع الإدريسي انهيار كثير من المزارع بسبب عجزها عن ري مساحاتها إبان فترة الأزمة، كاشفاً عن تقلص المساحات المزروعة بالقمح خلال العام الجاري، نتيجة لتصاعد كلفة الكهرباء، بالإضافة إلى توقف أكثر من (50) مشروعاً عن الخدمة, مشيراً إلى أن لديهم تنسيقاً مع مزارعي نهر النيل, لجهة أن الجميع متأثر بزيادة سعر الكهرباء. ولفت إلى زيادة كبيرة في سعر السماد من 18 إلى 40 ألف جنيه، بالإضافة إلى اختفاء السماد الخاص بالبنك الزراعي. وقال: “علمنا فيما بعد أن جهات أخرى سحبته إلى مشاريع خارج الولاية الشمالية”.

التمسك بالمطالب

وسبق ان اتهمت تنسيقية لجان المقاومة بالولاية الشمالية، تجمع مزارعي الشمالية بمُحاولة العبث بإرادة أهالي الولاية وتنفيذ ما يصبو إليه من يقفون خلفهم، بإعلانه رفع ترس كوبري الحامداب. وحذرت التنسيقية في بيان من التلويح بمُحاولة فض (الترس) بالقوة، وتمسكت بتحقيق مطالب وشعارات ثورة ديسمبر.

وقال البيان الذي تحصلت عليه (الصيحة) بالأمس: خرج علينا الجسم المنبت عنا والمنتمي لبقايا النظام السابق, تجمع مزارعي الشمالية، ببيان ليس بغريب عليهم، وأعلنوا فيه رفعهم لترس كوبري الحامداب وإخلاء مسؤوليتهم منه، وانهم ليسوا على استعداد للتضحية بنقطة دم واحدة, وتساءل البيان لماذا الربط بين الادعاء بأن المطالب أصبحت سياسية والتهديد المبطن بأن هنالك دماءً ستُراق؟ وما الذي سيحدث في الساعات القادمة؟ ولمن يُوجِّهون هذا التهديد المبطن؟ وقال البيان إنّ أزمة الشمال لا تنفصل عن أزمة وقضايا الوطن، والجميع يعلم أن لا مخرج لهذه الأزمة إلا بتنفيذ شعارات الثورة التي مهرها الشهداء بدمائهم الغالية، في ظل حكومة مدنية مراقبة عبر مؤسسات تشريعية ورقابية وقضاء مستقل، لبناء السودان الذي يستطيع كل فرد فيه أن يمارس حقاً حقيقياً وطبيعياً.

فيما انحاز الأمين العام لتحالف ابناء الشمال الفاتح صالح ادريس الى مقترح المزارعين بتجميد قرار زيادة الكهرباء لمدة اربعة اشهر الى ما بعد الحصاد.

وقال لـ(الصيحة), إنه اتصل برئيس تجمع مزارعي الشمالية محمد رضي الأنور الإدريسي الذي أكد أن مطالبهم لا علاقة لها بالسياسة, واقترح تجميد القرار الى ما بعد الحصاد ومن ثم يمكن الجلوس مع المزارعين للتفاكر في تعرفة الكهرباء.

لغدٍ أفضل

في رواية للأديب العالمي الطيب صالح يقول (كنا نحس بالعزة والمتعة والطمأنينة والثراء. كنتُ أعلم أن ذلك الإحساس حق، من الطريقة التي يمشي بها آبائي وأجدادي، لا يمشون مختالين، ولكنهم يمشون على وجه الأرض ثابتي الخُطى, مرفوعي الرؤوس، لا يخامرهم شك أن الأرض أرضهم والزمان زمانهم), ولكن يظلوا مختلفين ما بين متخوف من جرف السياسة وآخر من يتوسد الطريق يصد كل من يحاول العبور. وما بين الفريقين يظل حديث الطيب صالح مقروناً بغد أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى