السُّوق.. غُول الأسعار يبتلع أحلام الأطفال!!

 

الخرطوم ـ سارة إبراهيم

مُنذ منتصف شعبان الماضي واقتراب دخول شهر رمضان، شهدت الأسواق في البلاد، انفلاتاً كبيراً في الأسعار، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بصورة جنونية، حيث تقدّر نسبة الارتفاع بأكثر من 1000% لجميع السلع الاستهلاكية الأساسية بالرغم من الوعيد والتهديد من قِبل وزارة الصناعة والتجارة وتكوين آلية دائمة لضبط ورقابة الأسواق الداخلية لرصد حركة الأسعار والنشاط التجاري.

ومع اقتراب موعد عيد الفطر الفطر المبارك، زاد انفلات السوق, لدرجة أن كثيراً من الأُسر آثرت مُقاطعة الأسواق وحرمت نفسها من شراء مُستلزمات العيد.. وربما استشعر المسؤولون مَغَبّة نتائج الغلاء الفاحش، فكان أن كلما خرج مسؤولٌ منهم لا يجد بُدّاً إلا أن يتحدّث عن الوضع الاقتصادي الضاغط ويعد بأنّ القادم سيكون أفضل!! لكن تَمْضِي الأسعار كُلّ يومٍ نحو الأسوأ، لدرجة أنّ غُول الأسعار نجح بامتياز في ابتلاع أحلام الأطفال في الفرحة بعيد الفطر!!!

كسادٌ

جولة نفّذتها (الصيحة) أمس داخل الأسواق، كشفت عن حجم مُعاناة المواطن مع أسعار العيد، إذ بلغ سعر طقم ملابس الأطفال لأكثر من 15 ألف جنيه, وظلّ كثير من السلع في أماكنها، حيث تدنت القوة الشرائية إلى مستوى منخفض واكتفى كثيرٌ من مُرتادي السوق بالفُرجة على البضائع والسؤال عن ثمنها من ثم المضِي إلى تاجر آخر، علّهم يجدون ما يتناسب مع الدخل المتدني والمُنهك أصلاً بتوفير مُتطلبات الحياة.

تَدخُّلٌ مُباشرٌ

ويُرجع الكثيرون، انفلات الأسواق المتواصل لعدم وجود رقابة، وترك الحكومة حبل الأسواق على غَارب جشع التُّجّار، بينما يرجع التُّجّار الغلاء لانخفاض قيمة الجنيه السوداني والذي بلغ 400 جنيه كسعر رسمي وارتفاع نسبة التضخُّم التي وصلت لنحو 400%.

وما بين المُواطنين والتُّجّار، أخذت الحكومة زمام الأمور، علّها تستطيع كبح جماح الأسعار، فكان أن قال وزير التجارة والتموين علي جدو آدم بشر، إنّه سيقود حملة شرسة على التُّجّار، وسيتولّى قيادتها ومُتابعتها بنفسه لمُحاربة الغلاء وجشع التُّجّار والسماسرة والوسطاء من خلال تفعيل قانون حماية المستهلك لجعل الأسعار في حدود المعقول!!

قرار

أمس الأول، أصدر وزير التجارة والتموين علي جدو، قراراً وزارياً حمل الرقم (18) لسنة 2021 والخاص بتشكيل لجنة عليا برئاسته وعضوية آخرين للإعداد للحملة القومية للرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، وذلك استناداً على الصلاحيات الممنوحة له بمُوجب قرار مجلس الوزراء رقم (104) لسنة 2021م.

وحدّد القرار، مهام واختصاصات اللجنة في القيام بحملات رقابية تفتيشية مُستمرّة على الأسواق بولاية الخرطوم كمرحلة أولى وتعميمها على بقية الولايات لاحقاً، بجانب التأكُّد من وضع الديباجات بأسعار السلع الاستهلاكية حسب الأسعار التأشيرية التي يتم تحديدها وفق نص المادة (5) من قانون حماية المُستهلك لسنة 2019 والالتزام بالمُواصفات القياسية للسِّلع، بالإضافة إلى التأكُّد من الالتزام بالعرض والاشتراطات الصحية للمتاجر والسلع والعاملين بتلك المتاجر، وكذلك تَوعية المُواطنين بحقوقهم كمُستهلكين وفق ما أُشير لذلك من قوانين.

حملات

في الفترة الماضية، نفّذت الإدارة العامة للتجارة وشؤون المُستهلك بوزارة الصناعة والتجارة ولاية الخرطوم، حملات واسعة لضبط الأسواق لتخفيف أعباء المعيشة على المُواطنين، وتستهدف الحملة جميع الأسواق والمتاجر بولاية الخرطوم، ومدى التزام التُّجّار بوضع الديباجات على السلع الاستهلاكية ومُراجعة صلاحيتها, وأسفرت الحملة التي انتظمت سوق بحري وسوق (6) بمحلية شرق النيل، والتي نُفِّذت بالتعاون مع مباحث التموين عن ضبط ورصد أسعار السلع الأساسية، وشملت الحملات سوق بحري وسوق (6) الحاج يوسف محلية شرق النيل, ومحلات تجارية بضاحية بُرِّي المعرض والصحافة شرق والخرطوم شرق بمحلية الخرطوم, عن ضبط سلع مُنتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي، ودوّنت بلاغات ضد تُجّار مُخالفين, ووجّهت إدارة حماية المُستهلك ومباحث التموين التُّجّار للالتزام بوضع ديباجات الأسعار، والامتناع عن عرض المواد الغذائية (فلت) ودُون تاريخ انتهاء.

حَملةٌ إعلانيةٌ

قال رئيس اللجنة الاقتصادية بالجمعية السودانية لحماية المُستهلك د. حسين القوني: من مسؤوليات الحكومة ضبط ومُراقبة الأسواق وتنفيذ سياسة الحكومة في مجال حماية المُستهلك، لكن بكل أسفٍ، لم تبدأ تلك الحملات بحملة إعلامية حتى يتعرّف المواطن والتُّجّار على هذه السياسات وتسليط الضوء على قوانين حماية المُستهلك وقوانين التجارة الداخلية، وقال أن تأتي الوزارة مُتأخِّرة خير من ألا لا تأتي، وأضاف: المطلوب منهم حَملة مُكثّفة لشرح سياسة الحكومة فيما يتعلّق بالمُستجدات وسياستها تجاه التعاونيات، مُشدِّداً على أهمية مُتابعة تفعيل قانون التعاونيات وتشجيع قيام الجمعيات قي كل ولايات السودان على أُسس سليمة.

مُقترح بإقامة بنك

شدّد الخبير الاقتصادي هيثم فتحي لـ(الصيحة) على ضرورة إنشاء هيئة عامة للتعاونيات وإنشاء بنك تعاوني وشركة تعاونية عامة لتكون هناك أذرع تنظيمية ومالية واستثمارية تدعم الاقتصاد التعاوني، لافتاً إلى نجاح التجربة في عدد من دول العالم يدعو إلى سرعة الإقدام على إنشاء الجمعيات ودعمها، وقال فتحي إنّ تجربة الجمعيات مُفيدة، إذ تُقدِّم الدولة أراضٍ للجمعية وتسهيلات جمركية وخفض في كلفة الخدمات اللوجستية، لتحقق هذه الجمعيات الفائدة المرجوّة منها، فالمعروف تاريخيّاً أنّ 80% من الاقتصاد الوطني السوداني مُحتكرٌ (بشكل مُباشرٍ أو غير مُباشرٍ) من قِبل عددٍ قليلٍ من الشركات أو الأشخاص التي لهم صلة مع أصحاب النفوذ.

الحاجة لقوانين

ولفت المُحلِّل السِّياسي هيثم فتحي، إلى أن انخفاض أسعار النفط في الفترة المُمتدة بين الأعوام 2014 إلى 2016 (أكثر من 60%!) لم ينعكس في أسعار السلع والبضائع في السودان، وَأَضَافَ: في تقديري أن ارتفاع الأسعار مُرتبطٌ بشكل أساسي بهيكلية الاستيراد الاحتكارية (بامتياز) وارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي لدى السُّوق المُوازي، مُناديًا بضرورة حماية المُستهلك وتطوير قوانين حماية المُستهلك وتحرك الجهات التي دورها حماية المُستهلك، وقال إنّ اللجوء إلى رفع الأسعار من قبل التُّجّار يكون إما للحفاظ على مصالحهم ورأسمالهم، أو لتصيُّد الفُرص التسويقية!!! فارتفاع أسعار السلع في الأسواق جُزءٌ منه مُبرّرٌ، لأنّ 90% من استهلاكنا مُستوردٌ، وحتى السلع المُصنّعة محلياً جُزءٌ كبيرٌ من موادها الأولية تأتي من الخارج.

جَشَع التُّجّار

ويرمي هيثم بالمسؤولية على عاتق الدولة، التي لم تمنع جشع التُّجّار، فيقول: أما ارتفاع الأسعار غير المُبرّر فهو ناتج عن جشع بعض التُّجّار وفوضى الشراء التي يُمارسها المُستهلكون، وعدم إبلاغهم (نيابة حماية المستهلك)، عن أيِّ شكاوى أو مُخالفات تتعلّق بالأسعار في الأسواق، لذا أخشى أن يمتنع عددٌ من التُّجّار عن شراء أو بيع كميات كبيرة من البضائع خشية التقلُّبات اللحظية التي يشهدها السُّوق في ظل انعدام الأمان الاقتصادي العام مهما تكن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع سعر الصرف وانخفاض القوة الشرائية للجنيه السُّوداني مُقابل العملات الأجنبية، وتأثيراتها على الأسواق والأسعار والحياة اليومية، فإنّ الثابت الأكيد أنّ الاقتصاد السوداني يُعاني من خَللٍ كَبيرٍ ويبقى المُواطن هو الضحيّة الدائمة!!!

وحمّل مسؤولية الرقابة لأجهزة الدولة وليس غيرها، لأنّ الانسحاب السلبي وغير المُبرّر الذي نراه من جانب هذه الأجهزة الرقابية أصبحت له آثاره المُدمِّرة على حياة المُواطنين..!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى