حديث السبت..قراءة في أحداث الأسبوع

حديث السبت

قراءة  في  أحداث  الأسبوع

*حميدتي .. صعاب  واستهداف  من الشريك  السياسي

*لجنة  تحقيق  فض الاعتصام  في امتحان  الضمير   الأخلاقي  والمصلحة  السياسية

*لماذا  تهاجم  قوى الحرية والتغيير  شريكها  العسكري  وتتربص  به؟

عندما  تمت  تعبئة  القوات  الصومالية  في عهد  الرئيس  الصومالي  الأسبق  سياد بري  لتحرير  إقليم  الأوغادين  الذي  تحتله  أثيوبيا، اعتبر  الشعب  الصومالي معركة  الأوغادين  بمثابة  معركة  وطنية  قومية  لاسترداد أرض  مغتصبة  وكرامة  مهدرة  لشعب  كريم،  وحينها كانت  المعادلة  الدولية  تميل  لصالح  أثيوبيا  التي  تقودها  نخبة  من الضباط  الشيوعيبن  بقيادة  مانغستو  هايلا  مريام.

الجنود  الصوماليون  اعتبروا  معركة  الأوغادين  تحريراً لشهادة  لصالحهم  في  مواجهة  الطغاة  المغتصبين، وقبل  أن تخوض  القوات  الصومالية  معركتها  صدرت  التوجيهات  من القيادة  العامة  للجيش  الصومالي  بالانسحاب  من الأوغادين  قبل  تقديم  مبررات  لماذا  الانسحاب  ومن  وراء  مثل  هذا القرار؟

وفي القصر  الرئاسي  بمقديشو  انفتحت  الاتصالات  بين  سياد بري  وعديد من  العواصم  الغربية من  واشنطون وبون وباريس  والقاهرة  وكل  الاتصالات  تطالب  الرئيس  سياد  بري  بالانتظار ووقف  التصعيد  مع أثيوبيا  ولم يقدر  القادة  الصوماليون  أن الجيوش  حينما  تستعد  لخوض  معاركها  الكبيرة  لا  تتراجع  بيسر  ومجرد  عودة  الجيش  الصومالي من إقليم  الأوغادين  انقلب  على سياد  بري،  وتمت  الإطاحة  به  وسقطت  الدولة  الصومالية  منذ  ذلك  الحين  ولم تتذوق  نسيم العافية  حتى اللحظة.

التاريخ  له  أحكامه  وعبره  ودروسه  والعاقل  من اعتبر  بعبره  والغافل  من ظن  الأشياء  هي الأشياء

خلال  الاجتماعات  المشتركة  لقادة  حكم  بلادنا  من مجلس  سيادة  ومجلس  وزراء  ومعهم  ممثلون  لقوى  الحرية  والتغيير  تم  تسريب  لبعض  ما جرى  داخل  تلك  الاجتماعات  عن قصد  أو  بدون  قصد   تم  انتقاء  فقط  حديث  الفريق  محمد حمدان دقلو  حميدتي  عن وضعية  القوات  السودانية  التي تقاتل  في اليمن،  وجاء  في التسريب  أن عشرة  آلاف  من المقاتلين  في  اليمن  انتهت  مدة  قتالهم  هناك  وسيعودون للخرطوم  من غير تعويضهم  بقوة  بديلة،  وهذا  يعني  عملياً  انسحاب  القوات المسلحة  السودانية  من حرب  اليمن،  مثلما  فعلت  دولة  الإمارات التي سحبت  قواتها من اليمن واحتفظت  بوجودها  في   التحالف  الذي  تشكل  من أجل  استعادة  الشرعية  في  اليمن.

لكن  الإمارات  العربية المتحدة  تختلف  جوهرياً  عن السودان،  حيث  تملك  ابوظبي  المال  الذي  قد  يعوض  البندقية  المقاتلة  بينما  لا يملك  السودان  إلا  قوته   العسكرية  ومقاتليه  على الأرض.

لكن  هل  قرار  سحب  قواتنا  المقاتلة  في اليمن  يمكن إقراره  من خلال  اجتماع  للمجلس  السيادي ومجلس  الوزراء؟ أم هو  قرار  شائك  وصعب  يتخذه  السودان  بعد  تشاور  مع الشركاء  الإقليمين  والدوليين  والنظر  في مصالح  البلاد وخسائرها من العملية السياسية  بالغة  التعقيد.

صحيح  أن قوى الحرية والتغيير  وبعض  الأحزاب  خارجها  ظلت  تنتقد  بصورة  علنية  مشاركة  السودان  في  حرب  اليمن، وتطالب  بسحب  القوات المسلحة  من هناك  لا حرصاً على الدم  السوداني ولا غيرة  على القضية،  ولكن  هناك  من يسعى  لابتزاز  المكون  العسكري  في التحالف  الحاكم  والضغط  على الفريق  محمد حمدان دقلو  عضو المجلس السيادي،  وهؤلاء  يتوهمون  أن قوات  الدعم السريع  وقيادتها  مستفيدة  بصورة  فردية  من هذه  المشاركة  التي  ينظر  إليها البعض  نظرة  عنصرية  جهوية  مقيتة،  كيف نسمح  لهؤلاء  الناس  بالاستفادة  من عائد  المشاركة  في  الحرب  والبعض  ناقم  على حميدتي  من أتباع النظام  السابق  الذي  سقط  حينما  تخلى  عنه  الدعم  السريع  وتركه  في  السهلة  !!

ولكن  هؤلاء  لم يقدر  أي منهم  مصلحة  البلاد  الحقيقية  في  دعم الشرعية في اليمن ورد  الجميل لدولتي  المملكة العربية السعودية  والإمارات  العربية  المتحدة  أكبر  داعمين  للسودان  في محنته  الحالية،  ولم ينظر  هؤلاء  للعائد  الذي  يدعم  اقتصاد  السودان  من المشاركة  والتغيير  الكبير  في  حياة  ملايين  الأسر  خاصة  في أقاليم  السودان  الغربي  الذي  يشكل  أكثر  من ستين  في  المائة  من المقاتلين  في  الجيش  والدعم  السريع،  وقد  تبدلت  حياة  الأسر،  وأقبل  الشباب  نحو  الدعم السريع  من أجل  مأمورية  واحدة  لليمن  تبدل  حياته  وأسرته  من شظف  إلى رغد في العيش  ومن أسباب  انحسار  الحرب  في دارفور أن الشباب  انفتحت أمامهم مصادر  دخل  جديدة  ومغرية  عوضاً  عن التمرد  والحركات  المسلحة  .

ضغوط  على حميدتي  

* من غير  وعي بدأت  قوى  الحرية والتغيير  الضغط  على شريكها  العسكري  لإرغامه  على أن يصبح  صورة  منها  والحملة  الإعلامية  التي  صاحبت  جهود  قوات الدعم السريع  للتخفيف  عن الأوضاع  المحتقنة  بالولايات،  بعد  انقضاء  فصل  الخريف  وتقديم قوات  الدعم السريع  خدمة  كبيرة  للقطاع  الصحي،  ولكن  قوى الحرية والتغيير  لم يعجبها  نشاط  شريكها  وتربصت  به  وانتقدت  حتى منسوبيها  في المجلس  السيادي  الذين  شاركوا  في  تدشين  الحملة  الصحية  ووجهت  إليهم  انتقادات  عنيفة  في  وسائل  الإعلام  لا لشيء  سوى  مشاركتهم  في  الحملة  الصحية، واعتقد  البعض  بأن  الفريق  محمد حمدان دقلو  يسعى  لكسب  سياسي  على حساب  الآخرين،  مع أن أي  كسب  شعبي  هو  بالطبع  لصالح  النظام  الحاكم  بمكونه  المدني  والعسكري،  وقوى الحرية والتغيىر  لم تستوعب  بعد  أنها  والمجلس   السيادي  وحميدتي  والبرهان  في  مقعد  واحد  إذا  هوى  النظام  وسقط  لن يسقط  على رأس  حميدتي  وحده،  ولم تجد  الخطوة  الإنسانية  التي  أقبل  عليها  حميدتي  بنقل  المواطنين  مجاناً  بسيارات  الدعم  السريع  لتخفيف وطأة  شح  المواصلات  حتى الإشادة  والدعم  من قوى الحرية والتغيير،  رغم  أن الحملة  قد  نجحت  وتم تنفيس  الاحتقان  الذي  تعاني  منه  الخرطوم، وساهم  بعض أصحاب  المركبات  الخاصة  في نقل  المواطنين  مجاناً تأسياً  بقدوة  الدعم السريع.

كل  هذه  الفضائل  لم يعرها  الشريك  التفاتة،  وأخذ  يبخسها  ويشكك  في جدواها  وكأننا  في مسرح  من العبث  واللهو  واللعب.

فإذا  غضب  حميدتي  وقرر  سحب  قواته  من اليمن،  فإن  آلاف  المقاتلين  الذين  كانوا  ينتظرون  فرصتهم  في  الذهاب  لليمن  يعتقدون  بأن  حكومتهم  قطعت  أرزاقهم، وقطع  الأرزاق  مثل  قطع  الأعناق  كما  كان  يردد  الشهيد  الراحل محمد  طه  محمد  أحمد  في مقالاته  بصحيفة  “الوفاق”،  وفي ذات  الوقت  تفقد  قوات الدعم السريع  الكثير،  وهي  التي  شرفت  السودان  خارجياً، وأظهرت  بطولات  جعلت  الجميع  يشيدون  ببسالتها  في  خوض  غمار  المعارك.

إن والضغوط  على حميدتي  تفتقر  إلى الأخلاق  وروح  الشراكة  والمسؤولية  ،وقد  صبر  الرجل  كثيراً  على شركائه، ولكن  في كل  يوم  يتمادى  الشريك  بوعي  ومن غير وعي  في حفر  جدول  عميق  للفصل  بين  الشريك  المدني  والعسكري.

حلفاء  متشاكسون  !!

*ظل  المكون  العسكري  للحكومة  الانتقالية  أكثر حرصًا  على استقامة  الحكم  وحسن إدارة  البلاد  حتى حلول  الانتخابات  بعد  ثلاثة  أعوام من الآن،  إلا  أن المكون  المدني  سعى  حثيثاً لتفجير  مشكلات  ووضعها  كعقبة  أمام  الحكومة  الانتقالية، وأولى العقبات  محاولة  تفجير  صراع  ديني  وطائفي  بتبني  الفكر الجمهوري  لإقناعة  به، ولا  رغبة  في سطوته،  ولكنهم  يحاولون  إعادة  عقارب  الساعة  للوراء  عشرات  السنين،  وبعث  الفكر  الجمهوري  الفاسد من كهوف  النسيان،  والزج  به  لمحاربة  الإسلام  الحركي  الوسطي،  وشغل  الساحة بصراعات  انصرافية  حتى تحكم  “قحت”  وهي  مستلقية  على أكتاف  العسكر،  وحاولت  في ذات  الوقت  ضرب  العلاقة  الحسنة  بين  المكون  العسكري  ودول  الخليج من خلال  بعث  فكر  آخر  مندثر،  وإحياء  حزب  البعث العربي الاشتراكي  الصدامي  الذي  تورط  في حرب  الكويت  والإساءة  لدول  الخليج العربية، وجعلت  قوى الحرية والتغيير  من حزب  البعث العربي الاشتراكي  المشرف  على قطاع  الكهرباء  في  السودان  ووزارة  الحكم  الاتحادي  ومنحته  مقعداً  في  المجلس  السيادي،  في الوقت  الذي  لا وجود  للبعث  في الشارع،  مثلما  كان  في أبريل  ١٩٨٥ ورغم  ذلك  حينما  جرت  الانتخابات  حصل  على  صفر  كبير  جداً،  وقد  لا يفارق  مربع  الأصفار   مرة  أخرى،  ووجود  البعث  العربي الاشتراكي  والحزب  الشيوعي  والجمهوري  في سدت  الحكم  وإثارة  القضايا  الخلافية  الدينية،  جعلت  الحكومة  كأنها  تصارع  من أجل  إقصاء  الدين  من  الحياة  العامة،  وذلك  ما يضع  الشريك  العسكري  في موقف  لا يحسد عليه  وجميع  المكون  العسكري  في المجلس  السيادي  مشهود  لهم  بحسن  الخلق  والتدين،  ولا يعرف  عنهم  نزعة  علمانية  أو  إلحادية،  وعندما  وقف  مجلس  الوزراء  بأكمله  سنداً وعضداً  وتحيزاً  لوزيرة  الشباب  التي  تخوض  معركة  قانونية  مع مواطن  اسمه  عبد الحي يوسف  وجد  العسكر  أنفسهم  مضطرين  لإعلان  حيادهم  في المعركة  التي  أشعلتها  الوزيرة  البوشي،  ومضى  في دربها  وزير العدل  الذي  لا يخفي  توجهاته  نحو  علمنة  الدولة .

وقوى الحرية والتغيير  عندما  تخوض  مثل  هذه  المعارك  وتتربص  بشريكها  العسكري  وتمضي  في طريق  وضع  السيف  في عنق  العسكر  من خلال  لجنة  التحقيق  الخاصة  بمعرفة  الضباط  والجنود  المتورطين  في  فض  اعتصام  القيادة  العامة،  وقد  شكل  رئيس  الوزراء  عبد الله حمدوك  لجنة غير  مستقلة  وموالية  لقوى الحرية والتغيير  يترأسها  المحامي  نبيل  أديب،  وهو  قانوني  ومثقف  ومحامٍ  عرف  بالنبوغ  والاعتدال،  لكنه  ناشط  سياسي  في قوى الحرية والتغيير،  وبالتالي  هو  طرف  صاحب  مصلحة  في إدانة  خصوم  التحالف  الذي  ينضوي  تحته،  وصاحب  مصلحة  في  تبرئة  القوى  التي  ينضوي  تحتها  من تهمة  التواطؤ  مع الذين  قتلوا المعتصمين  في رمضان،  وقد  تناثرت  الاتهامات  لبعض  قادة  الحرية والتغيير  بأنهم  وقعوا  على ورقة تبيح  للعسكر  فض  الاعتصام  بالقوة  الجبرية، فهل  ما يصدر  من لجنة  نبيل  أديب يمكن  أن يقنع  مزارعاً  في جزيرة  تنقاسي  بصحة  إجراءات  اللجنة  وعدالة  تقريرها  وسلامة  موقفها؟

وهل  تصبح  تقارير  لجنة  التحقيق  قشة  تقصم  ظهر  بعير  الشراكة  بين  العسكر  والمدنيين؟

محاكمة المتهمين  في قضية  فض  الاعتصام  ضرورة  عدلية  وأخلاقية  وبالطبع  هناك  مستفيدون  من الأحداث،  ولكن  بالطبع  لم يفض  الاعتصام  جنود  هبطوا  من السماء  وليس  بين  العسكر  والشباب  الذي  كان  يرقص  فرحاً  بغروب  شمس الإنقاذ  ويضحك  ويسهر  الليل  ويقرأ  الأشعار  عداء  مع الجيش  ولا  الدعم  السريع،  ولن يخوض  العسكريون  حرباً في مواجهة  هؤلاء  الشباب  من غير  توجيهات  أعلى منهم،  والقضية  التي  يحقق فيها  نبيل  أديب  تستهدف  الفريق  البرهان  أولاً  ثم  الفريق  محمد حمدان دقلو،  والفريق  شمس الدين كباشي،  فهل  تجني  قوى  الحرية والتغير  خيراً  إن هي مضت  في هذا  الطريق  الشائك.

وهل  في ظل  قانون  الطوارئ  المعلن  تستطيع  اللجنة  أداء  دورها؟

خيارات  العسكر  

* إذا  كانت  بعض  من قوى  الحرية والتغيير  تتربص  بالعسكر وتسعى  لتجريد  حميدتي شعبياً، وقد  تنامت  في الأوساط  الشعبية  حظوظه  في القيادة،  وأصبح  كثير  من الناس  يعتبرونه  أمل  الأمة  مع أن الأمم  التي  تضع  آمالها  في رجل  واحد  تسيء  التقدير،  وقد  وضع  الشعب  من قبل  آماله  في الصادق  المهدي  بعد  الانتفاضة،  فخاب  الرجاء،  ولكن  حميدتي  خلال  الفترة  الماضية  أثبت  قدرته  على العطاء،  والمكون  العسكري  مهما  كانت  ثقة  المواطنين  فيه  فإنه  بذات  القدر  لا يستطيع  السير  وحده  ولا حليف  له  إلا  قوى الحرية والتغيير  لأنهم  أصبحوا  شركاء  مصير، وأي  فضٍّ  للتحالف  يرمي  بالعسكريين  في هوة  عميقة  قبل  القوى  المدنية،  ولذلك  تعتبر  تقوية  التحالف  وتأمينه  ضرورة  للطرفين  وللشعب  السوداني  الذي  بدأ يضع  يده  على  قلبه  خوفاً  من انزلاق  البلاد  في حرب  أهلية  بالمدن  وليس  في دارفور  وكردفان.  وما يحدث  من لجان  المقاومة  يماثل  ما كان  يحدث  من  شبيحة  الرئيس  السوري بشار الأسد  وهم  يعتدون  على المواطنين  السوريين  في حلب  ودمشق،  وفي الأسبوع  الماضي  حدث  اقتحام  من قبل  لجان  المقاومة  في الدروشاب  على مركز  صحي  وطرد  المدير  الطبي  والعاملين  في المركز  وتم  الاعتداء  على  مواطن  في الكلاكلة  بحجة  أنه  يمثل  ثورة  مضادة،  وفي الأقاليم  يمكن  أن تتمدد  هذه  الاعتداءات  فتصبح  في الحال  صراعات  قبلية  وتنحرف  عن أهدافها.

وحتى  لا تنشر  الحكومة  بيدها  الفوضى  في  الأحياء  يمكنها  إصدار  قانون  للرقابة  الشعبية  أو  قانون  للجان  الأحياء  تستفيد من قانون  اللجان  الشعبية  السابقة  حتى  تصبح  للجان  المقاومة  في الأحياء  مشروعية  قانونية  تمكنها  من مراقبة  وصول  الخدمات  للأحياء  السكنية  وتلعب  دورها  السياسي  في خدمة  قوى الحرية والتغيير  ولكن  وفق  القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى