(فطومة).. رواية جديدة عن زواج القاصرات “2 ــــــ 2”

للكاتب السوداني الشاب مهند رحمة

 

 

رؤية نقدية: محمد جادين

“فطومة” رواية جديدة للكاتب السوداني الشاب مُهند رحمة، جديرة بالقراءة والتوقف في محطتها، حتماً هي إضافة لا خصم في سفر الروايات السودانية، وإن كانت حولها العديد من المُلاحظات في بنية النص والسرد، تبدو منطقية لتجربة كاتب في بداية مشواره، أتت الرواية في “186” صفحة من الحجم المتوسط، في طبعة أنيقة صدرت عن دار “أوراق” بالقاهرة.

تكملة

في الجزء الأول من الرؤية النقدية لرواية “فطومة”، توقفنا عند “الحبكة” الأساسية للقصة ومحورها  “زواج القاصرات” القضية الشائكة، وصوّرها الكاتب في شخصية المجنونة التي تعرضت لتجربة زواج مريرة قادتها لحافة الجنون، وأصبحت لاحقاً ضحية للاستغلال الجنسي من الطامعين والمراهقين.

الغرباء

في الباب الخامس من الرواية في فصله الأول “الغرباء” تصاعدت عقدة النص بظهور شخصيات جديدة رئيسية في مسرح الأحداث، فظهر “أحمد” وصديقه “المجهول” بطل القصة الثاني الذي تحدث عنه الكاتب بضمير المتكلم بحرفية عالية ليربط القارئ أكثر بالنص، ولكنه أمسك عن اسم الشخصية الأساسية التي تدور حولها أحداث الرواية، ما أضعف النص، وعندي تُعد هذه النقطة قاصمة ظهر للرواية لأن الشخصية الأساسية التي تتحدث عن كل التفاصيل وتبحث عن خبايا القرية وتحكيها “مجهولة”، ولا يعرف القارئ بطل روايته ومفتاح أسرارها وكاشف حقيقة “فطومة” لغز القصة.

انتقال

وقُبيل أن يُكمل الكاتب الفصل الأول “الغرباء”، كشف عن مكان أحداث الرواية وحدّدها في المنطقة  المُمتدة بين “ود مدني وسنار” في واحدة من القرى المشاطئة للنيل.

“طريق سنار ــ مدني يؤجج ظهر إطارات البوكس المُتهالك.. أشعر بلسعة برد خفيفة وأشتم رائحة مُنعشة لأمطار على وشك الهطول”.

واحدة من عقد الرواية انتقال بطل القصة وصديقه من الخرطوم للاختباء في إحدى قرى سنار هرباً من بطش الحكومة وجهاز أمنها الدموي نتيجة لنشاطهما السياسي في الجامعة، تبدو الفكرة مقبولة جداً أفلح الكاتب من خلالها في الانتقال من مكان مألوف لمكان آخر مختلف لسبر أغوار “القرية” والتنقيب عن قصة فطومة المجنونة محور الرواية.

حضرة الصول

في الباب الثاني من الرواية المُسمى بـ “حضرة الصول”، يتعمق مهند رحمة أكثر في حياة القرية وتفاصيلها ويكشف عن شخوصها وحياتهم وأحلامهم البسيطة وأمسياتهم ومشاكلهم الاجتماعية، والفضائح المكتومة والأسرار المُتداولة في الخفاء والمعلومة بالضرورة للعامة كحال القرى التي تعرف الأسرار.

وفي مشهد صغير رسم الكاتب لوحة شاملة عن الحياة في القرية “في الصباح تبدو الحلة نشطة بعد أن غسلتها الأمطار .. البيوت الطينية متراصة بلا انتظام  تحت سفح الجبل.. شوارعها ضيقة تتلوى كالثعابين يحيطها النيل شرقاً والحقول والمقابر جنوبا، وتمتد الأرض الخلاء شمالاً وغرباً بلا نهاية.. كل البيوت حوائطها قصيرة لا تستر عوراتها، هذه بيوت لا تحتوي على أي أسرار ولا تنغلق على أبوابها مفتوحة للجميع كأحضان مومس شبقة”.

يغوص مهند رحمة في تفاصيل القرية وينتقل من مشهد إلى آخر ليعرفنا على شخصية سيد أحمد الشايقي المعرف بـ “حضرة الصول” الذي سمى به الكاتب الفصل الثاني من الرواية، دكان “الصول” الذي تبدو أرففه شبه فارغة يُعد مكاناً للأنس أكثر مما هو متجر كعادة أهل القرى، سيد أحمد الشايقي هو واحد من مفاتيح أسرار القرية من خلاله يتعرف “بطلنا المجهول” على تضاريس القرية الاجتماعية والنفسية، ومعه يمتد الحكي إلى أن يعكس الكاتب صورة أخرى “رويداً رويداً تنطفئ فوانيس الجاز عبر طاقات البيوت الطينية والليل يضرب في التوغل، ويرتفع صوت صراصير الحقل وصوت  طقطقة الماكينة البعيد من على الشاطئ .. لم يعد في الحلة شخص مستيقظاً سوانا.. يقص على حضرة الصول خاطراً مضحكاً فأضحك”.

وينتقل بنا الكاتب إلى مشهد آخر وصورة من صور الحلة المألوفة وعوالمها  “السرية والمفضوحة” في آن واحد .. بيت “نفيسة الفدادية” بائعة “العرقي”  والمشاريب الروحية عندها يلتقي بطل القصة بأصدقائه الجدد  في الحلة “محجوب” و”الطيب” بجانب رفيقه “أحمد”.

ويتقمص بطلنا المجهول روح الحلة ويصبح واحداً منها ومن تفاصيلها يقضي الأمسيات بين دكان الشايقي وبيت “الفدادية” ومن ثم يبحث عن “متنفس” كغيره من أهل الحلة فيجده عند “المجنونة” فطومة عاهرة القرية غائبة العقل.

حاول مهند رحمة في نهاية الرواية أن يسوق عدداً من المبررات ويحشد الكثير من الصور ليصل إلى حقيقة أن جريمة “زواج القاصرات” المُنتشرة في الريف إذا لم تقد ضحيتها إلى “الجنون” كما حال “فطومة” بطلة الرواية، فيمكن أن تخلق واقعاً معقداً له تداعياته الاجتماعية والنفسية والصحية، وهي محاولة جريئة لكاتب شاب متمكن من لغته، حاول أن يُعالج واحدة من القضايا الاجتماعية محل النقاش بعد الوعي المتصاعد في المجتمع مؤخراً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى