فَــك الشّــــفرة

في مُفاوضات دارفور التي انعقدت بالعاصمة أبوجا في العام 2005 ووقّع فيها مني أركو مناوي، كان الراحل مجذوب الخليفة رئيساً لوفد التّفاوُض الحكومي، وكثيراً ما كانت تتعثّر المُفاوضات وتصل إلى طريقٍ مسدودٍ يعجز كل الوسطاء والمُسَهِّلين في فك الشفرة، حينها يمسك مجذوب الهاتف ويُبلِّغ الخرطوم بأنّه مُحتاجٌ لطائرة لتقل الوفد إلى الخرطوم، وإنّ المُفاوضات فشلت، هنا يخفق قلب الوساطة، وتجتهد بحثاً عن مَخرجٍ، وسُرعان ما يتم التراجُع عن إرسال الطائرة، وتخطي العقبة التي كانت تَعترض المُفاوضات.

استشهدت بتلك القصة بعد أن أعلنت قُوى الحُرية والتّغيير، نيّتها استخدام الإضراب الشامل ضد المجلس العسكري، كوسيلة ضغط لتسليم السلطة للمدنيين أو على الأقل المُوافقة على أقلية عسكرية ورئاسة مدنية للمجلس العسكري، وهو الطرح الذي دفع به تجمُّع قُوى الحُرية والتّغيير.

إنّ كرت الإضراب الشامل الذي قذفت به قُوى الحُرية والتّغيير، لا أعتقد أنّ توقيته كَان مُناسباً، صحيحٌ أنّ المُفاوضات تعثّرت بين الطرفين، ولكن ندرك أنّ هُناك وساطة ولجاناً تعمل بإمكانها ردم الهوة التي ليست بالكبيرة بين الطرفين.

إعلان الإضراب في الوقت الحالي يعني أنّ الاتفاق الطارئ الذي تم الإعلان عنه بين المجلس العسكري وقُوى الحرية والتغيير، أصبح في مَهَب الريح، صَحيحٌ أنّ المجلس لم يُعلن صراحةً نفض يده منه، ولكنه بلا شك سَوف لن يلتفت إليه، ويبدأ في البحث عن ما لديه من خُططٍ لتأمين نفسه من أيِّ هجمةٍ مُرتدةٍ.

بلا شك أنّ المجلس العسكري سيُقاوم الإضراب الشامل ويسعى لإفشاله، وهي مُهمّة ليست صعبة بالنسبة له، لأنّ هناك تياراً قي الضفة الأخرى، لا يُساند قُوى الحرية والتغيير وهم ليسوا بالأقلية كما يتصوّر البعض، ومُمسكون بزمام كَثيرٍ من المُؤسّسات، بل تصفهم قُوى الحرية والتغيير بأنّهم أذيال للنظام السابق، كل هؤلاء يُمكنهم التخندق في صف المجلس العسكري، ليس حباً فيه، ولكن على الأقل العمل بمقولة (أنا وابن عمي على الغريب، وأنا وأخي على ابن عمي).

ليس هناك مَخرجٌ لما نحن فيه إلا بالتفاوُض كما قالت مُكوِّنات نداء السودان في بيانها أمس، وهي قُوى خَبرَت السِّياسة وخَبرَت البندقية، ولديها من الرصيد السِّياسي والعسكري ما هو أكبر بكثيرٍ من قُوى الحرية والتغيير. نأمل أن يكون هناك مَخرجٌ آمنٌ للسودان، وأنّ التصعيد بين قُوى الحرية والمجلس في هذا التوقيت وبعد الاتّفاق الذي لم يتبقَ منه سوى أقل من 10%، أمرٌ غير محمودٍ.

قلنا من قبل إنّ هناك عدم ثقة بين المجلس وقوى الحرية إذا لم تكن هناك ثقة، فإنّ التخوين والنظرة العدائية سَتكون حَاضرةً، وهذا لن يتوقّف على مُستوى المُفاوضين، بل يمتد إلى المُعتصمين والثُّوّار، وما العبارات التي اُستقبل بها الفريق أول صلاح عبد الخالق في تشييع الراحل علي محمود حسنين إلا واحدة من ذلك.

نحتاج إلى وُسطاء وعُقلاء، ما تبقى ليس عسيراً، فقط نحتاج لإدارة الوقت القادم بطريقةٍ مُختلفةٍ.

الإضراب المُعلن هو بمثابة دعوة مجذوب الخليفة للخرطوم لإحضار طائرة تقلّ الوفد، نأمل قبل أن تصل طائرة الحرية والتغيير – الإضراب الشامل – أن تفلح الوساطة وتفك الشفرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى