وزير الصناعة والتجارة مدني عباس في حوار مع “الصيحة”

 

استجلبنا خبراء أجانب لإعادة التعاونيات

ضرب حلقة الوسطاء أسرع وسيلة لمعالجة انفلات الأسعار

أزمة الخبز متشابكة، والحكومة تدعم الجوال بـ 75% من سعره

وجدنا الوزارة ضعيفة من الناحية الفنية وبموارد قليلة

شرعنا في تنفيذ مشروع عبر منظمات عالمية لدعم الصناعات التحويلية

المنتجون  الحلقة الأضعف ودعم الإنتاج يعني دعم الدولار

 

في زيارته لـ “الصيحة” تحدث وزير الصناعة والتجارة، مدني عباس،  بصراحة عن بعض المشاكل التي تقع في اختصاص الوزارة، مشيراً للبداية وتقييمهم للوضع الداخلي، ثم المشكلات التي واجهتهم موضحًا كيفية معالجتها، وتناول اللقاء، مختلف القضايا من أزمة الخبز وانفلات الاسعار وأداء الحكومة العام وما ستعمل عليه حاليًا من معالجات وغير ذلك ..

رصد: جمعة عبد الله

تصوير: محمد نور محكر

*بدءاً كيف هو وضع الوزارة وهي تجمع بين ملفي الصناعة والتجارة؟

أولًا حتى قبل أداء القسم وزيرًا كنا نأمل في مقابلة الأشخاص الذين لهم علاقة بملف الصناعة والتجارة لتكوين فكرة عامة عنها، لكن علينا التوضيح أن دمج القطاعين أمر شائع حتى عالميًا ونجدها في كثير من الدول التي تتبنى فكرة الدولة التنموية بالربط بين قطاعي الصناعة والتجارة، وقد عبر عن ذلك السيد رئيس الوزراء في أول لقاء أو مؤتمر له، وتحدث عن أهمية أن تأخذ القيمة المضافة في صادرات البلاد الصناعية والزراعية وفي الواردات وفي التصنيع المحلي، وهي نقطة مهمة وتأخذ أهميتها من كون السودان دولة منذ ما قبل الاستقلال وحتى خلال حقبة الاستعمار كانت تصدر منتجات البلاد كمواد خام مثل القطن وظل متحكماً في الاقتصاد السوداني فترة طويلة بعد الاستقلال.

*ولكن ألا ترى أن السودان يختلف عن الدول المتقدمة التي ربطت بين القطاعين؟

هذه حقيقة، لكن لم لا نبدأ المسير ونخطط لذلك خاصة أن المقومات متوفرة وموجودة، ففي فترة الستينيات والسبعينيات كانت هناك حركة صناعية جيدة نسبيًا، كان من الممكن أن تتطور بمرور السنوات، لكننا لم نفعل.. لأن هذه الحركة الصناعية لم ترق لنموذج خلق ثورة صناعية بالمعنى الحقيقي للكلمة مثل كوريا الجنوبية على سبيل المثال، والآن عندما نرى المدى والمستوى الصناعي الذي وصلت إليه كوريا في مجال الصناعة يتضح لنا الفرق رغم ان السودان يتميز بإمكانات ومقومات صناعية أفضل، وهذا يبين لنا أن السودان لم تكن له تجربة عميقة في إدارة الموارد الاقتصادية وتطوير الاقتصاد وكثير من المصانع التي تأسست تعرضت للانهيار والتوقف لأسباب متعددة منها أنها لا تجد المساعدات الفنية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة.

*لهذا دفعنا ثمن هذا التأخر؟

بالطبع.. ونرى النتيجة واضحة تتمثل في أننا نستورد سلعاً ومنتجات صناعية بمبالغ سنوية 11 مليار دولار فيما نصدر نحو 3 مليارات دولار فقط، والفرق شاسع وكبير بين الصادر والوارد رغم أن كثيرا مما نستورده موجود عندنا وبعضه يصدر خاماً ويعود إلينا جاهزاً.

هذه النقطة تقودنا إلى أهمية العملية الخاصة بالتصنيع المحلي الذي ينبغي جعله من أهم الأساسيات التي تركز عليها سياسات الدولة عبر إحلال الواردات في قائمة السلع المستوردة حتى نستطيع تصنيعها محلياً وتمزيق فاتورة استيرادها، وهي فكرة الدولة التنموية القائمة على مركزية الاقتصاد.

*ما المشكلات التي واجهتهكم بالوزارة؟

بالنسبة لوزارة الصناعة والتجارة عندما جئنا إليها عملنا تحليلاً للوضع العام للوزارة، ووجدنا فيها إشكالات مرتبطة بالتجارة الداخلية، لذلك قمنا بإنشاء إدارة منفصلة تتبع لمسألة التجارة الرقابة على الأسواق، وفعلنا قانون حماية المستهلك، وتم إنشاء الجهاز القومي لحماية المستهلك بالتنسيق مع الشرطة، كل ذلك حتى يكون للدولة دور في مسألة ضبط الأسعار ومراقبة الأسواق في ظل الانفلات السائد.

أما داخل الوزارة نفسها فقد وجدنا تحديات بمشكلات مؤسسية فوجدنا وزارة ضعيفة جداً من الناحية الفنية، ومن ناحية الموارد خاصة في جزئية الموارد، كما أن كثيراً من مهامها واختصاصاتها تقوم بها جهات من خارج الوزارة، فشرعنا في استعادة جزء من هذه المهام والمسؤوليات.

*ولكنكم لم تفعلوا شيئاً لتطوير الوزارة خاصة في الجانب التقني؟

هذا غير صحيح، نحن وجدنالإشكالات في الجانب التقني متشابكة، حيث كان العمل بطيئاً فسعينا في اتجاه الحوسبة وقطعنا فيها شوطاً كبيراً بحوسبة عدد من الإجراءات والمعاملات، ومن المتوقع خلال شهور قليلة تكون عملية الحوسبة قد اكتملت تمامًا، وهي عملية مهمة من ناحية تسهيل إجراءات المصدرين والمستوردين ومتابعة المهام، كما أن التكنولوجيا بشكل عام من أهم الوسائل في محاربة الفساد

الإشكال الاكبر كان على مستوى القوانين، فلم يكن هناك قانون للصناعة أي لا يوجد ما يحكم قطاع الصناعة من ناحية قانونية رغم أن هناك قانون تم في العام 2016م لكنه غير نافذ، وكذلك واجهنا مشكلات على صعيد القوانين والسياسات وتداخل الإختصاصات بين مؤسسات متشابهة، علاوة على وجود جهات لا علاقة لها بالعمل التنفيذي في المؤسسات الحكومية مثل الجهات الأمنية، ومن الطبيعي أن نجد موظفين يتبعون للعهد السابق ومتوقع منهم مقاومة التغيير.

*رغم تردي القطاع الصناعي لكننا نجد صناعات كبيرة بالسودان؟

هو أمر إيجابي أن نملك الصناعات الكبيرة، لكن من غير المنطقي أن تفتقر البلاد للصناعات الصغيرة، وتقع كثير من الدول النامية في خطأ كبير حيث تركز اهتمامها على الصناعات الكبيرة متناسية أن الصناعت الصغيرة هي أساس النهضة الاقتصادية، وفي نظري أن الصناعات الصغيرة هي التي تحقق الفائدة للبلاد، ونحن لدينا الإمكانات والمقومات لها حيث تساهم هذه الصناعات في زيادة تشغيل الشباب والخريجين والقوى العاملة عموماً، والسودان بلد غني بالموارد وأهمها المورد البشري “الإنسان”.

*ما هي المعالجات التي شرعتم فيها؟

أصبحنا نعمل بشكل يتناسب مع وضعنا، وأن نوازن بين قطاعي الصناعة والتجارة، ولكن لدينا مسائل أساسية ينبغي أن نفرغ منها أولًا لإتاحة المجال للتطوير وهي تتعلق بالإصلاح في الخدمة المدنية، وبدأنا بتغييرات في ذلك رغم أن هناك من يرى وجوب تنشئة جيل جديد لأن فترة الثلاثة عقود الماضية شهدت خراباً كبيراً جداً في الخدمة المدنية، وكان كثير من العاملين بها لا يشعرون بوجودهم في المؤسسات، والبعض يعاني من حالة إحباط لعدم حصوله على فرصة عمل، حيث إن زيادة سن المعاش أحدثت أثرًا سلبيًا على الخدمة المدنية، وعلى حقوق آخرين في الحصول على فرصتهم في العمل، لذا سعينا لفتح فرص كبيرة للتوظيف.

*لكن الآن هناك انفلات في أسعار السلع لماذا؟

الأسباب كثيرة، منها التناقص في قيمة العملة المحلية، كما أن تضارب المهام والمسؤوليات بين المؤسسات المختلفة سبب في انفلات أسعار بعض السلع المهمة، ومن هنا نؤكد شروع الحكومة جدياً في مكافحة الفساد وضبط الأسواق عبر إنشاء الجهاز القومي للمستهلك وتفعيل قانونه، كما تعمل الوزارة على سن ضوابط تحدد انتقال السلع عبر ضوابط واضحة لمنع التلاعب، والهدف الأساسي هو خدمة المواطن.

*وكيف يمكن معالجة هذا الانفلات؟

إضافة إلى ما أشرت إليه آنفاً لدينا جانب مهم في الوزارة، وهو جانب التعاون وواحدة من الأهداف التي نسعى لتحقيقها في إطار مهام ومسؤولية الوزارة هي استعادة روح التعاون، فحسب إحصاءات وزارة المالية، فان أكثر من ثلثي سكان السودان تحت خط الفقر، ويمكن سد هذه الفجوة عبر الاقتصاد التضامني الذي سيلعب دوراً كبيراً في تخفيف حدة الفقر عبر مسارين، المسار الأول هو الاستهلاكي، والمسار الثاني هو الإنتاجي، وما أعاق ذلك أن الفترة السابقة عانى فيها المنتجون من مشكلات لا حصر لها، ومن أكبر مشاكل المنتجين التي أضرت بهم أنهم لم يكونوا منظمين، وكانوا هم الحلقة الأضعف لذلك نعتقد أنه من المهم تنظيمهم في شكل جمعيات لأن التعاونيات وسيلة مهمة.

أما الجانب الثاني، وهو الاستهلاكي، فهو مهم أيضاً، ولدينا فيه مبادرات سيكون تطبيقها مفيداً، مع ضرورة الانتباه أنه من غير الممكن معالجة كل المشكلات بين يوم وليلة، وهناك مشكلات ترتبط بالانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية، وعدم ثبات سعر الصرف ومشكلات مرتبطة بإصلاحات هيكلية، ولكن هناك حلول أسرع مرتبطة بضرب الحلقة التي ينشط فيها الوسطاء، وهذا سيؤدي لإمكانية وفرة السلع بشكل أكبر لأنها بالفعل موجودة، وفي هذا الاتجاه بدأنا في تشكيل نظام جديد للتعاون واستجلبنا خبراء من خارج البلاد ليساهموا في إعادة تأسيس التعاون بشكله الجديد.

كذلك يمكن الاستمرار في فكرة المعارض الدائمة لعرض السلع للمستهلكين بأسعار المصنع، والدورة الأخيرة لمعرض الخرطوم الدولي كانت تظاهرة اقتصادية مهمة، وقد لمسنا أنه حظي بقبول من الشرع السوداني والمواطنين وتجربة المعرض سواء كانت بالخرطوم أو بالولايات ينبغي أن تكون بصورة دائمة.

صحيح أن النظام السابق حاول أن يعمل في الأسواق عبر مشروع البيع المخفض، لكن لم ينجح حيث كانت التجارب فاشلة، ولم تؤت أكلها، وكان من الممكن أن تقدم التجربة بشكل أفضل، وقريباً من هذه التجربة لو تم تعميم فكرة معرض الخرطوم الدولي على الولايات وتكون بصورة مستمرة ستخفف كثيراً.

*ماذا عن أزمة الخبز؟

أزمة الخبز متشابكة، وهي كصناعة تحتاج لتطوير من ناحية السلامة، وكذلك من الناحية الصحية، لأن صناعة الخبز تحتاج مجهودا كبيراً جداً، وهو سلعة أساسية للمواطن، وفي ما يتعلق بالازمة فهي لا تتعلق بالدقيق فقط، فهنالك حلقات أخرى أي خلل فيها قد يخلق الأزمة، أولاً الدقيق موجود والحكومة تدعم الجوال بـ(75%) من سعره الحقيقي (2250) جنيهاً، حيث يباع للمخابز بسعر (550) فقط، وإن تمعنا في هذه المعطيات يمكن أن نستنتج ان الأزمة تأتي من الحلقة التي يدور فيها الدقيق بين المطاحن والوكلاء والمخابز، وقد تشهد حدوث تجاوزات او إخفاقات.

*لم يلمس المواطن تحسناً في معيشته حتى الآن؟

أولاً، لا شك أن الحكومة هدفها الأساسي هو خدمة المواطن، ولا ندخر وسعا في ذلك، وأقولها بصدق إن تحقيق طموحات وأحلام المواطن لا يعني بالضرورة مواجهتهم بالواقع، الإصلاح السريع لا يتم بين يوم وليلة، لكن الأهم أن الحكومة ساعية لمعالجة اختلالات الأداء الاقتصادي بخطط علمية جادة ومتدرجة، والخطوة الأولى للإصلاح هي تفكيك التمكين وما بعده هي الأصعب، فالإصلاح ليس عملية سهلة.

وهذه المعالجات تحتاج إلى آليات لتطبيق البرامج الإصلاحية وتأخذ وقتاً، وفي هذا الجانب شرعنا في تنفيذ مشروع عبر منظمات عالمية لدعم الصناعات التحويلية للحد من الصادر الخام، وهذه الخطوة أيضًا تحتاج مقومات أخرى لتشابك القضية بين الصناعة والتجارة والزراعة وقطاعات اقتصادية تصدر منتجاتها خاماً، ومطلوب منا أن نتغلب على العقبات، لأن سياسات الإنتاج السابقة، لم تكن منظمة، وبالتالي لم تكن مؤثرة إيجاباً على الإنتاج، وأضاف بأن توجه الحكومة يركز على دعم المنتجين، وتابع: بأن دعم الإنتاج يعني دعم الدولار، وأوضح أن دعم المنتج يكون عبر سياسات محفزة ومشجعة على الإنتاج.

*ألا تخشى أن يخرج الشعب ضد الحكومة؟

مهما كان أداء الحكومة فلا مجال للمقارنة بينها وبين حكومة ما قبل الثورة، من حيث الشفافية والمسؤولية، وبقليل من الصبر يمكن تحسين الوضع، وهنا أثني على الشباب ودورهم في إسناد مؤسسات الحكومة، حيث نرى حجم الدور والأفكار والمجهود الذي يبذله الشباب في لجان المقاومة وعلى المواطنين ألا يتحسسوا من لجان المقاومة، حتى مسار الضغط هو الضامن لإنجاح الثورة، لأن التراخي قد يفشل الثورة.

*ولكنكم رفعتم الدعم جزئياً عن البنزين؟

بدا تطبيق فكرة البنزين التجاري، وهو أحد حلول أزمة الوقود لكن الحكومة ملتزمة بما يليها من مسؤوليات تجاه الشعب رغم أن الموازنة الأولى كانت تتحدث عن بداية رفع تدريجي للبنزين، لكن ما تم الالتزام به أننا التزمنا بعقد حوار مجتمعي هو المؤتمر الاقتصادي، والجهة الشعبية الرافضة لرفع الدعم هي قوى الحرية والتغيير، لكننا نتحدث عن أكبر تحالف سياسي ونقابي ومجتمع مدني، وهم ليسوا بعيدين عن هموم وطموحات المواطنين.

*وماذا عن ملف الانضمام لمنظمة التجارة العالمية؟

الجهود متواصلة في هذا الجانب، لكن حقيقة أن الانضمام لمنظمة التجارة العالمية يحتاج إلى ترتيب البيئة الداخلية ووضع تصور داخلي لدخول المنظومة العالمية، ولدينا خطوات واضحة في هذا المسار نأمل أن نكلل في نهاية المطاف بالنجاح.

*هناك شكوك حول مدى التزام المانحين بتعهداتهم وكذلك تدفقات الاستثمار؟

هناك بشريات إيجابية من نتائج اللقاءات مع المانحين التي شهدت تعهدات بمساعدة السودان، وسنرى نتيجة ذلك قريباً وسيقام مؤتمر للمانحين منتصف العام الجاري، أما بالنسبة للاستثمار فقابلنا عددا من المستثمرين أكدوا لنا أن لديهم رغبة في القدوم للبلاد، لكن حقيقة نحن بحاجة لتطوير البيئة الداخلية من ناحية السياسات والقوانين لجذب المستثمرين، كما أن البلاد حقيقة تعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الخدمات ومشكلات تواجه القطاع المصرفي مما يجعل التحدي أمام الحكومة هو تذليل هذه العقبات وتهيئة بيئة الاستثمار بشكل أفضل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى