عرمان.. بعيداً عن الإقصاء

وكزة قلم – أبو عبيدة عبد الله

عاد ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية فجر أمس، دون أي سابق مواعيد، في وقت (ادلهمّت فيه الخطوب)، كما قال حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي.

عرمان عُرفت عنه الحنكة السياسية، وهو مفاوض من طراز فريد، فاوض في نيفاشا مع رفقائه في جنوب السودان، وانفصل الجنوب، وقاد التفاوض مع الحركة الشعبية شمال.

التصريح الذي أدلى به في المطار عقب عودته ينم عن ذكاء سياسي، لم يخسر أي طرف من أطراف المعادلة السياسية، ولم يُمارس الإقصاء الذي مارسته قوى الحرية والتغيير على كثير من الكيانات والأحزاب السياسية، عرمان قال: سنمد أيدينا إلى الإسلاميين الراغبين في إقامة نظام جديد يسع كل السودانيين، وسنلتقي بكل من عارض الإنقاذ منذ البداية أو الأيام الأخيرة.

مثل هذا التصريح هو ما يحتاجه الوطن، بعيداً عن الغبائن والتشفّي وتصفية الحسابات، صحيح أن المؤتمر الوطني إبان حكمه مارَس كل أنواع الإقصاء تجاه كثير إن لم نقل كل المكونات السياسية، بل مارس الإقصاء على نفسه، مما حدا بمجموعات ليست بالقليلة الخروج من عباءة الحزب.

دخول عرمان حلبة السياسة من هذا المدخل الفسيح، لن يعجب الكثير من بعض قوى الحرية والتغيير التي كانت منكفئة على نفسها، وتنظر تحت رجليها، مما عقّد الوضع وأوصل المشهد الموجود في الساحة السياسية إلى هذه المرحلة.

عرمان يؤمن بالتنوع وعدم الإقصاء، كان معجباً جدًا بنيلسون مانديلا وتجربة المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي في الحكم. كتب عرمان ذات مرة وعقب انفصال الجنوب (في عام 1998 كلفنا الدكتور جون قرنق بالذهاب إلى ماليزيا بطلب من نيلسون مانديلا لمقابلة مهاتير محمد، وكان الوفد يتكون من دكتور شول داو وفاقان أموم ودينق ألور ودكتور برنابا بنجامين وشخصي، كما كان لرجل الأعمال السوداني محمود عبد الرحيم دور في تنسيق هذه الزيارة مع الماليزيين. والتقيت في تلك الزيارة بالدبلوماسي الجنوب أفريقي بيرنارد أحد الكوادر المتميزين في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي التقيناهُ مع سفيرة جنوب أفريقيا والتي تم تعيينها لاحقاً كوزيرة للخارجية، حدثني بيرنارد عن كريست هاني وأعطاني الكُتيب الرائع (كريست هاني الشمس التي غربت قبل الشروق)، وهو كتاب مؤثر عن انطباعات زملائه حول سيرته العطرة، وقال لي بيرنارد إن المؤتمر الوطني الأفريقي بدون سيرته الطويلة التي تضم المناضلين من كافة الأعراق من سود وبيض وهنود وملونين لا يعنى شيئاً، ولأصبح مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى التي قامت على أساس إثني وعرقي، وإن ما يميز المؤتمر الوطني الأفريقي هو ألوان الطيف، ومحاولة بناء وحدة في التنوع، إن هذا ما يحتاجه السودان بالضبط، إن قضايا القوميات والتنوع في بلادنا تحتاج لنظرة جديدة ولبناء منظومة ديمقراطية مانعة وجامعة وعاتية تجمع في ضفافها كافة القوميات وتعبُر خلف الألوان واللغات واختلاف الخلفيات الدينية والثقافية حتى تتصالح بلادنا مع نفسها وتقدم نموذجاً إيجابياً للمجتمع الإنساني العالمي). انتهى.

فعلاً السودان بثقافاته وأعراقه وتمدده وأطرافه المترامية يحتاج لسودان تنصهر فيه كل الأعراق والقبائل والألوان، دون كبت أو إقصاء، فهل يعتبر ساستنا، ويلتقطوا القفاز؟ نأمل ذلك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى