ما أكثر العِبَر وما أقل الاعتبار

*ما من شك، أنه من مصلحة الحكومة الانتقالية ألا تواجه معارضة كبيرة، وهي تمضي في إنفاذ برامجها، وهي كذلك تعمل على تفكيك كثير مؤسسات صبغتها الحزبية وجافت الصبغة الوطنية، وهي تعمل على مواجهة الفساد وشبكاته، وقصقصة أجنحته وتقليم أظافره، وهي قبل ذلك تعمل على وقف الحرب ونزيفها، ومعالجة الأزمة الاقتصادية وآثارها.

*وهي تفعل كل ذلك، تحتاج إلى جهد وطني يساندها، وإلى إرادة غلابة تقف إلى جوارها وتعزّز جهدها وتدعم خطاها، هذا كله يتطلب أن تكون هناك أكبر مجموعات سياسية ممثلة في المجلس التشريعي الانتقالي، حتى لا تتحول إذا ما تخطّاها التمثيل إلى معارضة، تقف في وجه البرامج وإنفاذها، وتصفية القديم ومحو آثاره.

*لكن ذلك لا يعني، تمثيل أولئك الذين ظلوا إلى يوم غروب شمس النظام وانقضاء عهد كانوا جزءًا منه ومشاركين معه، إن لم يكونوا مؤلبين على الثائرين وباخسين قدرهم، مثل هؤلاء إشراكهم مضر بالثورة ومسيرتها، لأنهم سيكون عاملاً مُعوّقاً لبرامجها وإنفاذها، إن لم نقل العمل على إجهاضها.

*هناك قطاعات واسعة ينبغي أن يُراعَى تمثيلها، من ذلك الحركات المسلحة التي عادت بموجب اتفاقات، ومن ذلك قطاع النازحين، ومنظمات المجتمع المدني، والشباب الذين مثّلوا أكبر شريحة فاعلة ومؤثرة، بل ومُرجّحة، ومن ثم وجب أن يكون تمثيلهم بقدر وزنهم وتأثيرهم، وأن يكون مبرزاً لبرامجهم ومُمكّناً لطموحاتهم، وكذا قطاع المرأة، فلقد كانت القطاع الرائد والقائد والملهم والثائر، ومن ثم يجب أن تفي قوى الحرية والتغيير بوعدها وعهدها، وأن تمضي في تخصيص 40% من المقاعد في المجلس التشريعي لها إعزازاً لدورها وتمكيناً لمكانتها، وعرفاناً ببذلها.

*من مصلحة المؤتمر الوطني وكل الأحزاب التي تتلفع بعباءته وتتدثر بثيابه، خير له ولها، أن تعكف على مراجعة تجربتها، وأن تتبصر في السالب من مسيرتها، وأن تُقيّم أخطاءها، وأن تتبين لِمَ دبَّ الفساد في عضويتها، ولِمَ غاب الطهر عن مسيرتها؟، عليها من بعد ذلك أن تخرج على الناس بتوبة عما اقترفت يداها، وعما جنت سائر جوارحها وأعضائها.

*لعلّ أكبر خطايا الوطني، ذلك الانحراف الكبير في منهجه، وتلك (الدغمسة) التي رافقت تطبيقاته للإسلام ومناهجه، وللشريعة وأحكامها، ومن ثم فإن الناظر المتبصر من بعد تجربة 30 عاماً من نظام حكم، قال إن الشريعة هي التي تحكمه، وإن راياتها هي التي ترفرف عليه، يجد أن الظلم حلّ محل العدل، والفساد حلّ محل الطهر، وأكل المال العام حلّ محل نظافة اليد ونقاء النفس وسريرتها، وأن الإنسان لم يعُد آمناً لا في رزقه ولا في عيشه ولا في حياته، بل ولم يعد آمناً حتى على سلامته، بل واتخذت فتاوى تبيح دمه وإهدار روحه.

* وغابت كذلك دولة الرعاية الاجتماعية وحلت محلها دولة الجباية، ونسي من قالوا إنهم يتبنّون مشروعاً حضارياً، أن رسولنا الأكرم، قال:(بُعِثنا دعاةً ولم نُبعَث جُباة)، أكثر من ذلك، فإن أهل المشروع في استراتيجيتهم لعشريتهم الأولى، قالوا: سنجعل من أمة السودان، أكثر أمم الدنيا حضارة ونهضة وتقدّما وأخلاقاً، وانتهينا من بعد ثلاثين عاماً إلى كل هذا الإملاق وسوء الأخلاق الذي كان عنوان حكومة، م ارعت يوماً طيب سجايانا ولا حُسن معشرنا ولا سلامة طويّتنا، وأهدرت كل قيمة كريمة وسمتنا وكانت عنواناً لنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى