صلاح الدين عووضة يكتب: نفخة كذَّابة !

صلاح الدين عووضة يكتب: نفخة كذَّابة !

 

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

نفخة كذَّابة !

رمضان كريم..

والنفخات الكذَّابة هذه لا تأتي إلا من تلقاء جاهل… أو مستجد نعمة..

حتى وإن تغطت بشعار لا أكذب ولكني أتجمَّل..

والنعمة هذه نفسها ليس بالضرورة أن تكون نعمة مال..

فقد تكون نعمة فجائية تتمثل في سلطة…أو منصب…أو ترقية…أو حتى حب..

نعم حتى الحب هنالك مستجدون فيه..

وذلك كأن يُفاجأ أحدنا بأن طرفاً آخر – ذا جمالٍ أو وسامة – بدا له وكأنه يحبه..

بينما هو لا يكون مستحقاً للحب هذا، هكذا يظن…أو يبدو..

ومثال ذلك ما حدث للشاعر النميري الذي صادف في طريقه أميرة معها وصيفاتها..

ورمقته بنظرة عجلى… ثم حاذرته..

فظن أن النظرة تلك لم تكن إلا نظرة إعجاب… وأن الحذر إنما هو حياء الأنثى..

فأنشد من فوره قائلاً:

تضوع مسكاً بطن مكة إذ مشت…به زينب في نســوة عطرات

فلما رأت ركب النميري أعرضت… وكن من أن يلقينه حذرات

ولسوء حظه لم تكن زينب هذه إلا بنت الحجاج..

فأمر بإحضاره إليه بعد أن ذاع أمر القصيدة… وقصتها… وبطلتها..

فلما مثل أمامه لم ير إلا رجلاً بسيط المظهر..

فعجب أن يكون لمثله ركب… فسأله عن حقيقة ركبه هذا الذي يباهي به..

فقال: أعز الله الأمير، حمارٌ أركبه… وآخر أقوده خلفي..

لقد كانت نفخة كذَّابة إذن..

وكتبت مرةً عن زميلٍ كان لي مصادقاً… ومزاملاً… ومرافقاً… ومجالساً..

فاندغم في نظام الإنقاذ حين تحدث رئيسه عن الاندغام..

ثم فوجئت إذ رأيته وقع أسير النفخة الكذَّابة منذ أول وهلة..

وأول من مارسها عليه – في غرابة شديدة – هو صديقه… وزميله… ورفيقه..

أي شخصي أنا..

ولم يتذكرني مرة أخرى إلا عندما رُكل..

فكانت واحدة من أغرب ظواهر النفخات الكذَّابة التي تمر عليَّ في حياتي..

ولا أقول إنها الوحيدة… في غرابتها..

فنظام الإنقاذ هذا نفسه بدا لنا – في بداية عهده – بعض رموزه في غاية الزهد..

بدوا لنا زاهدين… متواضعين… متصالحين مع ذواتهم..

لدرجة أن منهم من أقسم بأنه لن يترك بيته القديم… لينتقل إلى منزلٍ حكومي فخيم..

ثم سرعان ما تغيَّرت أحوالهم..

ليست المادية وحسب وإنما حتى المزاجية… لتجعلهم يظهرون كمستجدي نعمة..

وأصابهم داء النفخة الكذَّابة… على أصدق وجه..

وهو الداء ذاته الذي تغلغل في نفوس من سرقوا الثورة على حين غفلة..

ثم انتفخوا – كذباً – حين ذاقوا نعيم سلطتها..

رغم أن أكثرهم كان حاله كحال الشاعر الذي تباهى بركبٍ لم يكن سوى حمارين..

أو كحال بعض أهل الإنقاذ الذين كانوا مساكين قبل انقلابهم..

ومن غرائب الصدف أن منهم من تشبه بمنسوبي الإنقاذ هؤلاء في بداية التمكين..

ولاحظ أنهم شابهوهم حتى في التمكين هذا..

فذهبوا إلى أداء القسم بحافلة متواضعة… حافلة ماركة هايس..

بل إن أحدهم ظل يستقل دراجته – حيناً – إلى مقر عمله..

ثم ظهرت الإنفينيتي..

فظهرت امتيازات… ونثريات… وسفريات… وضحكات… وضحَّاكات..

وظهرت عنجهيات… وفلهمات… وانفصامات..

ونفخةٌ كذَّابة !.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى