رَحَلَت صفاء 

 

تسبّبت كورونا في مصاعب جمّة على مُستوى دول العالم، وساهمت في انهيار اقتصادياتها، وأدّت إلى انخفاض أسعار النفط وزرعت الهلع في نُفُوس من كانوا يظنون أنّهم في بروجٍ مُشيّدةٍ ويملكون ناصية القوة والبطش.

وكل هذا معروف.
ولكن هنالك أضرارٌ أخرى ألمّت بكثيرين بسببها وأوجاع مُؤلمة تحمّلها البعض ولا يعرفها غيرهم .

وإذا كانت كورونا والإجراءات التي تمّت من قِبل الحكومة السودانية بإغلاق الحدود قَد حَالت دُون عَودة  كَثيرٍ من المَرضى الذين ذهبوا للعلاج بمصر  الى السودان وجعلتهم يَعيشون أوضاعاً مأساوية، فإنّ آخرين أيضاً عاشوا نفس تلك الأوضاع في دُولٍ أخرى، تَحمّلوها وحدهم وكَابدوها وحدهم ولا يعرف مُعاناتهم أحدٌ!!

في صمتٍ، واجهوا ضغوطاً قاسية ولا يزالون في تلك الأوضاع الحزينة والصعبة!!

اسمحوا لي أن أقص عليكم ما عاشه خالي البروفيسور محمد صالح محيي الدين من عَنَتٍ بسبب إغلاق حُدُودنا.. وزوجته هُناك في الأردن تتلقى العلاج.

وتنتقل روحها الطاهرة إلى بارئها وتُدفن بعيدة في أرضٍ غريبةٍ، بعد أن قال القدر كلمته ولا تعرف النفس في أي أرض تموت .

لقد حال إيقاف حركة الطيران دون إعادة جثمانها إلى أرض الوطن.. أرض الجدود.

يقول الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۢ بِأَىِّ أَرْضٍۢ تَمُوتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۢ).

كانت لحظات عصيبة تلك التي عاشها خالي وأولاده وبناته وأهله جميعاً، وجسد من يحبونها يُوارى الثرى بعيداً عن الديار.. بعيداً عن الأرض التي عاشوا فيها.. كل ذلك بسبب الإجراءات التي اُتبعت بسبب وباء كورونا.

داعبتني صفية رحمها الله بمستشفى رويال كير قبل سفرها للأردن واختارت لي عنواناً عريضاً للحياة.. لقد عشت وقتاً ليس بالقصير بمنزل خالي وزوجته صفية بالثورة الحارة 14 والتي يحب خالي أن يُناديها بصفاء طوال الوقت.. وكانت كما عهدتها دائماً بشوشة، حكيمة، مُتأنقة في كل الأوقات.. تحمّلت بصبرٍ عجيبٍ ما سبّبه لها داء السكري من آلام مبرحة لم تستسلم له.. صارعته.. انتصرت عليه مرات كثيرة.. ومع كل آلامها كانت مُحتفظة برونقها وبابتسامتها.. كانت الأقدار أن يكون معها ابنها الطبيب مجاهد الذي منحها (كليته) قبل عامين دون تردُّد فكافأه الله بأن يكون جوارها لحظة الرحيل، وبلا شك هو راضٍ الآن بصنيعه وقدر الله.. هي تصاريف القدر ترسم لوحات حَياتنا وتُزيِّنها كَيف تَشاء وما علينا إلا الصبر الجميل.

كل العزاء لأبنائها وبناتها فرداً فرداً ولخالي البروفيسور محمد صالح محيي الدين الصابر المُحتسب.

فالقدر قال كلمته.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى