قناع واشنطن.. السقوط عمداً

 

التوصية العاجلة للكونغرس بتعيين سفير لدى السودان.. قدمت قبل عام ونصف العام

فريق ملف السودان بمجلس الأطلسي: الأهمية الحيوية للسودان في الاستراتيجية الأمريكية كبيرة

الخرطوم: إنعام عامر

جدلية العلاقة مع واشنطن لا تكاد تقودنا إلى نقطة ..تفاصيل الملف يمكن لساستنا أن يخضعوها إلى كل المقاربات.. ربما توصل إلى نقطة يمكن فهمها.. إلى ذلك تبدو قاعدة الاستناد واضحة بما يكفي.. وتلك القاعدة هي دلالة لمفهوم واحد ووسيلة واحدة ظلت واشنطن ترددها تحت وفوق الطاولة.. (مصالحنا)، ثم (أولوياتنا).. هكذا مصالحنا وهذا وضعكم في أولوياتنا.. على ذلك النحو وضعت واشنطن استراتيجيتها تجاه الملف السوداني.. ولا انفكاك في الأفق غير وعود مؤجلة باسم المؤسسية. علينا أن نقرأ التاريخ إن شئنا.. لن يشفع تغير الحكومات ولا الأنظمة.. ما تطمع فيه واشنطن أبعد من ذلك.. كبح المارد، وإحكام الأقفال.. عند وصولنا تلك النقطة يمكننا فقط التدبر في الخروج.. ملفات عديدة معتقة هي سياسات مورست علينا تحت كل المسميات.. نميري وحرب النفط ، الديمقراطية الثالثة ووقف المعونة، ثم الإنقاذ ومكافحة الإرهاب.. والانتقالية وتمديد لائحة الطوارئ!

توصية خاصة

كشف تقرير أصدره فريق عمل أمريكي خاص بالسودان، قبيل بدء المرحلة الثانية من الحوار الأمريكي – السوداني العام  الماضي، عن توصيات دقيقة وعاجلة للجهاز التشريعي والتنفيذي بواشنطن توصي بأن ترسل الولايات المتحدة سفيراً أكده مجلس الشيوخ إلى السودان في أسرع وقت ممكن.

وفي الوقت نفسه، يوصي السودان بإجراء سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك تهيئة بيئة مواتية أكثر للمشاركة السياسية، وتعزيز حماية حقوق الأقليات، والالتزام بفرض عقوبات على كوريا الشمالية، والقضاء على التشوهات الاقتصادية.. الفريق المعني يتبع لمجلس الأطلسي، ودفع بتلك التوصيات في مارس من العام 2018م.. في جلسة خصصت للتمهيد للمرة التالية من الحوار الأمريكي السوداني. وكانت التوجهات دعم الطاقم الديبلوماسي للسفارة الأمريكية بالخرطوم عبر تعيين سفير بعدما تم سحبه منذ العام 1997م.

مصالح واشنطن المحضة حتمت عليها ذلك، إلا أن التغيرات السياسية التي أفضت إلى عزل البشير حالت دون إكمال تلك الترتيبات التي من بينها تعيين سفير لدى الخرطوم بشكل عاجل. وحسب معد التقرير “فإن الكثيرين في واشنطن يتفقون على ضرورة وجود مرحلة تالية من العلاقات مع الخرطوم، لكن القليل منهم يتفق على ما ينبغي أن تتضمنه تلك المرحلة”.. وينظر هنا بحذر تجاه السياسة التي يتبعها الرئيس ترامب تجاه الملف السوداني، ووجهت إليه انتقادات كبيرة من مصممي تلك السياسات بشأن انشغاله بقضايا داخلية من بينها قضايا واتهامات وجهت إليه وملفات خارجية من بينها ملف إيران وكوريا الشمالية والحرب التجارية مع الصين والملف السوري، بينما تم إهمال الملف السوداني، وحذروا من فقد السودان كحليف في المستقبل.. من ذلك المنظور يمكننا إرجاع قرار تمديد حالة الطوارئ بشأن الملف السوداني، استناداً إلى تلك الخلفية، إلى انشغال ترامب وإلى وضعية السودان في سلم الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.. ويلاحظ أن لغة المصالح الأمريكية هي التي تتصدر أعلى أجندة طاولات النقاش داخل غرف صنع القرار في واشنطن دون النظر إلى فظاعة الانتهاكات الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوداني جراء تمديد تلك اللوائح العقابية وما خلفته من فقر ومرض وارتفاع غير مسبوق في كلفة المعيشة.

الأهمية الإستراتيجية

السلوك الأمريكي تجاه الملف السوداني يدفعنا إلى البحث في دفاتر واشنطن عن مدى الأهمية الحيوية للسودان في الاستراتيجية الأمريكية. وحسب فرق عمل أمريكية خاصة معنية بالسودان في أحد مخازن الفكر الأمريكي، فإن للسودان أهمية خاصة لدى واشنطن ما أجملته تلك الفرقة بالقول إن”حسابات أهمية السودان الاستراتيجية بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا والشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب لم يكن مبالغاً فيها”.

واعتبر تقرير دفع به مجلس الأطلسي الذي يعتبر من أهم مراكز دعم صنع القرار في واشنطن، أن “الموقع الجغرافي الفريد للسودان يضعه في صلب العلاقة بين العالمين العربي والإفريقي ويتمتع بروابط سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة مع الشرق الأوسط، وبنفوذ في شرق إفريقيا، حيث تشكل التوترات مع مصر وإثيوبيا على نهر النيل، وأزمة الخليج المستمرة، والحرب الأهلية في جنوب السودان، والفوضى في الصومال وصفة ضارة لعدم الاستقرار. وبالتالي فإن السودان مهيأ للتأثير – إيجابًا أو سلبًا – على المنطقة المضطربة”.

وحسب تقرير الأطلسي، فإن من مزايا السودان بوصوله إلى البحر الأحمر عن طريق ساحله الطويل ومركز العبور في بورتسودان، كما أنه شريك رئيسي في جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب للتصدي لتهديد (تنظيم الدولة)، في حدود مائتي ميل مع ليبيا المضطربة ونحو ثمانمائة ميل من الحدود مع مصر، وهما دولتان، حسب التقرير، تحتفظ الولايات المتحدة بمخاوف أمنية وطنية خطيرة تجاههما.

سباق المحاور

وتخشى واشنطن من انفراد روسيا والصين بالتموضع في السودان، إلى ذلك، أوصى فريق العمل الأمريكي المختص بالملف السوداني، ألا يترك السودان في آخر الأولويات، في إشارة إلى الملفات الساخنة لدى صناع السياسة الأمريكية.

وفي هذا الخصوص يرى فريق العمل الأطلسي أن إدارة ترامب ركزت السنة الأولى على النقاط الساخنة الدولية مثل إيران وسوريا وكوريا الشمالية، بينما تتغلب في الوقت نفسه على جو داخلي مضطرب بشكل متزايد. ولفتت إلى أنه “وسط مثل هذه الأولويات المتنافسة البارزة، هناك خطر من أن تترك المشاركة مع السودان على (المحارق الخلفية). واعتبر المعنيون بالملف السوداني أن أي تأخير في بدء المرحلة الثانية من الحوار مع الخرطوم من شأنه إعطاء الفرصة للمنافسين، في إشارة إلى كل من روسيا، الصين وتركيا.

ظلت هموم واشنطن الرئيسة هي إبعاد البلاد عن كل من روسيا والصين، والاستحواذ به حليفاً كلياً. وظل ذلك الملف هاجساً لدى الدوائر الأمريكية منذ منتصف القرن الماضي، عندما أبدت واشنطن قلقها من تسابق الصين في الترحيب باستقلال السودان في العام 1956م.. وسارعت بعد عامين فقط  من إعلان استقلال السودان إلى توقيع اتفاقية المعونة الأمريكية مع الفريق عبود، بعد عشر أيام فقط من استلامه السلطة في 17 نوفمبر 1958م… ومنذ ذلك الحين ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتربص بالسودان الدوائر بغية إحداث اختراق كامل في الملف بما يتماشى ومصالحها استناداً إلى تقديرات ارتبطت في الفكر السياسي الأمريكي مباشرة بأهمية السودان في محيطيه العربي والأفريقي.

للقصة بقية

ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بالسودان القطر الأفريقي العربي بشكل لافت منذ بدايات القرن الماضي، عندما زار الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت السودان في العام 1910م. كانت تلك الزيارة الهامة للغاية في دفتر البيت الأبيض، نقطة الانطلاق، ورغم أنها جاءت في إطار رحلة صيد إلى أفريقيا، الا أنها كشفت عن وجه العم سام . فقد تحدث روزفلت مطولًا في خطابه أمام الإرسالية الأمريكية بالخرطوم بتاريخ السادس عشر من مارس من ذلك العام مطالباً السودانيين بالولاء الكامل للحكومة الاستعمارية.. وكان للدعوة التي وجهها القس الأنجليكاني غردون للكنيسة المشيخية المتعددة في أمريكا في العام 1908م لزيارة البلاد، دور في لفت نظر الساسة في واشنطن إلى السودان ومقدراته.. ومميزات وضعه الجيو استراتيجي.. لا تنتهي التفاصيل عند ذلك الحد، للقصة بقية.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى