ما بين الولايات والأقاليم.. هل يرسم مؤتمر نظام الحكم خارطة طريق لمستقبل السودان؟

 

تقرير: فاطمة علي سعيد

تترقب البلاد انعقاد مؤتمر نظام الحكم الذي حُدد له شهر سبتمبر الجاري دون تحديد موعد قاطع له، غير أن الثابت أن موعده سيكون في أعقاب اكتمال مؤتمراته القاعدية التي يفترض عقدها في كل ولاية، بيد أن تلك المؤتمرات تواجه تحديات كبيرة من واقع أن الكثيرين يرون أن ما يتم من ترتيبات وإجراءات بالعاصمة والولايات من أجل انعقاد مؤتمر الحكم لا يشمل القوى السياسية، ومكونات المجتمع السوداني بصفة عامة وأن المؤتمرات تعقد في الولايات في ظل توترات وتعقيدات كبيرة سواء كانت جهوية أو قبلية أو على المستوى السياسي، ما يضعه أمام تحديات كبيرة خاصة وأن المؤتمر منوط به مناقشة القضايا المصيرية للبلاد، ولايمكن أن تتم في ظل انقسامات سياسية وتجاذبات وخلافات، لذا فإن المراقبين يرون أن ترتيب البيت الداخلي ضروري حتى يتم خلق مناخ وبيئة يصلح فيها لم الشمل وتوحيد الصف الوطني، للتمهيد لدستور دائم للبلاد تصادق عليه كل أطراف الشعب السوداني.

فشل

ويرى المراقبون أن تجربة الحكم الفيدرالي في السودان تم تطبيقها في مرتين، ولكنها آلت إلى فشل كبيرة بسبب عدم التوافق والتقسيم العادل للموارد، رغم ما تحقق في فترة حكم الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري ١٩٦٩ الى ١٩٨٥م، ويعتقد خبراء أن تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان ربما ينهي كثيراً من الإشكاليات التي حدثت بسبب حكم الولايات الذي جعل السلطة مركزية، مضيفين أن نظام الأقاليم كفيل أن ينهي صراع المركز والهامش، لجهة أن هناك أطرافاً ومكونات اتهمت النخب في الخرطوم بالتغول على حقوقها في التنمية والثروة وجعلها سلطة مركزية، مما أدى لاندلاع الحروب والصراعات الأهلية في دارفور وشرق السودان، وأدى لحمل السلاح ضد النظام السابق بدعوى التهميش.. فيما يخشى آخرون مقاومة بعض المكونات التي استفادت من نظام الولايات، ربما يعيد إنتاج صراع على الامتيازات والمكاسب السياسية في الإقليم وتصدر تطبيق نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي أجندة اتفاقية جوبا لسلام السودان وأقرته الاتفاقية الموقعة أكتوبر العام الماضي وإنفاذا لذلك أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان مرسوماً دستورياً بإنشاء نظام الحكم الإقليمي تمهيدًا لعودة تجربة البلاد بعد غياب لثلاثة عقود.

دستور دائم

وقال وزير الإعلام الأسبق بشارة أرو أن مؤتمر نظام الحكم مطلوب، وأشار إلى أن مثل هذه المؤتمرات قد عقد في الأنظمة السابقة، وأضاف “أرى ما يتم في الفترة الحالية خاصة في ظل النظام الحاكم هو ترتيب أوضاع خاصة بمن يديرون أمر البلاد قائلاً لا يشمل الهم الوطني ولا القوى السياسية كافة وأطياف المجتمع السوداني في ظل التوترات والتعقيدات على المستوى السياسي، وأشار إلى أن مثل هذه المؤتمرات لا يمكن أن تتم في ظل الانقسامات السياسية والتجاذبات والخلافات، مشدداً: يجب أولاً ترتيب البيت الداخلي بقدر من التسوية السياسية والتعاطي مع الاختلافات بشكل واقعي، لخلق بيئة صالحة لتوحيد الصف الوطني تمهد لوضع دستور دائم للبلاد تصادق عليه كافة أطياف السودان.

ويرى أرو أن ما يتم الآن فيما يتعلق بنظام الحكم هي قرارات توافقية خاصة لا تعتمد على وثيقة ولا دستور، مضيفًا لذلك يجب ترتيب الوضع داخليًا ومن ثم المؤتمر للوصول لمجتمع متماسك .

قرارات سيادية

ويرى الخبير السياسي محمد طه، أن الحكومة الحالية هي انتقالية وليست حكومة منتخبة، ويجب القيام بمهامها واختصاصاتها بدلاً من التغول على ما ليس لها، ويقول ليس على الحكومة الحالية أن تهدر موارد مالية وميزانية وتستهلك موارد بشرية ومالية في قضية تمت مناقشتها من قبل، داعياً الحكومة للعمل والتركيز على الإعداد للمؤتمر الدستوري وإقامة الانتخابات، مشيرًا إلى أن أغلب الأحزاب والحركات شاركت في الحوار الوطني ٢٠١٤ــ ٢٠١٦ وناقشت كل قضايا الحكم، وتابع “إن قيام الحكومة بأي قرارات سيادية مصيرية مثل هذا المؤتمر قد تؤدي لتكوين مجموعات احتجاجية وربما تتحول إلى احتجاجات مسلحة خاصة في بعض الولايات التي تشعر بأنها مهمشة”، ويشير إلى أن هناك مذكرات تفاهم تم التوقيع عليها بين تجمع المهنيين وحركة عبد العزيز الحلو حول نظام العلمانية وفرضها على الدولة، فإن أي نكوص عن تلك التفاهمات يؤدي لتوترات إضافية في المشهد السياسي، وأضاف: لذلك تحديد نظام الحكم هو مسئولية حكومة منتخبة ومجلس تشريعي باختيار حر ومباشر من الشعب، مضيفاً: لذلك فإن من شأن الحكومة الانتقالية الحالية استحقاق بحسب الوثيقة الدستورية الترتيب لمؤتمر دستوري والترتيب للانتخابات.

حساسيات

أما المحلل السياسي د. الحاج حمد محمد خير فيقول، إن نظام الحكم الإقليمي له فوائد في حال تطبيقه بالصورة المثلى، مضيفاً: لتقصير الظل الإداري وإنهاء الترهل بأجهزة الدولة، ولفت إلى أن السودان خلال فترة الاستعمار كان يدار عبر ثلاثة أنظمة حكم، مؤكدًا أن السودان عرف الحكم الإقليمي خلال حقبة الاستعمار البريطاني واستمرت التجربة إلى ما بعد الاستقلال وحتى عهد الحكومات الوطنية إلى أن جاءت السلطة الإسلامية الانقاذية وأنشأت نظام الولايات، مشيرًا إلى أن التجارب للحقب السابقة حققت نجاحات، وزاد: لكن هناك تعقيدات قد تعترض التجربة في كيفية اختيار حكام الأقاليم في ظل الحساسيات القبلية والتباينات بين المكونات، إلى جانب النخب في السلطة المركزية، منوهًا: يجب مناقشة ذلك بصورة مستفيضة في المؤتمر وضرورة مشاركة خبراء وإدارات أهلية حتى لا تكون تجربة مفرغة المحتوى.

مكاسب وامتيازات

وأبدى القيادي بالجبهة الثورية موسى داود تفاؤله، بأن ينهي مؤتمر الحكم الفيدرالي كثيرًا من الأزمات التي خلفها نظام الولايات في حكم السودان خلال التجربة السابقة، مبينًا أن قوى الكفاح المسلح كانت لها رغبة كبيرة في مناقشة العودة لنظام الإقليم من خلال مباحثات السلام. وأضاف “ينبغي حسم كثير من الأمور خلال مؤتمر الحكم الإقليمي المرتقب، كمسألة التشريعات التي تفصل في المهام والسلطات التي تضمن التخلص من مركزية السلطة” ورأى أن بعض المكونات القبلية حققت مكاسب وامتيازات بموجب نظام الولايات التي عمد النظام المعزول إلى تقسيمها على أساس سياسي، وربما تقاوم حواضرها الاندماج في إقليم واحد وتوقع أن يسهم نظام الأقاليم في تحقيق القدر المطلوب من الاستقرار والعدالة في قسمة الثروة.

انتكاسة وقبضة

وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي صديق إسماعيل إن تجربة حكم الأقاليم على مدى التاريخ السودان تبدأ بصورة ممتازة وتواجه بالانتكاسة بعودة السلطة إلى قبضة المركز من جديد، واعتبر أن قضية نظام الحكم في السودان كبيرة وحساسة ولا ينبغي أن ترهن لإرادة مجموعة محدودة من السودانيين، فهذا نهج غير ديمقراطي قد تفرز عنه إشكالات كبيرة.

معالجة الخلل

وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي، أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة سيعالج الخلل في قضايا تقاسم السلطة والموارد في السودان وقال التعايشي إن المؤتمر يمثل أحد استحقاقات اتفاقية جوبا لسلام السودان”، مشيرا إلى أن التجربة الحالية لنظام الحكم والإدارة، التي أقرتها اتفاقية جوبا لسلام السودان، خضعت لدراسة وافية لكل جوانبها”.

وأوضح التعايشي أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة القادم في البلاد سوف يعتمد على أسس تشمل فلسفة المؤتمر والبناء الهرمي له، والقضايا الأساسية التي سيناقشها المشاركون في المؤتمر، وعلاقة نظام الحكم بشكل الحكم، مؤكدًا على أهمية مؤتمر ولاية الخرطوم، الذي أقرته اتفاقية جوبا للسلام، لأنه يساهم في تعريف العلاقة بين الخرطوم كعاصمة إدارية والخرطوم كولاية.

وتابع التعايشي أن فلسفة مؤتمر نظام الحكم والإدارة تقوم على الإجابة على سؤال كيف يحكم السودان؟

برلماني أو رئاسي

وأشار التعايشي إلى أن اتفاقية جوبا لسلام السودان، أقرت أن يتم حكم السودان عبر نظام الحكم الفيدرالي، الذي يرتكز على مستويات الحكم الإقليمى لكل السودان، مبينًا أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة سيناقش تفاصيل الحكم المحلي في ظل الحكم الإقليمي الفيدرالي على مستوى السياسات والتشريعات، إلى جانب مناقشة الحكم الذاتي في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان “جنوب جمهورية السودان” وعلاقته بالمركز، وترسيم الحدود بين الأقاليم، إضافة إلى التقسيمات الإدارية داخل الأقاليم السودانية، بجانب إدراج محور التحديات البيئية في السودان في ظل الحكم الفيدرالي، وعلاقة ذلك بالتنمية وإشكالات البيئة وأثرها في تأجيج الصراعات.

وأوضح أن البناء الهرمي للمؤتمر يقوم على المشاورات الواسعة في كل أنحاء البلاد، لتشمل الإدارات الأهلية والإداريين والعلماء والخبراء ومنظمات المجتمع المدني، وتبدأ من المحليات ويتم التصعيد منها للمستوى الولائي وحتى المؤتمر العام، منوهًا إلى أن نظام الحكم والإدارة لن يتأثر بشكل الحكم، سواء كان برلمانيًا أم رئاسياً.

ذاكرة السودانيين

ويظل الحكم الإقليمي رغم غيابه عالقاً في ذاكرة السودانيين كتجربة رائدة طول الغياب حققت نجاحات في حقبتي الراحلين الرئيس جعفر نميري وفترة الديمقراطية الثانية الإمام الصادق المهدي، ووقتها قسم السودان إلى 6 أقاليم بينها دارفور، كردفان، الإقليم الأوسط، والجنوبي، والشرقي، على كل أقليم حاكم واحد تعينه الحكومة المركزية، وبداخلها مديريات ومحافظات، ولكن عندما استولت الإنقاذ على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، طبقت نظام الحكم عبر الولايات، وقسمت البلاد إلى 26 ولاية وتقلصت إلى 18 ولاية عقب انفصال جنوب السودان . والآن إنفاذاً لاتفاق سلام جوبا أصبحت دارفور إقليمًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى