المعارضة والسلطة.. الإعلام البديل والإعلام الأصيل

الأسافير.. حلبة الصراع الأخيرة…. هل من آليات لمجابهتها؟

الخرطوم: آيات مبارك

تفتقت آليات الواقع الراهن لتنز بأصوات مناوئة للإعلام الحكومي، عبر تطبيق الفيس بوك والذي أتاح للعديد من الجهات المعارضة للحكومة بأن تضع بصمتها عبر (خدمة البث المباشر) والتي استخدمها العديد من الناشطين في الأحداث الأخيرة عبر ملاسنات وردود أفعال كان لها أبلغ الأثر وسط العديد من مرتادي مواقع التواصل بل وتعداه إلى الساسة الذين صار الكثير منهم يرهن بعضاً من وقته لرؤية الواقع من زاوية أخرى . تلك الخطوة التي أشاد بها العديد من المراقبين للأوضاع، بعد أن أصبحت مواقع التواصل هي الثغرة الضيقة التي يرى بها المسؤولون مشكلات الواقع الراهن عبر (العين السحرية) بعيداً عن أسوار مديري المكاتب وتلك النظارات الملونة التي يضعها على أعينهم أقرب المقربين .

(1)

السوشيال ميديا.. دولة قائمة بذاتها

وكان الوزير الشاب إبراهيم الميرغني – وزير الدولة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أوائل المتواصلين عبر صفحته على الفيس بوك ومن بعده تواصل الكثيرون إلى أن فوجئ المتفاعلون كثيراً وتوقفوا كثيراً عند تغريدات رئيس مجلس الوزراء معتز موسى الذي ألقى بتصريحاته على قارعة منصات التواصل الاجتماعي عبر (تويتر) و(واتساب) باكراً ولم تشغله عنها سوى الأزمات الأخيرة ليعود مجدداً بأنه ليست لديه علاقة بصفحته على (الفيسبوك) منذ فترة وأن هنالك شخصاً ما قام بتهكير حسابه، وفور ذلك أعلن رئيس الوزراء عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد منتحلي اسمه فيما أوضح مدير مكتبه بأن معتز لم يدون أي منشور منذ التاسع من ديسمبر الماضي مما يعني أن هنالك اهتماماً واضحاً من مؤسسات الدولة الرسمية بالإعلام البديل.

(2)

مواقع التواصل… بث مباشر للواقع

وعن خدمة البث مباشر، فقد استعان بها مجدداً عبر الأحداث عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانين (محمد ناجي الأصم) عبر موقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك) وأخرى كان قد ألقاها (لايف) رئيس حركة العدل والمساواة عبد الواحد محمد نور والعديد من الجهات المناوئة للنظام. التي استعانت بتوصيل رسائلها عبر خدمات الفيديو عبر تطبيقي (تويتر) و(فيس بوك)، وقد عزا مراقبون تلك الحلول إلى البحث عن آليات قد تقودهم إلى وصول أصواتهم من أجل جمع أكبر حشد لتوصيل رؤاهم المختلفة، ويظل الحكم والفيصل في ذلك هي عدد المشاركات واللايكات، فيما أشار البعض إلى أنها لا تعد سوى منفذ إلى بعض الجهات التي ليس لها وجود رسمي على أرض الواقع، وشدد آخرون بأن ما حدث لم يكن سوى نتاج لنكوصهم عن الدور المعهود.

(3)

الهاشتاق .. تنافس محموم بين فريقي الحكومة والمعارضة

أكثر من عشرين يوماً، ولم تضع حرب الهاشتاق أوزارها منذ تضاعف الأزمات الاقتصادية التي كانت الحادي على مواقع التواصل بين فريقي الحكومة والمعارضة أو فلنقل المتأثرين من كافة المتأثرين من تداعي الأزمة الاقتصادية، فقد ارتفع (تريند) # مدن_ السودان _تنتفض، وحاز على أعلى تفاعلات خلال شهر ديسمبر الماضي على تطبيق (تويتر) الذي يجد تفاعلاً عالياً في منطقة الشرق الأوسط، فيما كانت هنالك حرب شعواء بين هاشتاق (#تسقط_بس) الذي كان أبرز أنواع الأسلحة الذي استخدمته فئات الحراك الشعبي في ديسمبر منذ خواتيم العام الماضي ووفقاً لذلك آثر مناصرو النظام الحاكم الوقوف على هاشتاق(# تقعد_ بس) باعتباره رد فعلٍ موازياً ابتداءً من شهر يناير الحالي.

(4)

الأحداث.. أيقونات ملهمة

هنالك العديد من الصور التي تداولها مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي جاعلين منها صوراً ملهمة للأحداث الأخيرة، الا أن هنالك الكثير من المراقبين أكدوا بأن تلك الصور غير كافية لإحداث حراك واضح وأنها لا تعدو سوى (جعجعة) دون طحين، طالما أن هذه الأيقونة لا تأتي من إجماع كافة القوى السياسية، فيما أشار ناشطون إلى أن هذه الصور تعد الدافع الحقيقي بل ومثلاً يحتذى للعديد من الحالات الشابة التي ظهرت على الواقع الراهن . باعتبار أن تطبيق (الفيس بوك) أصبح المنصة الرئيسية للمعارضين لأغلب الأنظمة، بل وحلبة الصراع التي يطول أثرها والأكثر تفاعلاً وجذباً.

(5)

الواقع الأسفيري.. حرب تدور رحاها على السطح

هذه الحرب التي تدور رحاها على سطح الواقع الإسفيري بين وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل الناشطين وجبهة المواقع الحكومية التي تمثل الدولة وبالرغم من الرمزية المثلى التي تشير إليها هذه الوسائل الإلكترونية، إلا أن هنالك بعض الاتهامات المتبادلة قوبلت بالنفي من جانب الطرفين، فقد أكد العديد من الناشطين ورواد مواقع التواصل بأن عمليات تهكير المواقع الحكومية قد تمت من خارج الوطن، فيما عللت الحكومة ذلك النفي بأن ما حدث لا يعد سوى أعطال تعرضت لها بعض المواقع، فقد أكد مركز المعلومات أن ما حدث لا يعد سوى مشكلة في شبكة بيانات وليست عملية تهكير، في الوقت الذي لم يستطع فيه أغلب الأفراد من الدخول للعديد من المواقع المهمة وكانت قد أعلنت وزارة الإعلام والاتصالات في الشهر الماضي بأنها تصد حوالي 200 محاولة اختراق لمواقع حكومية على شبكة الإنترنت يومياً. وما يؤكد صدق المهتمين حديث نائب المدير العام للمركز القومي للمعلومات التابع لوزارة الاتصالات سؤدد محمود، إن 90% من جرائم المعلومات تتم من خارج السودان.

(6)

الكواسر.. تطبيقات تتجاوز الحجب

يحدث كل هذا وقد مر ما يقارب العشرين يوماً على إغلاق بعض وسائل التواصل الاجتماعي بالبلاد التي تعرض أغلبها لحجب مفاجئ منذ عشية الخميس 20 ديسمبر، وفي مقدمتها فيس بوك الذي يعد الأكثر استخداماً إضافة إلى (واتساب) و(تويتر)، وصحب ذلك بطء في خدمات الإنترنت ولم يتمكن رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الدخول إليها إلا بعد استخدام تطبيقات تجاوز الحجب أو ما تسمى بـ(كاسر الحجاب) ممثلاً (في بي إن )، وفي ذات الوقت اشتكى العديد من المشتركين من البطء الشديد الذي تعاني منه شبكة الإنترنت في مختلف الشركات. وواجه مشتركو شركة (زين)على الأخص صعوبات بالغة في خدمات التراسل الفوري على أجهزة الهواتف المحمولة.

(7)

شركات الاتصالات .. النفي التام

من جانبها نفت شركة زين للاتصالات حجب بعض المواقع، وقال العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة زين الفريق الفاتح عُروة إن قرار حجب الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي هو قرار حكومي اتخذته السلطات لأسباب تخصها، لافتاً إلى أن القرار وقع على كل الشركات الأربع العاملة بالبلاد، وبدأ تنفيذه بشركة زين قبل باقي الشركات ربما لأنها أكبر شركات الاتصالات بالبلاد، وأنها تحوز على أكبر نسبة من المشتركين. وهذه المواقع الآن محجوبة عن مشتركي كل المشغلين لشركات الاتصالات بالبلاد وليست حصراً على زين، وقال إن زين هي المتضرر الأكبر من حجب المواقع، إذ أنها فقدت ١٥ بالمائة من مجمل حركة الإنترنت اليومية نتيجة حجب هذه المواقع، وفي الوقت الذي لم تعلن فيه وزارة الاتصالات «رسمياً» وقف الخدمة، وأردف على ذات النفي، رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح عبد الله قوش الذي أكد أن جهاز الأمن ليس مع حجب مواقع التواصل الاجتماعي، ويدعو للوجود في قلبها والتفاعل معها لهزيمة الأكاذيب وتوضيح الحقائق، وقال “الحجب ليس من اختصاصنا وإنما مسؤولية آخرين، وهناك نقاش دائر ربما وصلنا فيه لمعالجة. فيما قال وزير الإعلام والاتصالات وتقانة المعلومات بشارة جمعة في حديثه عبر (قناة سودانية24) إن أدوار وزارته تنظيمية إشرافية وإن هناك مشكلة دولية يعود إليها سوء خدمات الإنترنت.

وحينها تداول ناشطون تغريدة على تويتر نسبت إلى أحد موظفي شركة الاتصالات منذ الأيام الأولى للحجب تغريدة يوصي فيها المواطنين بشراء رصيد إضافي للتعامل عبر الرسائل القصيرة بدلاً من مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن قد لا تجدي وسائل الرسائل القصيرة في التعبير عن الاحتجاجات نسبةً لاستخدام الكثير من الناشطين والمدونين العديد من الصور والشعارات في حملاتهم لإسناد المحتجين والتي كانت أغلبها مستوحاة من الاحتجاجات الأخيرة.

(8)

قراءة أولى … أثر الحجب والكسر

وعن ذلك يقول الناشط محمد المجتبى حسين لـ( الصيحة) إن أغلب الناشطين والمهتمين بمجريات الأحداث الآن قد انتبهوا لإنزال برنامج VPN، مبكراً وأن الغالبية الآن يتابعون الأخبار والمعلومات عبر “فيسبوك” بصورة اعتيادية. مضيفاً بأن الخروج للتظاهر تم بشكل عفوي وليس لوسائل التواصل دور في الأيام الأولى للتظاهر خلاف بعض الحماس الذي دب في نفوس الناشطين من خلال الصور والفيديوهات . فيما أضاف المهندس والناشط وائل منصور بأن الاحتجاجات التي خرجت يوم الثلاثاء 25 ديسمبر كان للتنسيق داخل مواقع التواصل أثر كبير، وذلك عبر رفع الشعارات وتحديد الأماكن إضافة إلى صور المتظاهرين التي أحدثت حراكاً كبيراً.

فيما أكد الباحث الاجتماعي وليد فضل، معلقاً على الفوارق والبنية العمرية التي نشأت تحت تأثير مواقع التواصل بأن حياتهم لم تتم في الواقع التقليدي لذلك فإن من البديهي أن لا تصنع آلياتهم وفق العالم التقليدي، وإنما تدار من العالم الافتراضي الذي وسع مساحة المشاركة السياسية الشيء الذي أحدث تغييراً في ثوابت الذهنية السياسية بعيداً عن الأحزاب السياسية وزعمائها التقليديين في الغالب الذين هم بعيدون بالطبع عن موقع فيس بوك تحديداً الذي كان بمثابة الرحم الذي تخلقت فيه أجنة أغلب الثورات .

(9)

رؤية مغايرة… قراءة من زاوية أخرى

أصبح الإنترنت معتركاً معلوماتياً رئيسياً لقراءة نسبة الالتفاف الحكومي والاحتجاج الأهلي لاسيما بعد أن أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن ارتفاع عدد مستخدمي شبكة الإنترنت بالسودان إلى أكثر من 13 مليون مستخدم، بعد دخول مليوني مشترك جديد للشبكة عبر الهاتف السيار، ليرتفع معدل الاستخدام عبر الجوال بنسبة 5,5 بالمئة في العام 2018. هذه الإحصائيات قد وردت خلال مناقشة تقرير أداء الوزارة للنصف الأول من العام 2018. ومن زاوية أخرى وحسب الإحصائيات العالمية فإن
مع حلول سنة 2018، صار عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم هو 2.62 مليار مستخدم. وهو رقم مرشح للتضخم والنمو بشكل أكبر في السنوات المقبلة، بحيث سوف يصل إلى أكثر من 3 مليارات مستخدم في أفق 2021. فهل يا ترى سيكون لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً في إحداث حراك على أرض الواقع؟

(10)

السودان.. الربيع العربي

عندما اندلع الربيع العربي صادف ذلك انخراط أغلب الشباب داخل العالم الرقمي، وأن 98% من أوقاتهم يتم داخل منصات التواصل الاجتماعي وكانت انتفاضات الربيع العربي أبرز المنعطفات التاريخية التي عرفها العالم العربي، بل وتعد علامة فارقة في التاريخ الراهن التي وصفها ورقته المؤرخ المغربي إبراهيم القادري بوتشيش في ورقته عن (أثر شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير السلوك والعقليات: الربيع العربي نموذجاً) مؤكداً أن وسائل التواصل قد تمخّضت عنها جملة من التغيرات في السلوك الاجتماعي، وتحوّلات في الذهنية بفضل ما أحدثته الثورة الرقمية وأصبحت أحدث وسائل لإنتاج الوعي وإنتاج مبادرات الاحتجاج، وميداناً لإبداع الأفكار ودحض بعض المسلّمات، وأضاف بأنها ولّدت ثقافةً جديدة غيّرت أنماط سلوك النضال السياسي والاجتماعي، فقد صار نشطاء هذه المواقع يتبنّون سياسة التغيير السلمي، أو ما يعرف بالتغيير الناعم، كاستراتيجية لإزاحة الأنظمة، بديلاً عن نظريات العنف المتمثل في الانقلابات العسكرية، والعنف الثوري الدموي المستوحى من النظريات اللينينية – الماركسية، وهي النظريات التي هيمنت على فكر وتوجهات أحزاب اليسار، والشارع العربي خلال العقود الأخيرة في معظم الدول العربية، مضيفاً بأن هذه التجمعات المليونية نحتت شعاراً سلمياً جديداً تعكسه عبارة “سلمية سلمية”، وكانت تتخللها استعراضات فنية وموسيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى