د. خالد فرح يكتب : إلى الجهاد الأكبر؟؟

الغريب في الأمر أن العالم أجمع فى انتظار أن يفتح السودان أبوابه للاستثمار والمستثمرين بعد أن بهرهم بثورته العظيمة، ولكن أهل السودان غير راغبين في ذلك، ثورة ضخمة قدمت أنبل وأجمل شباب هذا الوطن تتمخض في حكومة كسيحة ومجلس عسكري معاق في كل شيء.

غبت عامين كاملين عن السودان فكنت أكثر تفاؤلاَ بعد اندلاع الثورة وكان لدي شعور بأن هذه البلاد ستكون قبلة لأنظار  العجم والعرب، وحتى الغربيين ناهيك عن المهاجرين من أبناء البلد. إذا وجدتها لا تصلح لا لإنس ولا جن.

رجعت ووجدت كل شيء في غير مكانه، كل الأزمات التي تركتها الإنقاذ تكاثرت بل تحولت لكوارث، لدرجة أن أصبح الإنسان في وطنه لا يعي  بما يدور من حوله. ودخل المواطن في حالة توهان لما أصابه من ضيق عيش وفقر وجوع، تتلمسه في أوجه المارة.

هناك العديد من الفرص التي لاحت الآن للخروج بالبلاد من كبوتها، إللهم إلا إذا أبى المجلس العسكري، والحكومة الانتقالية وهي بحسب تقديري بمثابة الفرصة الأخيرة، للطرفين وعليهم وضع النقاط على الحروف والعبور بالفترة الانتقالية، إن العملية برمتها تحتاج الى تعاون من الطرفين في مجمل القضايا ولا يصلح اللعب على الحبال وسياسة الكيد، واتهام كل طرف للآخر بالتقصير والفشل.

ما يتاح الآن للسودان من فرصة لم تتح له من قبل في علاقاته مع المجتمع الدولي، الكونغرس الأمريكي أجاز قانون استعادة الحصانة، رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأجاز أيضاً قانون الاعتمادات المالية. بالإضافة ألى أن مجلس الأمن أنهى ولاية بعثة اليونميد في دارفور, بمعنى أننا في مرحلة سيادة كاملة يجب أن نلتقط الفرصة وننتقل ببلادنا الى مرحلة تستحقها البلاد وشعبنا الصابر.

على كل، حال أنا واحد من الناس الذين يراهنون على أن السودان سيعبر أكثر من رئيس مجلس الوزراء حمدوك حمدوك نفسه، بدليل أن كثيرا من المستحيلات تحققت الآن في عهد الثورة. هذه الثورة بإذن الله لن تهزم  وستحقق مبتغاها يوماً ما، ولكن على أصحاب الثورة الحقيقيين عدم الرهان على  حكومتنا الانتقالية الكسيحة.

أصحاب المصالح والأغراض دائماً، دائماً ما يراهنون على قتل ثورتنا بتصوير أن ما يعيشه الشعب الآن كان الأفضل حكم البشير يريدون أن يبحثوا لهم عن موطئ قدم مرة أخرى بإفشال حكومة الفترة الانتقالقية ونقول لهم لن تعودوا بإذن الله وسيعود الوطن ملكاً لشعبه وليس لفئة استأثرت بالمصالح وباعت الغالي والرخيص (حتى الجواز السوداني). قال أفضل حكم البشير إلى الجحيم أنت ومن تفضل).

سأظل أكون أكثر تفاؤلاً وتشجيعاً لكل من له بصيص رغبة فى نهضة وبناء هذه الأمة. وأقولها بالصوت العالي بأن السودان سيعود رغماً عن (الحفر) الذي تمارسه حكومتنا نفسها ضد العباد والبلاد.

وما يحمد لله أن كل ما غلقوا الفرص  تتفتح على البلاد بركات من السموات والأرض، وانفتاح السودان على المجتمع الدولى للأسف الكثيرون لا يرغبون أن تقوم لهذه البلاد قائمة ولكن بحوله، وببركة شهداء هذه الثورة، سنقول لهم تعبنا يا صديق ولكن لا أحد يستطيع أن يستلقي اثناء المعركة، الرحمة والمغفرة (للشهيد عظمة).

على حكومة الثورة أن تبقى على قدر المسؤولية، وتضع عينها على مفاتيح اللعب التي تمكننا من الاستفادة، من رياح عودة السودان للمجتمع الدولة.  وذلك بتهيئة الضوابط وسن التشريعات، وقبل ذلك بأن تملك الشعب السودانى التطورات أول بأول، وتبلغ عن مكان (الحفر والدفن). أما الصمت على سياسات بقايا الإسلاميين، يعتبر بمثابة شراكة لهم، ولا يعفي من المسؤولية بالفشل.

جميع الأمم من حولنا نهضت، بدليل أن من شاركنا في بناء دولتهم  يعملون الآن على هدم ثورتنا من أجل إضعافنا ومن ثم الحصول على مواردنا بالمجان، وللأسف يتم ذلك بمساعدة أبناء وطن لا ينظرون إلا لمصالحهم الضيقة.

لا أحد يستطيع أن يفسر في هذا التوقيت الذي حاولت قواتنا المسلحة استعادة أراضينا فى الفشقة من الإخوة الإثيوبيين، ليس هناك من الحكمة ولا من العقل أن تفتح جبهة حرب فى هذا التوقيت خاصة وأن اثيوبيا مقتنعة بالحل الدبلوماسي وليست منكرة لملكية السودان للفشقة.

في هذا التوقيت ونحن لا نستطيع أن نقدم خبزاً للمواطنين من أين تلك الميزانية، ولا وقود للمواطن بل ولا حتى حقنة ودربات لمريض. اللهم الا إذا كانت حرباً بالوكالة قصد منها تشتيت الجهود، وإرضاء أطراف أخرى تسعى إلى قتل الثورة، ولكن هيهات. فتعريف الجهاد الأكبر هو ليس استعادة الفشقة وإنما  هو فتح المسامات للوطن حتى يتنفس، ونقله إلى مصاف الدول الكبرى، الجهاد الأكبر هو العمل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما دمرته الإنقاذ، الجهاد الأكبر، هو أن نلتفت لما يحتاجه المواطن والوطن. فحيا على الجهاد بالحفاظ على علاقات حسن الجوار واتباع الحل الدبوماسي وألا سنمضي في نفس الطريق الذي كانت تمضي فيه الإنقاذ والتي لم تترك جارا ولا حبيباً لم تعاديه حتى أصبحت كالنار أكلت نفسها عندما لم تجد ما تأكله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى