غياب الأحزاب عن الساحة.. -2-

* بالأمس تحدثنا عن غياب الأحزاب (الكبيرة) في السودان عن المشهد السياسي الراهن، وهذا الغياب لابد أن يشغل الباحثين ومراكز الدراسات لفترة قد تطول.. تحدثت بالأمس عن غياب حزب الأمة، بكامل رصيده الذي حققه خلال الستين عاماً الماضية عن ساحة الفعل السياسي المؤثر، برغم أنه صاحب أكبر رصيد انتخابي خلال آخر ديمقراطية يشهدها السودان في العام 1986.. واليوم نحدث عن رفيق دربه التأريخي الاتحادي الديمقراطي.

* الحزب الاتحادي الديمقراطي، أو ما عرف بحزب الوسط أو حزب الاستقلال.. غاب عن الساحة السياسية مثله مثل حزب الأمة، وأصبح لا أثر له على المعادلة السياسية، برغم أنه الحزب الذي حاز على المقعد الثاني في آخر انتخابات ديمقراطية.. لكن يبدو أنه مصاب بجملة من الأمراض التي أصابت رفيقه (حزب الأمة).

* تشابه الاتحادي الديمقراطي مع حزب الأمة في العديد من (الأمراض والأعراض) التي أصابتهما خلال أعوام الإنقاذ، وتأثر الحزب بتيارات الخلاف داخله، وخرجت من رحمه أحزاب أخرى، أضعفته وأسهمت في الساحة العامة.. وتشابه حزب الاستقلال العريق مع حزب الأمة في (القبضة الحديدية) لزعيم الحزب.. وهو تشابه حتى في السجادة الدينية، حيث نجد هنا الطريقة الختمية، وهناك طائفة الأنصار.. وتشابه اليد القابضة في الحزبين لزعيمي الطائفتين.

* بدا واضحاً أن الفرق بين الحزبين العريقين تمثّل ظاهرياً فقط في (المشاركة) في الحكومة.. حيث كانت مشاركة الاتحادي مشاركة مباشرة نتجت عن اتفاقات ثنائية بين الحزب والحكومة لدرجة بلوغ أبناء الميرغني لموقع مساعديْن لرئيس الجمهورية.. بينما رفض حزب الأمة (المشاركة المباشرة) في الحكومة.. على الرغم من شغل موقع نجل رئيس الحزب لمساعد رئيس الجمهورية، وفسر الحزب المشاركة على مستوى شخصي، والنجل الآخر انخرط ضمن قوى جهاز الأمن.

* عانى الحزب الاتحادي الديمقراطي من (تصدّعات) كبيرة كان صدعها الأكبر عجز الحزب المتكرر في قيام مؤتمره العام، والغياب (الطويل) لقائده وزعيمه محمد عثمان الميرغني الذي أثر بشكل مباشر في صورة الحزب الراهنة.. ثم خروج فصائل عديدة من عباءة الحزب، وتكوينها لكيانات أخرى بدأت في شق طريقها السياسي بعيداً عن سجادة الحزب وقبضة قائدها.. وعانى الحزب من نهج (التوريث) الذي عانى منه كذلك حزب الأمة، ثم كانت (قاصمة الظهر) الصراع بين مثقفي الحزب وقيادات صفه الأول وأبناء رئيس الحزب (قليلو التجربة) الذي ألقى بظلال كثيفة على صورة الحزب الراهنة.

* بقاء الحزب مشاركاً في حكومة البشير حتى آخر لحظة قبل سقوطها في الحادي عشر من أبريل ربما مثّل السبب الأكبر في غيابه عن المشهد، خاصة أن المتحكمين في الساحة السياسية هذه الأيام طلبوا خروج كل (شركاء البشير) خارج المشهد الانتقالي.. لكن هذا يبدو سبباً غير وجيه يرضخ له الحزب، لأن كل التنظيمات السياسية حتى التي تقود الثورة الآن كانت في يوم ما جزءاً من (حكومة البشير).

غداً نحدث عن بقية الأحزاب والكيانات التي وجدت نفسها خارج الحلبة، وأصبح غيابها أمراً واقعًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى