سد النهضة.. معارك بلا نهاية!!

تقرير- صلاح مختار
لوّح السودان بالانسحاب من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي في حال عدم تراجع إثيوبيا عن إدراجها تقسيم مياه النيل بين الدول الثلاث.
وأكد وزير الري والموارد المائية ياسر عباس أن بلاده طلبت تأجيل التفاوض في الجولة الأخيرة لمدة أسبوع، للمزيد من التشاور، واحتجاجاً على مواقف إثيوبيا غير الثابت فى مفاوضات النهضة، وأشار إلى أنه تفاجأ بخطاب إثيوبيا بخصوص تقسيم مياه النيل، واصفاً ذلك بالخطير، وأعلن عن تشكيل لجنة لدراسة السيناريوهات المُحتمل حدوثها مستقبلاً، فيما تمسّك السودان باتفاقٍ مُلزمٍ.
مواقف مُتناقضة
وكانت مصر قد أعلنت، أنّها طلبت هي والسودان تعليق الاجتماعات الخاصة بسد النهضة، وسط اتّهامات لأديس أبابا بالمُراوغة. وأفاد بيان لوزارة الري المصرية بأنه «بناءً على مخرجات القمة الأفريقية المُصغّرة والتي عُقدت يوم 21 يوليو 2020 فقد عُقد الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور المُراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي وذلك استكمالاً للمفاوضات للوصول إلى اتّفاقٍ مُلزمٍ بخصوص ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي».
مُحاول مُتناقضة
وتحوّلت المواقف الإثيوبية من خلال الرسالة التي بعث بها وزير الري الإثيوبي إلى نظيره السوداني ياسر عباس، يقترح فيها أن «يكون الاتفاق فقط على الملء الأول لسد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق»، بيد أنّ بياناً صادراً عن وزارة الري السودانية، ذكر أن عباس بعث خطاباً بدوره إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا بشأن التطوُّرات التي شهدها الموقف الإثيوبي خلال الساعات الماضية، ورهن وزير الري (استمرار مشاركة السودان في المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي بعدم الربط ما بين التوصُّل لاتفاقٍ بشأن الملء والتشغيل من جهةٍ، والتّوصُّل لمُعاهدة حول مياه النيل الأزرق من جهةٍ أُخرى)، واعتبر عباس أنّ الرسالة التي تلقّاها من نظيره الإثيوبي (أثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المُفاوضات الحالية والتقدُّم الذي تَحَقّقَ والتفاهُمات التي تَمّ التّوصُّل إليها بما في ذلك تلك التي شملها التقرير الأخير لمكتب مجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في 21 يوليو الماضي)، ورأي وزير الري أن المُقترح الإثيوبي بربط عملية التشغيل والملء بمُعاهدة حول مياه النيل يُمثل (تطوُّراً كبيراً وتغييراً في الموقف الإثيوبي يُهدِّد استمرارية المُفاوضات)، كما عَدّ ذلك خُرُوجاً على إعلان المبادئ المُوقّع بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس 2015، وشدّد على جدية «المَخاطر التي يُمثلها السد للسودان وشَعبه بما في ذلك المخاطر البيئية والاجتماعيّة وعلى سلامة المَلايين من السُّكّان المُقيمين على ضِفَاف النيل الأزرق، وكذلك على سَلامة سد الروصيرص، الأمر الذي يُعزِّز ضرورة التوصل لاتفاق شامل يغطي جانبي الملء والتشغيل»، وأكد الوزير أن السودان (لن يقبل برهن حياة 20 مليوناً من مواطنيه يعيشون على ضفاف النيل الأزرق بالتوصُّل لمُعاهدة بشأن مياه النيل الأزرق).
مصلحة السودان
الموقف السُّوداني بالطبع كانت له مُرتكزاته وأسبابه المُتعلقة بالمصلحة بشكل مباشر، والتي لخّصها أكثر من محلل وخبير مثل خبير المياه عثمان التوم الذي قال للأناضول قبل فترة إن (السودان يرى ضرورة استمرار الحوار بين الدول الثلاث للوصول إلى تَوافُقٍ بشأن السد)، مُضيفاً أنّه يجب إبعاد المُنظّمات الدولية والإقليميّة عن ملف سد النهضة، تفادياً للاستقطاب، على أساس أنّ (90% من القضايا الخلافية حول السَّد بين الدول الثلاث تَمّ التّوافُق بشأنها، وبالاستطاعة إيجاد حُلُول لما تبقى من قضايا خلافية).
موقفٌ مُغايرٌ
ويرى مراقبون أنّ السر وراء التّحوُّل في موقف السودان يرجع بالأساس للتعنت الإثيوبي على الأرجح، وهو ما عبر عنه المفكر السياسي المصري مصطفى الفقي، الذي قال في لقاء تلفزيوني إن السودان تبنّى موقفاً مُغايراً في أزمة سد النهضة وتحوّل تماماً، لأنه يخدم مصالحه، وإن التعنت الإثيوبي “استفز أطرافاً كثيرة”، بالتالي هل التهديد بالانسحاب هي الخطوة الوحيدة للضغط على إثيوبيا؟ كثير من المراقبين يرون أن كل دولة لديها من الكروت التي سوف تستخدمها خلال الفترة المقبلة من أجل تمتين موقفه.
تشغيل السد
ويقول الخبير الاستراتيجي في مجال المياه شرف الدين أحمد حمزه، إن إثيوبيا بمطالبتها ربط اتفاق تشغيل السد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق، تُحاول إثبات ملكيتها للنيل الأزرق لاستخدام تلك الخطوة في القانون الدولي، لأن هنالك تسعيرة مُعترف بها في البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقال لـ(الصيحة): سبق وحذّرت الحكومة السابقة من القضية الكبيرة وجذورها التاريخية، وإن إثيوبيا تلعب الآن بهدوء حتى تصل إلى ما تُريد، وأشار إلى أن الاتفاق الثنائي لمياه النيل التي وُقِّعت في العام 1958 بين مصر والسودان كانت قد أثارت حفيظة الإمبراطور الإثيوبي هايلي سيلاسي وقتها، وقال إنّ الاتفاقية اتجاه للتغوُّل على المياه الأفريقية، وأضاف مقولته المشهورة (إن إثيوبيا هي المالك التاريخي للنيل الأزرق) ثم أرسل رسالة غاضبة إلى سكرتير الأمم المتحدة، وقال رغم أن المقولة مضى عليها الزمن إلا أنها أصبحت مُتوارثة على الإدارات السياسية التي كانت تعمل في التنسيق لإثبات هذه الملكية، بيد أنّه أشار إلى اتفاقية 1992 بين إثيوبيا وبريطانيا نيابةً عن السودان للإمبراطور الإثيوبي منليل الثاني، حيث تعهّد فيها بعدم إقامة أية منشأة على النيل الأرزق أو بحيرة تانا أو السوباط.
تجزئة الاتفاق
بيد أن مراقبين يقرأون من وراء السطور، أن التطور الجديد في الموقف الإثيوبي يمثل تهديداً للمصالح السودانية والمصرية. وقال مصدر لـ(الصيحة)، إن إثيوبيا تريد تجزئة الاتفاق ولا تريد أن يكون شاملاً، وقال إن إثيوبيا كسبت الوقت وأدارت ملف سد النهضة بالطريقة التي تُريدها وحسب مصالحها، والآن أصبحت عملية ملء سد النهضة واقعاً لا يُمكن أن تتباكى عليه الدولتان مصر والسودان، ولكن التطور الجديد في إرادة إثيوبيا التي تطمح في إدارة النيل الأزرق بالطريقة التي تريدها، بل إنها تريد إعادة كل الاتفاقيات السابقة، ورأي أن الطريقة التي تتعامل بها إثيوبيا مع الملف جعلت السودان يرسل مخاوفه الى العالم وإبلاغه بالتهديد الذي ظل الناس تتحدث عنه، وقال انّ الانسحاب لن يكون السيناريو الأوحد، وهنالك طرق كثيرة دبلوماسية وسياسية يُمكن أن تلجأ اليها الدولتان من أجل حمل المفاوض الإثيوبي للتوقيع على اتفاق شامل وليس مُجزأً باعتبار أنّ مياه النيل مسؤولية كل الأطراف وليس هبة فقط لإثيوبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى