واشنطن والخرطوم.. قديمٌ مُتجدِّدٌ!!  

 

تقرير- نجدة بشارة

حَازَ ملف رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب على الاهتمام الدولي والإقليمي قبل المحلي، بسبب الرغبة الجارفة في دعم التحول الديمقراطي المدني وإنجاح الثورة الشعبية السلمية التي شكلت نقطة تحول سياسي استراتيجي، وفرصة لاندغام السودان في المجتمع الدولي تماهياً مع التحول السياسي الديمقراطي المناهض للإرهاب عالمياً، ولما كان التماهي الاقتصادي أبرز العقبات المتمخضة عن العقوبات، حاز الملف على اهتمام كبير من قبل إدارتي الخرطوم وواشنطن منذ العهد البائد، فبعد سلسلة من التعاون الناجح بين الخرطوم وواشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، رأت واشنطن أن تثيب الخرطوم على هذا التعاون من خلال رفع القيود على المعاملات التجارية فى العام 2017، واستبشر المواطن السوداني بالقرار آنذاك كونه يفك الخناق الاقتصادي على البلاد، الا أنه اصطدم بحائط الانهيار في النظام المصرفي السوداني وخلو الخزينة من العُملة الصعبة والعقوبات الأمريكية التي تحد من نشاط الاستثمار بسبب صُعوبة تحويل الأموال عبر النظام المصرفي العالم وخُضُوع عددٍ من القطاعات والسلع والخدمات لعقوبات الحظر، إلا أن تجديد الأمر في هذا التوقيت يطرح جملة من التساؤلات، أبرزها هل يلمح تجديد القرار لقرب رفع البلاد من القائمة السوداء، وهل يعد خطوة استباقية لمؤتمر المانحين المنعقد بالرياض؟ أم كوة أمل جديدة للمستثمرين الأمريكيين في السودان؟

ما وراء الحدث

وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، قد أعلن في بيان، رفعه القيود عن تعاملات الأمريكيين المالية مع السودان، وأنه لم يعد يحظر على الأشخاص الأمريكيين الانخراط في معاملات فيما يتعلق بالسودان أو حكومته والتي كانت محظورة سابقاً بموجب لوائح العقوبات الأمريكية.

وقال البيان إن الإجراءات المفروضة بموجب إعلان الطوارئ الوطنية بشأن السودان في الأمر التنفيذي رقم (13067) لا تزال سارية، وأضاف أن هذا الأمر التنفيذي تمت توسعته في 2006م ليشمل العنف في منطقة دارفور، وذكرت وزارة الخزانة أن السودان ما زال على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن هناك قيوداً على التصدير وإعادة التصدير إلى السودان، كما لا تزال هناك عقوبات على أفراد متورطين في نزاع دارفور، فيما تفاءل مراقبون بأن الخطوة ستساعد الخرطوم على تخطي الصُّعوبات التي تُواجهها بسبب هذا النوع من التقييد على المُعاملات.
إصلاحات للنظام

واعتبرت وزيرة المالية السودانية، هبة محمد علي، أن بلادها لا تستحق أن تكون على قائمة الإرهاب، مؤكدة أن الخرطوم أجرت إصلاحات للنظام المصرفي وحركة تتبع الأموال.

بالمقابل، سبق وعبّر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الشهر الماضي، عن رغبته في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واعتبر أنّ الانتقال السلمي الذي تعيشه البلاد يمثل فرصة تاريخية، وأشار بومبيو أكثر من مرة إلى أن وزارة الخارجية تأمل في إزالة التصنيف الذي يعيق بشدة الاستثمارات في السودان، لكن  برزت خلافات بين البلدين على خلفية حزمة تعويض عن تفجير السفارتين الأمريكيتين عام 1998، واعتبر بومبيو أنّ سقوط نظام عمر البشير عقب تظاهرات حاشدة ومرور نحو عام على تعيين حكومة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، يمثل فرصة لا تتكرّر كثيراً.

قَديمٌ مُتجدِّدٌ   

الناطق باسم وزارة الخارجية السفير د. حيدر البدوي قال لـ(الصيحة )، إن فك الحظر تم منذ العام 2017م، وإن هذا يأتي في إطار تحديث المنشورات الصادرة عن وزارة الخزنة الأمريكية التي تؤكد أن السودان لم يعد خاضعاً لعقوبات اقتصادية شاملة، وان القوانيين الأمريكية لم تعد تمنع الأمريكيين من التعامل مع السودان أو حكومته، وهذه يشير إلى أن العلاقات في الطريق الصحيح.

وقال الخبير الاستراتيجي للعلاقات الدولية السفير  الطريفي كرمنو لـ(الصيحة)، إن القرار قديمٌ متجددٌ، ولا أتوقع أن تظهر فعاليته في هذا التوقيت،وذلك لأن الأثر الاقتصادي الهش في السودان سوف يضعف مردود القرار، ويرى أن الأجدى كان أن تحدد الحكومة الأمريكية سقفا محددا للمانحين لمساعدة السودان مثلاً مليار أو نصف حتى يعطوا الفرصة لتحسين الاقتصاد.

تردد وعوائق

وأردف: لكن تجديد القرار بصفة مجردة من أي إضافات يظهر صفة التردد من قبل الحكومة الأمريكية وان نظرتها تجاه السودان لا تحمل جديداً، وتلاحظ مؤخراً أن عدداً من مؤتمرات المانحين انعقدت لمساعدة السودان، وهنالك مؤتمر أصدقاء السودان بالسعودية، لكن رغم ذلك لم يظهر أي أثر واضح. وقال إن أمريكا مازالت تمارس لعبة التصريحات وتضرب لفظ القريب العاجل كموعد وهمي ومبهم لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكان يجب أن تحدد سقفا زمنيا محددا كضرب موعد بالعام القادم أو حتى بعد عامين، واردف: حتى قرارات بومبيو امام الكونغرس لم تظهر نتائجها للعيان وذهبت أدراج الريح. وقال إن موقف امريكا يبدو واضحاً، حيث سبق واعلنت عن رغبتها في تحسين علاقاتها مع الخرطوم عند زيارة حمدوك لواشنطن، وان ترسل سفيرها الى السودان، لكن حتى هذه اللحظة لم تبعث بسفير دائم للسودان وهذا يظهر عدم جديتها في التعاون، لذلك أرى أن العلاقة مع امريكا مازال يشوبها التردد والعوائق.

تشاؤم

وعبر المحلل الاستراتيجي السفير أبو شامة، عن تشاؤمه من تجديد قرار سبق إقراره منذ الحكومة السابقة، وقال لـ(الصيحة) إن إعادة تجديد القرار يشير إلى أن أمريكا لا تحمل جديداً في نواياها للسودان، وبالتالي أعادت هذا القرار استباقاً لتجديد وضعه في قائمة الإرهاب مجدداً، واعتبر البيان اسعافياً، وأن البنوك الخارجية رافضة أو متحفظة في تعاملها مع السودان لجهة علمها بالظروف الاقتصادية وتتخوّف من العقوبات الأمريكية تجاه السودان ولا تتوقع اي فوائد لها من فتح التعامل معه، وبالتالي فإن المصارف الأجنبية غير مهتمة للتعامل مع المصارف السودانية. وقال: أرى أن الحكومة السودانية تُواجه عقبات جادة في عدم دفع الغرامات المفروضة عليه من قبل ضحايا كينيا وتنزانيا، وصحيح ان موضوع المدمرة كول تم حسمها، لكن ما زالت هذه القضية تُشكِّل عقبة كؤود، ولابد من إجراء تسوية أو دفع هذه الغرامات، وأردف: إن مؤتمر الأصدقاء كان فرصة للطلب من السعودية بطرق غير مباشرة أن تساهم مع السودان في دفعها، خاصةً وأنّ السُّعودية لديها التزامات مالية سبق ووعدت بها السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى