تصريحات البرهان.. رسائل تطمين أم مُحاولات لتبرير الوضع الجديد؟

 

تقرير: نجدة بشارة     6ديسمبر2021م

منذ توقيع الاتفاق السياسي الذي تم بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ود. عبد الله حمدوك, ظل الفريق أول البرهان يرسل رسائل متعددة تمضي في عدة اتجاهات، بعضها أزال بعض اللغط والتساؤلات التي ظلت عالقة بأذهان الكثير من الشعب, وبعضها أجاب على بعض الاستفهامات المتعلقة بالفترة الانتقالية عقب الإجراءات التي اتخذها في 25 أكتوبر وما يعقبها.. وعن هل يتطلع البرهان لحكم السودان؟ لكن بعضها أضاف تساؤلات جديدة لم تجد إجابات حتى الآن, ففي الوقت الذي ظل يقول فيه كل حين إنه لن يترشح للرئاسة حتى لو طُلب منه ذلك، ويؤكد ان مهمته ستنتهي بانتهاء الفترة الانتقالية، عاد واكد ان جميع القوى السياسية والعسكريين من حقهم الترشح للانتخابات، (الحديث الذي نفاه مكتبه الصحفي وقوله انه لم ينقل بصورة صحيحة)، ما جعل ردود الفعل بشأن التصريحات تتباين، فبينما يرى البعض أن تأكيد البرهان رفض الحكم يماثل نموذج القائد المشير سوار الذهب، وصف البعض القرار بقرارات الرئيس المعزول عمر البشير التي أعلن فيها مراراً وتكراراً زهده في السلطة.

قطعياً

الفريق أول البرهان أوضح في مقابلة، صحفية أن أبرز ما يعمل عليه حالياً هو تشكيل هيئة عليا للانتخابات، وقال “لا نريد استبدال أحد من القوى السياسية، بل نُريد إفساح المجال للجميع”، وأوضح في ذات الوقت بأن الاتفاق السياسي الأخير مع رئيس الحكومة عبد الله حمدوك بأنّه البداية الحقيقية للفترة الانتقالية في البلاد”، مضيفاً أنه “لم يتم إنجاز الكثير من مهام الفترة الانتقالية من قبل قوى سياسية”، ورأى أن “البعض يريد أن يجعل من المكون العسكري شمّاعة لفشل الكثيرين”.

مَن يعرقل الدولة

ولعلها لم تكن المرة الأولى التي يتحدّث فيها الشأن السياسي عن المُعيقات والعراقيل التي تُقيد حركة الانتقال الديمقراطي في البلاد، فقد ظلّ (لفظ الدولة العميقة) حاضراً في كل الترجيحات، ولكن مُؤخّراً نبّه البرهان في تلاوته لقراراته التصحيحية عشية الخامس والعشرين وجود أذرع سياسية وقوى مجهولة أخرى تعمل جنباً الى جنب مع الدولة العميقة السابقة وتهدف لعرقلة الانتقال، حيث أكد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن “الدولة العميقة لا تزال موجودة في كل مكان وتعمل على إعاقة التقدم”, وأضاف أن “نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير جزءٌ من الدولة العميقة.. وهناك قوى سياسية حالية تلعب نفس الدور.. توجد قوى سياسية تعيق عملية الانتقال الديمقراطي”.

وبالنظر الى المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية مؤخراً, يشير خبراء بأصابع الاتهام الى الاحزاب الاربعة التي كانت تسيطر على الفترة الانتقالية وتعيق في ذات الوقت تقدمها، واعتبروا ان القوى التي تعيق الانتقال هي القوى التي ازاحتها قرارات البرهان عن المشهد واطاحت بها القرارات التصحيحية.

الحس السليم

ولعل تصريحات البرهان جاءت متزامنة مع تصريحات الأمين العام للامم المتحدة, التي شدد فيها على عدم التشكيك في الاتفاق السياسي والقبول به لتجاوز المرحلة الحسّاسة بالسودان، ودعا الأمين العام للأمم المتّحدة انطونيو غوتيريش، الأربعاء، الشعب السوداني إلى تغليب “الحسّ السليم” والقبول بالاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع الجيش لضمان انتقال سلمي “إلى ديمقراطية حقيقية في السودان”، وقال غوتيريش، “أتفهّم ردّة فعل أولئك الذين يقولون, لا نريد أيّ حلّ مع الجيش”, لكن “بالنسبة لي، فإنّ إطلاق سراح رئيس الوزراء وإعادته إلى منصبه هو نصر مهم”، وأضاف الأمين العام “ينبغي علي أن أدعو إلى الحسّ السليم. أمامنا وضع غير مثالي ولكن بإمكانه أن يتيح انتقالاً فعّالاً إلى الديمقراطية، وتوجّه غوتيريش للمعارضين للاتفاق الذي أبرمه حمدوك مع الجيش والذين يواصلون التظاهر في العاصمة خصوصاً للمطالبة بحكم مدني، محذّراً إيّاهم من أنّ التشكيك في هذا الحل حتى وإن كنت أتفهّم سخط الناس، فهو سيكون خطيراً جداً على السودان، كما سبق لحمدوك القول إن “الاتفاق يسمح بالحفاظ على مكتسبات الفترة الانتقالية”.

أن تأتي متأخراً

في السياق, اعتبر المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس لـ(الصيحة) ان تصريحات البرهان جاءت متأخرة, لا سيما وأنها تحمل إجابات على كثير من الاستفهامات التي أعقبت قرارات الخامس العشرين من اكتوبر التصحيحية, واردف لكن أن (تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي)، وقال ان تصريحات البرهان أجابت على الكثير من اسئلة المتابعين للشأن السياسي، وبعض القوى السياسية التي روّجت للقرارات التصحيحية كانقلاب قُصد منه استيلاء العساكر على الحكم، وان ترويجهم خلقت رأيا سالبا أثّر على ردود الفعل في الشارع، وأوضح أن البرهان قطع أمام هذه القوى الطريق بقوله انه لن يترشح للرئاسة وان مهمته تنتهي بانتهاء الفترة الانتقالية، وانتقد في ذات الوقت تأخير هذه التصريحات, موضحا ان القرارات مضى عليها اكثر من شهر وحتى اليوم لم تتشكّل الحكومة ومازال هنالك فراغ تنفيذي بالدولة رغم تعيين الوكلاء من قبل د. حمدوك.

في ذات الوقت, يرى أبو خريس ان تصريحات البرهان تمثل رسائل تطمينات لرئيس مجلس الوزراء د. حمدوك جدية الطرف العسكري لاستكمال الانتقال الديمقراطي، وللشارع تطمئن بأن قيادات الجيش زاهدة في السلطة، وللمجتمع الدولي، واردف ان رسائل البرهان كانت مهمة ومطمئنة.

مُعالجة الربكة

وان كان التصريح الجديد للبرهان والذي نشرته صباح أمس وكالة الأنباء الفرنسية بأحقية كل القوى السياسية المشاركة في الفترة الانتقالية الترشح في الانتخابات المقبلة, إلا أن مكتب رئيس مجلس السيادة نفى تلك التصريحات التي أدت لربكة في المشهد السياسي, وبحسب مكتب رئيس مجلس السيادة فإن ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية حول مشاركة العسكريين في الانتخابات المقبلة ليس صحيحاً.

وشدد مكتب رئيس مجلس السيادة أن وكالة الصحافة الفرنسية أوردت حديثاً مغايراً ومناقضاً لما قاله السيد البرهان، الذي أكد بوضوح أن مشاركة العسكريين في الانتخابات المقبلة غير ممكنة بنص الوثيقة الدستورية.

واشار مكتب البرهان الى انه أشار في الحوار الذي أجرته معه الوكالة، إلى أن اتفاق جوبا أعطى بعض الأطراف استثناءً بخصوص المشاركة في الانتخابات المقبلة وأجهزة السلطة، وذلك في إشارة للحركات المسلحة, بيد أن البرهان لم يشر إلى أي مؤسسات تابعة للجيش أو مؤسّسات الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى