تسلل اللاجيئن للمدن.. بحثٌ عن فرص أفضل أم استيطانٌ مدروسٌ؟

الخرطوم: محجوب عثمان
أبدى الكثير من القيادات في شرق السودان، تخوفاً من تغيير ديمغرافي سعى له النظام البائد، وأشاروا لمنح الجنسية السودانية لمئات الآلاف من الإريتريين وتوطينهم في شرق السودان، وقد اظهرت ازمة اختيار والي كسلا صالح عمار جزءا كبيرا من تلك الازمة، خاصة عندما طالب الناظر محمد الامين تِرِك بأهمية مراجعة الأوراق الثبوتية والارقام الوطنية التي تم منحها في الشرق خلال سنوات الإنقاذ.. تخوف قيادات الشرق ربما نتج عن محاددة الإقليم لدولتي إريتريا وإثيوبيا اللتين مرتا بظروف حروب طويلة منذ الحرب العالمية الثانية حتى حرب تحرير إريتريا ومن ثم حرب التيغراي الحالية، فضلاً عن التداخل القبلي بين السودان وإثيوبيا من جانب والسودان، وإريتريا من الجانب الآخر، ما جعل السودان قبلة منذ عشرات السنوات لهجرات لجوء كبيرة اقيمت لها العديد من المعسكرات على مر السنوات.. لكن اللافت ان مسؤولي معسكرات اللجوء بدأوا يتحدثون عن حالات تسلل كبيرة للاجئين، خاصة ممن هم في اعمار صغيرة الى المدن واندماجهم في المجتمع، ما يفتح الذهن عن تساؤلات وأسباب تسرب اللاجئين وما إن كانت عمليات توطين ممهنجة ومخططا لها.
هروب القُصّر
كشف موسى آدم الثاير مدير مركز الأطفال القصر وغير المصطحبين مع والديهم بمعسكر الشجراب في محلية ود الحليو بولاية كسلا عن وجود حالات هروب جماعي وتسرب للأطفال بصورة تكاد تكون أسبوعية بمعدل 10 ــ 12 حالة، ولم يستبعد ان تكون هناك شبكات إتجار بالبشر تقف خلف هذا الأمر لتهريب الأطفال إلى الخرطوم، وأوضح ان يوم 29 من اغسطس الماضي شهد هروب 29 طفلاً، ولفت الانتباه الى أن اغلبهم من الاريتريين وبصورة اقل من الصوماليين والإثيوبيين، وطالب الجهات الرسمية العمل معهم على وضع حدٍّ لتسرب وهروب هؤلاء الأطفال، خاصة أنهم بعد كل عملية هروب يقومون بعمل الإجراءات الرسمية المتبعة في مثل هذه الحالات مع الجهات ذات الاختصاص، لكن للأسف لم تتوقف تلك عمليات الهروب والتسرب.
وصول الخرطوم
أمس الأول، اعلنت شرطة ولاية الخرطوم ضبطها (17) امرأة أجنبية اثناء محاولة تهريبهن الى داخل العاصمة الخرطوم، وقالت ان النساء دخلن متسللات سيراً على الأقدام الى داخل ولاية الخرطوم بعضهن عبر المعبر 4 الدبيبة وأخريات عبر المعبر 5 ود عجيل بقطاع شرق النيل، ولفتت الى انها ألقت القبض على 80 فرداً من ضحايا الإتجار بالبشر خلال أقل من شهرين.
وتعد هذه الحالة هي الثانية من نوعها في أقل من شهرين، ففي يوليو من هذا العام تمكّنت إدارة مكافحة التهريب من تحرير (63) فتاة من ضحايا الإتجار بالبشر وضبط كميات من خزن الأسلحة بولاية القضارف شرق السودان مع الحدود بين إثيوبيا وإريتريا.
وفي يناير الماضي، تمكنت الادارة العامة لمكافحة المخدرات بولاية القضارف من تحرير(77) من ضحايا الإتجار بالبشر من الاجانب بمحلية القلابات الشرقية ليرتفع العدد منذ يناير الى سبتمبر الجاري الى 157 ضحية، جلهم من النساء.
وقبلها، تمكّن فريق من الشرطة من تحرير 14 ضحية من الرجال و63 ضحية من النساء جميعهم أجانب كانوا في طريقهم الى الخرطوم.
تاريخ
معسكرات اللاجئين في ولايتى كسلا والقضارف ضاربة في عمق التاريخ، إذ يوضح مدير معسكر أم قرقور مصطفى أنور أن المعسكر تم إنشاؤه عام 1976 لاستقبال اللاجئين الإرتيريين إبان الحرب التي كانت تخوضها إريتريا للانفصال من اثيوبيا، واشار الى انه يستضيف اليوم 13 ألف لاجئ، 97% منهم إريتريون. وفي منحى آخر، لم يستبعد التاج النور محمد مدير إسكان اللاجئين في كسلا إعادة فتح كل المعسكرات المغلقة على مستوى الولايات الشرقية، لافتاً إلى أن عددها تسعة، بجانب توسعة المعسكرات القائمة الآن حال استمرار الحرب التي انفجرت نوفمبر من العام الماضي بين التيغراي وحكومة آبي احمد في أديس.
تدفق
استقبل السودان منذ نوفمبر الماضي حوالي تسعين ألف لاجئ إثيوبي لينضموا لأكثر من ربع مليون لاجئ اثيوبي مسجل رسمياً، وتقديرات بوجود اكثر من مليونين من غير المسجلين.
وفي ولاية القضارف يوضح عبد المنعم عثمان أحمد من معتمدية اللاجئين بالولاية لـ(الصيحة) أن ازمة التيغراي في اثيوبيا دفعت لهم بعشرات الآلاف من اللاجئين، موضحاً العدد الكلي للاجئين الذين وصلوا الى القضارف الى اكثر من 45 ألفاً، بيد ان الذين تم حصرهم وتسجيلهم 44.875 لاجئاً، منهم 21,265 في معسكر طنيدبة و20,563 في معسكر أم راكوبة، ولا يزال 3057 في معسكر القرية 8 الذي يتم فيه استقبال اللاجئين قبل ترحيلهم للمعسكرات.
تسلُّل
ولم يستبعد المهندي عبد المنعم ان يكون هناك تسرب، لكنه اشار الى انه سيكون بصورة أكبر في معسكرات كسلا، بينما الأمر في القضارف مختلف نوعاً ما، إذ أن هناك من يأتون من الإثيوبيين لمزاولة مهن او العمل كعمالة في المشاريع الزراعية ويعودون وربما يبقون في السودان وهؤلاء لا يتم تسجيلهم، فضلاً عن ان معسكرات القضارف لا تزال جيدة ولا يستطيع احد ان يوضح عن عدد من تسللوا للداخل، على اعتبار ان الأمر يحتاج لرصد طويل حتى يتم حسابه، ونفى عبد المنعم ان تكون الهجرة منظمة من واقع أن الذين يدخلون بهدف العمل يكونوا من كل العرقيات من التيغراي والأمهرا والولكاييت والقمز، لافتا الى ان ذلك لا ينفي ان تكون هناك اجندة للبقاء في السودان.
تخوف
ولم يستبعد مراقبون أن تكون الهجرة منظمة ومدروسة، سيما وان الذين يحاولون الفرار الى داخل السودان والاندغام في المجتمع السوداني من الشباب الذين ينتظر أن يكونوا أسراً في السودان ويذوبون في المجتمع، لافتين الى أن ظروف الحياة المعيشية الآن افضل سواء في إريتريا أو في إثيوبيا، ما يؤكد ان الدخول بزعم اللجوء ومن ثم التسلل لداخل المدن عملية ممنهجة ومدروسة ومخطط لها بعناية، واستشهد الخبراء بوجود 120 من الجيش الإثيوبي ممن يعملون ضمن قوات يوناميد كانوا قد طلبوا اللجوء السياسي في السودان كونهم من التيغراي، موضحين أن لا ضامن لانتمائهم على اعتبار أنهم يمكن أن يكونوا نواةً لخلية نائمة، سيما وأن بينهم ضباطاً وضابطاً برتبة عقيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى